لم يتوارَ خلف جدران ذاكرتي مشهد خروجي اليومي من مدرستي الابتدائية 'الآباء الفرنسيسكان' وركوب 'الباص' الذي كان خط سيره يحتم مروره بالشوارع العتيقة لمناطق محرم بك وغربال، كانت الجدران مليئة بكتابات سياسية مناسبة لمرحلة بدايات الثمانينات ولكن بقي محفوراً إسم ' أبو العز الحريري' الذي لم أكن وقتها أعرف سوي إسمه الذي كنا نتغني به وسط هتافات الجماهير في الشوارع، ورغم أنني لم أعتنق الفكر اليساري يوماً ما، إلا أن الحريري ظل في مخيلتي قامة ورمزاً لا يختلف عليه إثنان من شرفاء الوطن، كافح وناضل وصرخ مطالبا بحقوق العمال الغلابة، وعاش نصيراً لهم سواء داخل قبة البرلمان أو خارجها.. وبمرور السنوات وعملي بالصحافة، كنت دائماً أحب الاستعانة بآرائه السديدة في تحقيقاتي، وكان يحب أن يناديني 'بنت يا جيهان'، ولما شب ولده 'هيثم' 'الشبل المغامر' حرصت علي التواصل معه خاصة أيام المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات التي كان دائم التقدم في صفوفها وسط الجماهير خاصة من الشباب، حتي جاءت ثورة يناير ٍ، وحدث الشقاق بين الشبل والأسد، ولكن ظل العرين ثابتاً يحمي الأسرة ويعمل لصالح الوطن، ولا أنسي أن هيثم قال لي ذات مرة إن الخلاف مع أبيه لا يمكن أبداً أن يعكر صفو علاقتهما، والتمس لأبيه العذر في أنه دافع عن موقف المجلس العسكري الذي أعلن هيثم معارضته لبعض مواقفه في أعقاب ثورة يناير وأثناء حكم الاخوان، وأعلن الخلاف علي الملأ إبان الاستفتاء علي الدستور، وكان لكل طرف مبرراته القوية، وتعرض 'الحريري' الأب للتعدي من أنصار الاخوان في آخر سلسلة حلقات الصراع لصالح الوطن الذي لم يهادن فيه يوماً ولم يعرف الاستسلام، ولقي ربه وظلت قوي الظلام تنهش فيه حياً وميتاً.. كافح 'هيثم' في مجال العمل النقابي ' علي طريقته بالبدلة والكرافتة وليس بتشمير سواعده كأبيه ' وأصبح عضو مجلس نقابة المهندسين بالاسكندرية، حتي جاءت ساعة الحسم.. إنتخابات مجلس النواب 2015، أعلن 'هيثم' ترشيحه لعضوية البرلمان، ساندته والدته التي رأت فيه امتداداً لروح أبيه، ودعمه كل مريدي الحريري وعاشقي تراب الوطن، وقف فارس الرهان الشاب مستنداً علي تاريخ والده المشرف وورث عنه التواجد المستمر بين أبناء محرم بك وغربال وأبيس، حارب مافيا الرشاوي الانتخابية ' وما كان أكثرها' ووقف في وجه أباطرة المال، وفعلها، نجح وحصد أكثر من 30 ألف صوت ليعلن بعدها أنه مدين بالفضل لروح والده ووعد بأن 'يرد الدين' الذي في رقبته لشهداء الثورة وفقراء الوطن وشبابه الحالم ب'مصر أجمل'، معلناً استكمال 'آل الحريري'لمسيرة الكفاح، رافعاً شعار'تحيا مصر بالعدل' ومعه رفعنا لأول مرة شعار 'نعم للتوريث' !