مع طول أمد الحرب في سوريا وانعدام الحل السياسي وانتشار المنظمات الإرهابية الخطيرة بإجرامها وممارستها البشعة في حق الإنسانية بل ومع عدد القتلي والضحايا والمصابين اللامحدود، ومع أسوأ نسبة هجرة عرفتها منطقتنا وتحديدا في سوريا منذ الحرب العالمية الثانية وغيرها من الخراب والمآسي التي أتت علي الأخضر واليابس في سوريا، مع كل ذلك يأتي فشل الطلعات الجوية للتحالف الغربي بقيادة أمريكا ومنذ أكثر من عام لدحر تنظيم داعش الإرهابي مع تعتيم إعلامي أمريكي وغربي وتركي عن طبيعة الأحداث والنوايا لهذا التحالف علي الأراضي السورية هذا إلي جانب اقتتال ما يسمي بالجيش الحر وفصائل المعارضة من كل فج مع الجيش السوري النظامي الذي أنهكت قواه واقتراب سقوط دمشق في أيدي تلك الجماعات أي سقوط سوريا في يد المجهول الأمر الذي اضطر روسيا التي كانت تراقب الموقف عن كسب وتدري جيدا طبيعة المصالح والأحداث إلي التدخل الفوري في سوريا، وسبب ذلك هو أنها تدرك أنها لو انتظرت لنهاية الحرب فلن يكون هناك من يضمن أو يحافظ لها علي مصالحها الإستراتيجية القديمة مع آخر دولة وحلف لها بمنطقة الشرق الأوسط بسبب النوايا الأمريكية والغربية تجاهها، ولكن الرئيس الروسي بوتين من النوع الذي يهضم ويفهم الأحداث ثم يهجم أو يتسلل كالدب في الوقت المناسب لينتفض علي فريسته حتي قرر بعد تفكير وتروي الدخول بقوة لحماية سوريا وحماية النظام وحماية مصالحه غير عابئ بما يروج له الغرب وأمريكا وما يقوم به أردوغان وحلفه انطلاقا من تركيا واستخدامه شماعة الأجواء التركية لمنع الطائرات الروسية المرور فيها بعد شعوره بضياع حلمه بالقضاء علي الأسد، ولتبدأ الطلعات الجوية الروسية الفاعلة ضد داعش وضد التنظيمات الإرهابية كافة دون تمييز من أجل تخفيف العبء علي الجيش السوري الأمر الذي أغضب أمريكا وأهاج الغرب بسبب تعارض مصالحهم مع ما يقوم به بوتين الذي أربكهم وأربك التنظيمات الإرهابية والمعارضة، وبرر بوتين ذلك بأنه ليس من حق الدول العظمي أن تقوم بقلب الأنظمة ثم تحل الفوضي بعدها علي غرار ما حدث في العراق وليبيا، ولا بديل للحل السياسي إلا بوجود واستمرار النظام لضمان الأمن والاستقرار في سوريا ولو كان مقابل ذلك نظام استبدادي دموي ولهذا فقد روج بوتين لأفكاره من خلال خطابه الأخير علي منبر الأممالمتحدة ولقائه بالرئيس الأمريكي أوباما لينتزع وحده المبادرة من أمريكا وحلفائها بإصراره علي بقاء الأسد لينفرد بقواته ويسيطر علي الأجواء السورية وتعيد ما فعله في الأزمة الأوكرانية وسيطرته علي القرن لقدرته علي مغازلة الغرب، ودغدغة مشاعر الشعوب والعالم عندما وضح للجميع أن دمشق علي وشك السقوط وأن زيادة عدد اللاجئين في ازدياد تجاه الغرب وأن الإرهاب والإرهابيين في تزايد، وأن قوانين الأممالمتحدة ضد الأزمة السورية لم تفعل ولا يجب أن تعتمد علي ما يسمي بالطلعات الجوية التي يري أنها أدت لسقوط الكثير من المدن في أيدي داعش ونظائرها وأمام ذلك رأي بوتين أن الحل يكمن في مساعدة الجيش السوري وبقاء نظام الأسد يحدث ذلك في الوقت الذي تقف فيه واشنطن أوباما عاجزة مع التحالف الغربي في فعل شيء أو إستراتيجية واضحة تملكها تجاه تلك الأزمة دليل الفشل الإنساني والسياسي والعسكري ليدخل بوتين في هذا الوقت من أجل تصفية الحسابات وضمان تقاسم مناطق النفوذ بعد نهاية الأزمة، ولهذا يتضح أن بوتين حريص علي استقرار الأمن في سوريا لضمان مصالحه وضمان استقرار المنطقة بدلا من الفوضي والخراب بعد أن أضاعت أمريكا وحلفائها الفرصة لإنهاء الأزمة واتخاذ محاربة داعش كشعار فقط من أجل الاحتواء وليس من أجل التدمير، وها هو بوتين ينطلق ليسطر وحده الآن علي الأجواء السورية ويقضي بذلك علي المصالح الأمريكية والغربية والتركية مشكلا تحالف جديد بمساعدة الجيش السوري وإيران والعراق وانتظار وصول حاملات الطائرات الصينية وتحسين علاقاته القوية مع مصر مما جعله يسحب البساط من أمريكا، وليتحول الأسد في سوريا من شبه هزيمة عسكرية إلي انتصار دبلوماسي بعد أن أثبتت الطلعات الروسية فعالياتها وانسحاب التنظيمات الإرهابية والمعارضة معاقلها ولتبدأ رغم ذلك الطلعات الصاروخية من بحر قزوين وتصيب أهدافها مما يدل علي استعراض العضلات الروسية وكسر عزلة بوتين أمام تراجع الطلعات الأمريكية، لما لا وبوتين ينطلق من مباركة مركزية القرار في موسكو مقابل تقييد واضح وذبذبة لصناع القرار في الدول الديمقراطية التي تختلف فيما بينها علي مصالحها ولهذا فإن بوتين قد ثبت أقدامه بالإقليم السوري وفرض بقوة مسألة وجود الأسد في أي حل سياسي، ومع هذا الواقع العسكري القوي فإن بوتين قد غير المعادلة والموازين وأربك مخططات ومصالح أمريكا والغرب ويربك ويخيف التنظيمات الأخري بما فيها المعارضة ليصبح العالم أم ولادة عصر جيوسياسي وأمني جديد توضع في رواه الساحة السورية ليصل في مداه إلي كسر قاعدة ما يسمي بالقوة الوطنية الواحدة في هذا العالم.