كان إعلاناً مفاجئاً للجميع عدا واشنطن حين أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بسحب الجزء الرئيسي من القوات الروسية في سوريا، يوم الإثنين 14 مارس. جاء القرار الأخير بعد اجتماع الرئيس الروسي مع وزيري دفاعه (سيرغي شويغو) و خارجيته (سيرغي لافروف)، و بالرغم من إعلان موسكو في سبتمبر من العام الماضي أن حملتها العسكرية في سوريا مؤقته و تعمل وفق بنك أهداف (سوري روسي) مشترك و محدد، إلّا أن توقيت و طبيعة القرار الروسي الأخير بسحب القوات الرئيسية قد اثارت العديد من التساؤولات حول الدوافع و الأسباب و النتائج التي تقف أمام هذا القرار..خاصَة أن هذا القرار جاء في ذروة النجاح و التقدم الميداني للجيش السوري علي عدة محاور و جبهات بفضل الدعم العسكري الذي قدمه المستشارين العسكريين الروس و التغطية النارية التي قدمتها المقاتلات و القاذفات و القطع البحرية الروسية. في النقاط التالية للتقرير نرصد إستراتيجيات التدخل العسكري الروسي في سوريا، و الأبعاد السياسية العسكرية والإقتصادية للقرار الأخير. 1. بداية و إطار التدخل العسكري الروسي. في البداية لنلقِ نظرة عن بداية و إطار التدخل العسكري الروسي و نتائجه في الميدان السوري. بموجب طلب رسمي تقدمت به دمشق إلي موسكو، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوامره ب إنطلاق العمليات العسكرية الروسية في ال 30 من سبتمبر من العام الماضي، فأصبح ميناء طرطوس البحري و قاعدة "حميميم" الجوية باللاذقية منصات الوصول و الإنطلاق للقوات الروسية. التي استهدفت منذ اليوم الأول تنظمي "داعش" و "جهبة النصرة" الإرهابييّن، و باقي التنظيمات المسلحة المعارضة الاخري، فجاء بنك الاهداف الروسي شاملاً لكل من يحمل السلاح علي الأراضي السورية ما عدا الجيش العربي السوري، الأمر الذي أثّرَ إلي حدِ كبير في ديموغرافية الصراع العسكري و السياسي بالداخل السوري و الخارج أيضاً. حسناً كيف تواجد الروسي في سوريا؟ شملت قوة التدخل العسكرية الروسية في سوريا ثلاث جوانب رئيسية، أولاً سلاح الجو، حيث ارسلت موسكو ما لا يقل عن 50 طائرة حربية ما بين المقاتلات و القاذفات من عائلة "السوخوي" كان أحدثها مقاتلة السيادة الجوية " سوخوي 35″ ، و التي وصلت مؤخراً، فضلاً عن المروحيات القتالية من عدة طرازات منها ال "مي 35″ الهجومية. و العديد من طائرات النقل و الشحن العسكري، وصولاً للطيران الإستراتيجي الروسي و الذي حلق فوق الأراضي السورية لأول مرة،" تو 160″ و "تو 95 إم إس". ثانياً، القطع البحرية، و التي بلغ عددها حوالي ال 10 سفن حربية و سفن دعم من ثلاثة أساطيل و هي أساطيل البحر الأسود و بحر البلطيق و بحر الشمال. و من بين السفن، رائد المجموعة و هو الطرّاد الصاروخي "موسكافا"، و سفينة كبيرة مضادة للغواصات "الأدميرال كولاكوف" و سفينة الصواريخ "ميراج"..عَمِلت تلك السفن الحربية علي تأمين الحدود البحرية السورية و جسور و خطوط الإمداد العسكرية القادمة عبر البحر من جهة، كما قدمت الدعم الصاروخي و المدفعي من جهة أخري، لتحقق التكاملية العسكرية مع باقي الوحدات. ثالثا، القوة الصاروخية بعيدة المدي "كالبير" و التي استخدمتها روسيا لأول مرة من حوض بحر قزوين و أصابت أهدافها جميعاً، و المدرعات و قطع المدفعية و المستشارين العسكريين، حيث وصل الميدان السوري دبابة القتال الرئيسية الأحدث في الترسانة العسكرية الروسية " تي 90″، و كتيبتي مدفعية، فضلاً عن راجمات الصواريخ "توس"، وصولاً لأنظمة التشويش و الحرب الإلكترونية و الدفاعية الصاروخية، أنظمة "بانتسير" و نظام دفاع الجو الصاروخي "إس 400" و التي تفرض مظلة جوية لأكثر من 300 كلم. ف إلي أي مدي غير التدخل العسكري الروسي بهذا الكم و هذه الكيفية من خريطة الصراع الدائر لصالح الجيش السوري؟.. نفذ الطيران الروسي منذ بدء الحملة نحو 9 آلآف غارة جوية، وجهت من خلالها ضربات جسيمة للهيكل الإرهابي العامل في سوريا و الذي يبلغ قوامه نحو ألف جماعة مسلحة، كما تم تحرير نحو 400 قرية و مدينة سورية بإجمالي 10 آلآف كلم من البلاد، كما حجّم التدخل العسكري الروسي إلي حدِ كبير مصادر تمويل الإرهاب، أيّ تجارة النفط للمسلحين و تنظيم داعش، و مسارات تهريبه عبر تركيا، حيث ف إلي أي مدي غير التدخل العسكري الروسي بهذا الكم و هذه الكيفية من خريطة الصراع الدائر لصالح الجيش السوري؟.. نفذ الطيران الروسي منذ بدء الحملة نحو 9000 غارة جوية، وجهت من خلالها ضربات جسيمة للهيكل الإرهابي العامل في سوريا و الذي يبلغ قوامه نحو ألف جماعة مسلحة، كما تم تحرير نحو 400 قرية و مدينة سورية بإجمالي 10000 كلم من البلاد، كما حجّم التدخل العسكري الروسي إلي حد كبير مصادر تمويل الإرهاب، أيّ تجارة النفط للمسلحين و تنظيم داعش، و مسارات تهريبه عبر الحدود التركية، حيث تم تدمير 209منشأة خاصة بإنتاج النفط، فضلا عن أكثر من 2000 شاحنة لنقل المنتجات النفطية. كما تم تصفيّة أكثر من ألفيّ مسلح بينهم 17 قيادي بارز تسللوا إلي سوريا من الأراضي الروسية. فضلاً عن تدمير أكثر من 1600 موقعا تابعا للإرهابيين، من بينها 249 مركز قيادة و51 مركز تدريب و35 مصنعا، و131 مستودعا للذخائر والوقود. تخبرنا الأرقام الفروق الكبيرة بين خمسة أشهرِ و نصف من بدء العملية الروسية، و بين عام و نصف من بدء التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة، أن الروسي قد غيّر كثيراً علي الأرض، و أستعاد نحو 30% من مجمل الأراضي السورية التي سيّطر عليها تنظيم داعش، فضلاً عن إضعافه. كما استمرت الديناميكية العسكرية الروسية نحو تحقيق المزيد من النجاحات، إذ وصل الجيش السوري لأعمق نقاط مدينة حلب ذات الأهمية الجيو ستراتيجية الكبيرة و التي تعتبر نقطة التحول الحقيقية لما آلت إليه الحرب الآن، إذِ تُعتَبر منصة الإنطلاق نحو قطع اليد التركية السعودية بالداخل السوري، نجح السوري بغطاء الروسي الناري في تطويقها و عزلها بشكل شبه كامل، واستعد لحصر الجماعات الإرهابية فيها داخل جيوب ضيقة تمهيداً لتحريرها حتي جاء البيان الروسي الامريكي بوقف اطلاق النار و من ثم القرار المفاجئ بسحب القوات الرئيسية الروسية من البلاد..فما الأبعاد السياسية و الإستراتيجية لقرار الرئيس بوتين الاخير؟..و إلي أي مدي سيؤثر ذلك القرار في خريطة الصراع؟ 2. الأبعاد السياسية و الإستراتيجية للقرار الروسي بدا واضحاً منذ بداية العمليات العسكرية الروسية، أن الروسي يعتمد إستراتيجية الحرب الخاطفة، لتحقيق هدفين رئيسيين، عدم إقامة منطقة عازلة بالشمال السوري بالإضافة لإغلاق الحدود مع تركيا و ذلك لتأمين الخط الأول لمجاله الحيوي جنوباً وتوفير شرعية لتواجد مستقبلي في المنطقة وخاصة شرق المتوسط. و أخيراً عدم السماح بإضعاف الحليف السوري إلي حد السقوط. على هذا الأساس حافظت روسيا على مؤسسات الدولة السورية بما يسمح لها بمساحة واسعة للمناورة، ويحفظ مكانها في أي مفاوضات، ويحفظ لها نصيبها مقدما من الوجود في الداخل السوري، ومن ثم مشاركتها في صياغة المعادلة السورية بعد التوصل إلى صيغة معينة خلال المفاوضات، سواء كان ذلك مع وجود النظام بشكله الحالي أو مع تغييرات ما. و بالرغم أن القرار الروسي الاخير جاء بالتنسيق مع الحليف السوري، و بالتفاهم مع الخصم الأمريكي، إلا أن حلفاء موسكو في إيرانوسوريا يريدون أن تستكمل الأولى حسمها العسكري وفرض اليد العليا لهم في الميدان والتفاوض، وعلى الطرف الأخر كانت واشنطن تعمل على لملمة فوضى حربها وتحالفها الدولي الذي تقوده ضد داعش، ورأب الصدوع فيه بين رؤيتها وبين رؤية حلفائها، وخاصة تركيا والسعودية، وهو ما لم يحدث طيلة العام ونصف الماضيين، وهو ما دفعها في النهاية بعد التدخل الروسي الذي قلب الموازين الميدانية والعسكرية إلى التعاطي مع موسكو بُغيّة الوصول إلى تسوية سلمية بديلة عن حرب يريد كل من حلفاء الطرفين الاستمرار فيها وربما خوضها بالوكالة من خلال البلدين. ناهيك عن أن ضرورة البدء في مسار تسوية سياسية وإنهاء الحرب صار مطلب مُلّح لكل من الولاياتالمتحدةوروسيا، فالأولى يتبقى من عمر إدارة رئيسها عام أخير لا يرغب أحد في أن يكون بداية حرب جديدة، فيما موسكو لا تريد أن تصبح سوريا تكرار لتجربة استنزاف جديدة مثل ما حدث لواشنطن في العراق أو ما حدث لها في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. بإختصار إجبار كل من حلفاء واشنطنوموسكو على إيجاد موقف أكثر مرونة في المفاوضات المُقبلة والقبول بالخطوط العريضة للتوافق الذي حدث بين العاصمتين. خاصة بعد ان انسحب الروسي جزئياً تاركاً الجيش السوري متقدماً في أغلب الجبهات و مطوقاً التركي بحزام كردي نامي قريب من التركبية الكردية في داخل تركيا، الأمر الذي يرجح كفة السوري علي أصعدة كثيرة حين يجلس امام طاولة المفاوضات. و هذا بدا واضحاً من النبرة التي تحدث بها السيد بشار الجعفري رئيس الوفد السوري لمفاوضات جينيف، حيث قال في مؤتمر صحفي اليوم "وفد الجمهورية العربية السورية لن يجلس مع إرهابي في مفاوضات مباشرة، وكبير مفاوضي وفد الرياض هو إرهابي". الجدير بالذكر، أن قرار بوتين جاء بعد أيام قليلة من الكلمة الصادمة للرئيس الأمريكي أوباما، والتي جرى تسميتها "عقيدة أوباما"، ووصف فيها بعض أصدقاء أمريكا في المنطقة بأنها "دول جامحة" تحاول امتطاء ظهر الولاياتالمتحدة لتخوض حروبا دامية لتحقيق أغراضها، وتعرض المنطقة لمخاطر بالغة، معترفا بأنه أخطأ بتأييد التدخل العسكري في ليبيا، والذي كانت له نتائج مروعة. سرعان ما جاء الرد على أوباما من الرياضوأنقرة، ووجه له الأمير تركي الفيصل مدير المخابرات السعودية الأسبق والسفير السابق في واشنطن كلمة بعنوان "لا سيدي أوباما" قال فيها إننا لا نمتطي ظهور أحد، بل ساعدنا أمريكا اقتصاديا بشراء السندات الحكومية والحرب على الإرهاب، لكنها تمد يدها إلى إيران التي مازالت تسمي أمريكا "الشيطان الأكبر"، كاشفا عن بعض جوانب الخلافات الحادة بين البلدين. أما أردوغان، فكان أكثر انفلاتا في مخاطبة واشنطن، واتهمها بخيانة أصدقائها، منتقدا تخليها عن تركيا في خلافها مع موسكو، وتحالفها مع خصومه الأكراد. هكذا يبدو أن روسيا نجحت في تحييد الدولتين الأكثر أهمية في الحرب على سوريا (تركيا السعودية)، ولم تكتفِ فقط بمساعدة الجيش السوري والأكراد في السيطرة على الشريط الحدودي بين سورياوتركيا، بل حصلت من أمريكا على تعهدات بمنع تدخل تركيا والسعودية في الحرب السورية، بما يضمن وقف إمدادات الجماعات المسلحة بالمال والسلاح والمقاتلين الجدد. رأى الرئيس بوتين أن هذا التوقيت هو المناسب لمغادرة جزئية، ليفتح الباب أمام الحل السياسي في جنيف بعد أن نجح في تغيير موازين القوى على الأرض، وإحداث شرخ كبير بين الحلفاء، من شأنه أن يزداد اتساعا بتخفيف تواجدها العسكري، الذي يستغله المتشددون داخل أمريكا وأوروبا والمنطقة في الحشد لمواجهة الدب الروسي القادم لهدم نفوذهم، وتغيير موازين القوى العالمية. و هنا تتضح الإجابة علي التساؤولات الخاصة بتوقيت الإنسحاب الجزئي للروسي من سوريا، حيث فضل الروسي الإنسحاب في ذروة نجاحه لترجيح كفة السوري علي طاولة المفاوضات، ف الغلبة لمن أمتلك الميدان. و من جهة أخري كان للانسحاب الجزئي مناورة لتخفيف العقوبات التي حلّت علي موسكو، و التفرغ لجبهة شرق اوكرانيا التي تشهد تصعيداً غير مسبوقاً. تخبرنا الإستراتيجيات الدفاعية الروسية المتعبة خارج أراضيه بحل قضاياه التي تمس أمنه القومي علي دفعات مرحلية، يتضح هذا جلياً بتوقيت التدخل في سوريا و الذي تأخر كثيراً حتي تم حسم ملف شبه جزيرة القرم. و لكن يبقي السؤال الأهم هل يؤثر الإنسحاب الجزئي للروسي من سوريا علي خريطة الصراع؟ 2. ديناميكية الإنسحاب الجزئي الروسي و تأثيره علي خريطة الصراع قبل الدخول في تأثير القرار الروسي الأخير علي خريطة الصراع، يجب أولا إستعراض ديناميكية الإنسحاب الجزئي و ماهيته..ف كيف كان الإنسحاب و ماذا شمل من قوات؟ شملت المقاتلات و القاذفات و طائرات الشحن العسكري الجزء الأكبر من القوات التي شملها القرار الروسي بالإنسحاب، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الدفعة الأولى من الطائرات الحربية الروسية أقلعت من قاعدة "حميميم" الجوية في سوريا، متوجهة إلى روسيا، يوم الثلاثاء 15 مارس، حيث غادرت الدفعة الأولي من الطائرات في مجموعات، تقود كل مجموعة طائرة شحن عسكرية من نوع (تو 154) أو ( إيل 76) و بعد عبور كل مجموعة حدود الإتحاد الروسي تقوم كل طائرة منها بالتوجه إلي قاعدة مرابطة دائمة لها بشكل مستقل. وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن الطائرات الروسية في حال قيامها بقطع مسافة تربو على 5 آلاف كيلومتر، ستهبط للتزود بالوقود وللتأكد من سلامة حالتها التقنية في مطارات روسية ومن ثم تكمل رحلتها إلى قواعدها الرئيسية. و بهذه الديناميكية وصل التشكيل الجوي الأول العائد من سوريا، و تكون من طائرة شحن و نقل من نوع (تو 154) و اربع قاذفات من نوع (سو34). و تلي هذه الدفعة التشكيل الجوي الثاني و الذي أنطلق من قاعدة "حميميم" باللاذقية يوم الأربعاء الماضي، و كان يتألف من مجموعتين تحت قيادة طائرة النقل العسكري (إيل 76) إلي جانب القاذفات (سو25)، يجب التنويه أن الطائرات تغادر إلي قواعدها في روسيا دون أي حمولة تسليحية و لكن ترافق الطائرات المغاردة مقاتلات السيادة الجوية و الإعتراض (سو 30) للحماية فوق الأجواء السورية. كما غاردت أيضاً اربعة من قاذفات (سو24)، تحت قيادة طائرة الشحن "(إيل 76)، ليتبقَ حتي الآن في قاعدة "حميميم" الجوية باللاذقية 12 قاذفة من نوع (سو24) و اربع قاذفات من نوع (سو 25). كما تتواجد ايضاً في قاعدة " حميميم" طائرة النقل الثقيل "ايه إن 124) ستقوم بنقل اربع مروحيات قتالية من نوع " مي 24″ في وقت لاحق. بعد إستعراض ديناميكية الإنسحاب الروسي الجزئي يبق السؤال قائماً عمّا إذا كان سيشكل ذلك الإنسحاب تغييراً في خريطة الصراع لأي طرف؟. غاردت بعض المقاتلات و القاذفات الروسية ذات التكلفة العالية في التشغيل، و بقي اسطول من قاذفات السوخوي 24 حتي الان بواقع 12 قاذفة، مع بعض مقاتلات الإعتراض و السيادة الجوية سوخوي 30 التي عادةَ ما ترافق القاذفات في غاراتها لحمايتها جوياً، كما بقيت منظومة الدفاع الجوي الأحدث في الترسانة العسكرية الروسية " إس 400″ قائمة، و بالنظر إلي ماهية القوات و القطع الحربية الباقية في سوريا، يتضح انها ليست موجودة لحماية مناطق تواجد الروسي فقط، و إنما أيضاً لتقديم الدعم اللوجيستي المحدود للجيش السوري في عملياته الجارية الآن ضد تنظيمي داعش و جبهة النصرة. و بالفعل بعد إعلان موسكو لسحب قواتها الرئيسية من سوريا استمرت غارات سلاح الجو الروسي علي منشآت الإرهابيين " داعش و النصرة"، كما أعلن نائب وزير الدفاع الروسي السيد "نيكولاي بانكوف" : أن روسيا ستواصل غاراتها الجوية في سوريا رغم قرار سحب القوات الرئيسية". و بالنظر إلي وسط الميدان السوري، محيط مدينة تدمر، سنرَ تمركز وحدات من المدفعية الروسية من عيار 152 مللم، التابع لفوج المدفعية الروسي الثامن، ضمن الدعم الناري لوحدات الجيش السوري. كما سنلاحظ أيضاً أن راجمات المدفعية الصاروخية " أورغان سميرتش" التابعة للواء المدفعية الروسية الصاروخي 439 حاضرة ضمن التجهيز السوري لإطلاق هجوم واسع بإتجاه مدينة تدمر و الرقة. كما ظهرت لأول مرة في الميدان السوري أثناء الدوريات الجوية، المروحية القتالية " مي 28 إن" لم يسبق تسجيل اى ظهور قتالى لهذا النوع منذ بدء العمليات الجوية الروسية فى سوريا. وبالتزامن مع عمليات سحب القوات الروسية الرئيسية، ظهرت لأول مرة في قاعدة "حميميم" باللاذقية المروحية الهجومية الروسية المضادة للدبابات " كي آيه 52″ و التي أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بداية الحملة عن وجودها ضمن القوات المشاركة. وبالنظر إلي ديناميكية السحب الجزئي للقوات، و القطع الحربية التي بقيت و ظهرت للمرة الأولي، يتضح جيداً أن الروسي ينفذ عملية إعادة تموضع و إنتشار و تخفيف كمي لقواته و مقاتلاته اكثر منه إنسحاباً، كما من المرجح أن يشهد وسط سوريا و محور (تدمر الرقة) المهم جيوستراتيجياً تطورات ميدانية ملحوظة خاصةَ بعد إعلان موسكو عدم إنتهاء العمليات العسكرية، و وقوع أغلب مناطق الوسط السوري بقبضة تنظيم داعش الإرهابي و الذي لم يشمله قرار وقف اطلاق النار. و بذلك تبلور قرار السحب الجزئي للقوة الرئيسية كونه خطوة رمزية سياسيا تدخل ضمن الإستراتيجية الروسية في سوريا كما اشرنا في أولي الفقرات، و التي نجحت إلي حد كبير في تحييد دور حلفاء واشنطن (تركيا و السعودية)، و إقتصادية، دون ان يكون لها تأثير على المستوى العسكرى و الميدانى ، اقتصاديا تحاول روسيا تخفيف الاعباء الاقتصادية التى تتكبدها يوميا خلال الطلعات الجوية إذ بلغت التكلفة الإقتصادية للحملة الروسية 33 مليار روبل"، حسبما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين. و يتوقع ان تقوم روسيا بسحب الجانب الاكثر تكلفة فى الطائرات الروسية فى سوريا خصوصا ان الوضع الميدانى الحالى لم يعد فى حاجة لهذه الانواع ، مع إبدالها بانواع اخرى تمثل اهمية اكبر للجيش السورى مثل مروحيات القتال الهجومية " مي 28″ و " كيه آيه 52″. و لكن يبقي جنيف 2 و مساراته رهناً لحجم التواجد و استمرار الصراع الدائر..الأمر الذي يدفعنا إلي تساؤول أخير، ماذا لو فشلت جنيف 2؟ 3. مستقبل مسارات التدخل العسكري الروسي.. و "فدرلة" سوريا. يراقب العالم الآن المسارات التفاوضية ل جنيف2، و التي جمعت بين وفد الحكومة السورية و المعارضة التي تتمثل في وفد الرياض، حيث يضغط وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والمبعوث الدولي دي ميستورا على المعارضة السورية للقبول بحل يتضمن وضع دستور جديد يوسع من الضمانات الديمقراطية، مع إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية من المتوقع أن يربحها النظام السوري، ويستمر الرئيس الأسد، مع تواجد مؤثر للمعارضة التي عليها أن تبتعد عن الشعارات الإسلامية وتتبنى برنامجا علمانيا، من شأنه أن يقلص نفوذ الجماعات المتطرفة، والتي تشكل رأس الحربة في الحرب السورية، وهو ما سيعيد هيكلة المعارضة السورية، ويكشف عن تناقضاتها، وتبتعد القشرة الليبرالية عن النواة الإسلامية، لكن طاولة المفاوضات قد غاب عنها التمثيل الكردي، مما أثار غضب الكيانات الكردية المتمثلة في أحزاب سياسية و ميليشيات عسكرية و دفع العديد من الجماعات الكردية اليوم إلي إعلان إقامة نظام إتحادي في مناطق سيطرتها شمالي سوريا. حيث أفادت وكالة أنباء "هاوار" أن المشاركين في الاجتماع التأسيسي لمناقشة وإقرار شكل ونظام الإدارة في "روج آفا" شمال سوريا، أقروا وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي ل"روج آفا – شمال سوريا". وأقرَ المُجتمعون "وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا" بعد إجراء تعديلات عليها طرحت الأربعاء. وينتظر أن يصدر عن الاجتماع بيان ختامي يقه المجتمعون بعد استراحة تبعت إقرار وثيقة النظام الاتحادي. وكان الاجتماع التأسيسي استأنف الخميس بعد انتهائه الأربعاء بتشكيل لجنة لإجراء تعديلات على مسودة وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي ل"روج آفا"، أي شمال سوريا. وحسب صحيفة "الوطن" السورية، بدأ مؤتمر في الرميلان بالحسكة الأربعاء بمشاركة 200 شخصية يمثلون ثلاثين حزباً من العرب والأكراد والآشوريين والتركمان والسريان والشيشان، لكن أغلبيتهم كردية ليناقش مسودة "وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي في شمال سوريا". وفي ردود الأفعال الأولية، أكد بيان للخارجية الأمريكية أن واشنطن "لن تعترف بمنطقة الحكم الذاتي للأكراد في سوريا"، بينما أكدت أنقرة دعمها لوحدة سوريا لأن وجود كيان تركي مستقل قريب من التركبية الكردية داخل تركيا أمراً يدخل في صميم الأمن القومي التركي و جاء رد الفعل الروسي مماثلاً لتلك المواقف و مكملاً لموقف دمشق الرافض تماماً لفكرة "الفدرلة". إلا أن التطورات الأخيرة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الأكراد و إصدارتهم للعديد من البيانات حول فكرة تنبئ بقرب طرح فكرة الحكم الفدرالي علي طاولة المفاوضات خاصةً و إن تعثرت جنيف 2. ف على صعيد آخر أفرجت قوات "الأسايش" الكردية في مدينة القامشلي الخميس عن أكثر من 80 عنصراً من "عناصر الدفاع الوطني والأمن السوري" كانت اعتقلتهم الأربعاء في منطقة المربع الأمني. وحسب مصادر المعارضة، جرت الأربعاء اشتباكات بين قوات "الأسايش" الكردية ومليشيا الدفاع الوطني بحي الطي في مدينة القامشلي. ويرى ناشطون في هذا التحرك بداية لطرد الموالين لحكومة دمشق بشكل كامل من مناطق السيطرة الكردية، قبل الإعلان عن نظام "الحكم الفيدرالي". تضعنا هذه الأحداث أمام حقيقة ظاهرة أن الملف الكردي و موضعه الديموغرافي من الصراع الدائر الان، سلاح ذو حدين اولها نقطة ضغط و تهديد لتركيا، و الثاني شوكة في مسارات ابقاء سوريا موحدة عبر المسار السياسي او العسكري، كما ان عدم الوصول لتسوية حقيقية من خلال جنيف 2 سيدفع بالروس إلي التواجد مجدداً بنفس الثقل، و هو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره اليوم. "سنعزز قواتنا في سوريا مرة أخرى في حال اقتضت الضرورة" هكذا تحدث الرئيس فلاديمير بوتين، و ذلك في اشارة الي فشل جنيف2، جاء تصريح الرئيس بوتين بعد تصريح المتحدثة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا حين اوردت :"نحن لم نقم بتقوية أحد، باستثناء الجيش السوري الرسمي الفعلي في مكافحته للمنظمات الإرهابية. وقبل كل شيء كنا هناك من أجل أنفسنا". بدا واضحاً من تصريحات الروس إبتداءاً من الرئيس مروراً بالدبلوماسيين وصولاً للعسكرين أن سوريا بالنسبة للاتحاد الروسي تحمل أهمية لا تقل عن اهمية القرم، و أنّ ما يدور فيها من صراعات يَمُس الأمن القومي الروسي مباشرةً و آليات وجوده في منطقة شرق المتوسط ككل. لذا فإن تصريح احد العسكريين الروس أن يوم واحد هو الوقت الزمني اللازم لاعادة قواتنا الرئيسية في سوريا يؤكد أن جنيف 2 تمثل الفرصة الأخيرة للتسوية السياسية، قبل أن تأخذ الحرب مسارات أشد عنفاً و رعونة، و أن مشكلة الأكراد قد تفتح رسمياً فدرلة سوريا حال عدم إعادة الهيكلة بالداخل السوري و التوصل لتسوية حقيقية.