اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد جديدة بالمحافظات    د هاني أبو العلا يكتب: رحلة من جامعة الفيوم إلى وادي السيلكون    اجتماعات طارئة لإدارة ترامب بعد مناوشاته الكلامية مع ماسك    تأليف تركي آل الشيخ.. «ذا سفن دوجز» يجمع كريم عبد العزيز وأحمد عز بميزانية 40 مليون دولار    دوى صافرات الإنذار وإعلان حالة التأهب الجوى فى كييف و11 مقاطعة أخرى    أبو الغيط: الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار بلبنان تهدد بتجدد العنف    وول ستريت جورنال: إيران تطلب من الصين مواد لمئات الصواريخ الباليستية    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    تحرك أمني لضبط صاحب شركة مقاولات وهمية نصب على المواطنين في ملايين الجنيهات بالهرم    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في القاهرة والإسكندرية وجميع المحافظات    موعد ظهور نتائج سنوات النقل في الجيزة عبر بوابة التعليم الأساسي 2025 (تفاصيل)    كيفية حفظ لحوم الأضاحي.. خطوات بسيطة لصحة آمنة في عيد الأضحى    عبارات تهنئة رومانسية لعيد الأضحى 2025.. قلها لحبيبك فى العيد    محافظ الأقصر يتفقد ساحة أبو الحجاج استعدادًا لصلاة العيد (صور)    وفاة الإعلامية والكاتبة هدى العجيمي عن عمر 89 عاماً    الفرق بين صلاة عيد الأضحى والفطر .. أمين الفتوى يوضح    رسميًا الآن.. موعد صلاة العيد الاضحى المبارك 2025 ( التوقيت المحلي)    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    محمد أسامة: ثلاثي الزمالك استكمل المباراة مُصابين ونهدي اللقب لجمهورنا    عيار 21 يقفز أكثر من 100 جنيها.. مفاجأة في أسعار الذهب محليا وعالميا أول أيام عيد الأضحى    غارات إسرائيلية جديدة تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية    عقوبات أمريكية على 4 قضاة بالجنائية الدولية لإصدارهم مذكرات ضد نتنياهو    اليوم.. الرئيس السيسي يؤدي صلاة العيد بالعاصمة الإدارية    مسجد نمرة.. مشعر ديني تُقام فيه الصلاة مرة واحدة في العالم    مصرع شابين وإصابة 4 آخرين أثناء سباق موتوسيكلات بكفر الشيخ    وفاة شقيقين وابن عمهم في تصادم ملاكي مع تروسيكل بالإسماعيلية    بيراميدز يهنئ الزمالك بالفوز بكأس مصر    بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر 2025    ناصر منسي: أهدي كأس مصر لجماهير الزمالك الوفية    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    عمر جابر: جمهور الزمالك يستحق بطولة    طريقة صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 وصيغة التكبيرات الصحيحة    سعر طن الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    محافظ سوهاج يتفقد الحدائق العامة والمتنزهات استعدادًا لعيد الأضحى    محافظ قنا يستقبل ممثلي الأحزاب ونواب البرلمان للتهنئة بعيد الأضحى    سالى شاهين: مجال ملكات الجمال مش شبهى ولا شخصيتى    كيرلي وقصات شعر جديدة.. زحام شديدة داخل صالونات الحلاقة في ليلة العيد    بعد طرحها.. "سوء اختيار" ل مسلم تتصدر تريند " يوتيوب" في مصر والسعودية    المايسترو تامر غنيم مديرًا للدورة 33 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية 2025    أشرف عباس يكتب: من الميكروفون إلى المائدة.. من أسكت صوت مصر؟    عاجل.. "الشهر العقاري" تواصل تقديم خدماتها خلال إجازة عيد الأضحى    رسميا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الجمعة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    وزير السياحة يتفقد مخيمات الحجاج فى عرفات ويشيد بالتنظيم    ما هي سُنة الإفطار يوم عيد الأضحى المبارك؟    سُنن الخروج لصلاة العيد.. احتفالات واتباع للسنة النبوية    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى اليوم في مسجد مصر بالعاصمة الجديدة    الإمام الأكبر يهنئ الرئيس السيسي وقادة العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك    حماس: لم نرفض مقترح ويتكوف ومستعدون للانخراط في محادثات جديدة لإنهاء الحرب    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي محافظ بورسعيد ويبحثان سبل تطوير الخدمات الصحية    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    جامعة كفر الشيخ ترفع درجة الاستعداد بمستشفى كفر الشيخ الجامعى خلال العيد    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    " صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية في فكر الدين
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 02 - 03 - 2015


يا سبحان لله.. الكل، ملك الحقيقة، فكيف نتلاقي..؟
قضايا كثيرة.. وآراء وفتاوي عشوائية عديدة متلاحقة وسريعة، صح خطأ.. لا وقت حتي للتفكير.. ونحن مطالبون بتقديم رؤي الاصلاح السياسي والديني والاقتصادي والاجتماعي.. والنتيجة.. الاجتراء علي كل ما هو معلوم وثابت.. واختلط الحابل بالنابل.. وأصابتنا الفوضي، وكثرت الفتن.. حتي طالت أعمدة الأمان في المجتمع.. المؤسسة العسكرية.. القضاء.. الداخلية.. والمؤسسة الدينية والتعليمية.. إلخ.
إرهاب أسود.. لا يصدر إلا عن شيطان مارد.. اجتاح العالم كله.. !!
وانطلق جنود الشيطان يعيثون في الأرض فسادا.. بمسميات عديدة تنظيم أخوان.. داعش وأخواتها.. قاعدة.. نصرة.. حماس، حزب لله، التكفريين، المجاهدين.. كل هذا تحت رايات سوداء، وشعارات تسيء للإسلام.. و كل الأديان منها براء.. ولكنها لعبة الشيطان.. !!
إنه صراع الخير والشر منذ نشأة الخليقة حتي قيام الساعة.. وفي وسط هذا الخضم.. والتفكير في البحث عن حل..؟؟
حضرني الإمام.. الإمام الذي اعتلي المنبر، ونادي بكلمة الإصلاح، والتجديد المستنير في عصرنا الحديث.. لتمتد يدي الي المكتبة وأفتح كنوز صاحب 'رسالة التوحيد'، 'والإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية'.
إنه الشيخ محمد عبده - رائد الاصلاح والدعوة الي التجديد.. وأبدأ بنص هذه الوثيقة بالسجل رقم2 من سجلات دار الإفتاء المصرية.. المرسوم الصادر من الخديوي عباس حلمي بتاريخ 24 من المحرم سنة 1317ه - يونيو 1899 م ونصه: 'فضيلة حضرة الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية' بناء علي ما هو معهود من حضرتكم من العالمية، وكمال الدراية، فقد وجهنا لعهدتكم وظيفة إفتاء الديار المصرية، فأصدرنا أمرنا هذا لفضيلتكم للمعلومية، والقيام بمهام هذه الوظيفة.
ثم تتابع بعد ذلك، تعيين المفتين باسم: مفتي الديار المصرية، بقرار من رئيس الدولة، إلي أن قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952، فصار المفتي الرسمي للدولة، يعين بقرار من رئيس الجمهورية، وتحت اسم 'مفتي جمهورية مصر العربية' ويكون بدرجة وزير.
وقد ظلت دار الإفتاء المصرية منذ إنشائها، تنتقل من مكان إلي آخر حتي استقر بها المقام في المبني الحالي الخاص بها، بحديقة الخالدين – بالدراسة بالقاهرة وقد ترك لنا الشيخ 944 فتوي خلال 6 سنوات في موضوعات متنوعة ومختلفة 80% منها يتعلق بمشكلات خاصة بالحياة المالية والاقتصادية وقضاياها.. لماذا الشيخ محمد عبده..؟؟
كان يجمع الشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.. هدف مشترك هو الغيرة علي الإسلام.. لكنهما اختلفا في الوسيلة.. حيث رأي الشيخ الأفغاني أن يجمع شتات المسلمين عن طريق السياسة تحت ظل دولة إسلامية واحدة.. وقد بذل الجهد والمسعي وانقطع عن العالم من أجل هذا.. ولكنه لم يوفق لأسباب طبيعية..
اما الشيخ محمد عبده الذي كان رفيقا للأفغاني – فقد علم أن جمع كلمة المسلمين ورفع شأنهم عن طريق السياسة صعب تحقيقه.. فسعي الي جمع كلمة المسلمين عن طريق التعليم والتهذيب.. وحتي يستطيعوا مجاراة الأمم المتقدمة.. لابد من تنقية الدين من الشوائب التي طالته علي مر العصور بسبب اختلاف الأغراض والتمسك بالعرض وترك الجوهر.. ويعتبر الشيخ محمد عبده أول من جاهر أن الإسلام بحاجة الي الإصلاح..
وقد انقسم المسلمون الي فئتين:
فئة تري بقاء القديم علي قدمه حيث إن الاختلاط ومجاراة أهل التمدن الحديث
يضعف عصبية الإسلام ويبعث علي تشتيت عناصره فيستحيل جمعها في ظل
دولة واحدة.. وهم حزب المحافظين.. وأري أن الشيخ حسن البنا أخذ نهج الأفغاني.. وأن الإخوان المسلمين اتبعوه عن طريق إقحام السياسة في الدين.. وخلط الدين بالسياسة.. وإصرارهم علي ذلك- برغم أن تجربة الأفغاني لم يكتب لها النجاح..
وفئة تري حل القيود القديمة وإطلاق حرية الفكر والرجوع الي الصحيح من
قواعد الدين ونبذ ما خالطة من الاعتقادات الدخيلة، وتحكيم العقل والاجتهاد في
كافة القضايا بالمشاهدة والاختبار ومواءمة ومطابقة التطور والعمران مع أحكام
العقل وأصول الدين.. وهذه المدرسة لها مريدوها.. أذكر منهم: عبد الرحمن الكواكبي والعقاد ود.محمد حسين هيكل - مؤلف 'حياة محمد' والشيخ محمد عبد الرازق، والشيخ الغزالي.. ومن المصادفات الغريبة أن يكون الأستاذ جمال البنا - من مريدي هذه المدرسة التنويرية علي عكس أخيه الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان..
ومن أقوال الأستاذ جمال البنا في حل أزمة الاحتقانات الطائفية 'ضرورة تعميق الأيمان بحرية العقيدة'.. ويري كاتب المقال : أن نهضة الأمم تعتمد علي ضرورة فك الاشتباك العنصري والطائفي، والتمسك بالحوار العقلاني.. وأن مفتاح إسعاد البشرية هو احترام كل إنسان للأخر أيا كان انتماؤه..
وقد سعي الشيخ محمد عبده بنشر فتاويه المتعلقة بالربا ولبس القبعة ونحو ذلك مما يقرب المسلمين من الأمم الأخري ويسهل أسباب التجارة.. وقد أطلق لفكره الحرية في تفسير القرآن علي ما يوافق روح العصر فيجعل أقواله وآراءه فيه موافقة لقواعد العلم الصحيح المبني علي منهج تأويل النص الديني، وكانت له اهتماماته في الاصلاح المؤسساتي وجهوده في إصلاح القضاء، والمحاكم الشرعية، ورؤيته في إصلاح الأزهر والتعليم، وإسهاماته في مجال العمل الأهلي بإنشاء مدارس أهلية وتأسيس بعض جمعيات العمل الأهلي مثل جمعية التقريب بين الأديان، وجمعية إحياء الكتب العربية..
إن من حق الناس أن يجتهدوا بل من واجبهم أن يجتهدوا.. فالاجتهاد بمعناه الحرفي بذل الجهد العقلي في إطار المصادر الشرعية لاستخلاص أحكام يلتزم بها الناس في عباداتهم ومعاملاتهم.. وهذا المعني يحتاج إنسانًا له جودة استنباط وله بصيرة بواقع الناس بحيث يستطيع أن يوائم بين هذا الواقع وحكم التشريع.. وأن هناك أصولا ثابتة لا جدال فيها في الدين أي قضايا ملزمة.. لكنا نحن المسلمين نجتهد في فروع الأحكام القديمة بعيدا عن الأصول الثابتة.. لكن مع الدافع المعاصر هناك قضايا يجب الاجتهاد فيها اجتهادا عميقا كالعلم التجريبي والاقتصاد الإسلامي وعلاقة الإسلام بالسياسة.. فباب الاجتهاد مفتوح.. فتحه لله ورسوله ولا يملك أحد إغلاق باب فتحه لله ورسوله للاجتهاد ضوابط وشروط..؟
ضوابط الاجتهاد حتي يسمي المجتهد مجتهدا ويسمي الطبيب معالجا.. لابد أن يكون له غاية يصل إليها.. فأنا لا أستطيع أن أقول هذا الطبيب إلا إذا كان يستهدف شفاء المريض.. فلا يمكن أن يكون فلان من الناس مجتهدا إلا أن يستهدف تحقيق الغاية.. فما هي غاية الدين الذي يستهدف الاجتهاد لابد أن ينتهي الي غاية توحيد لله بمعني التقرب الي لله بكيفية معينة..
أن الحكم علي الشيء فرع عن تصوره.. ما لم أتصور المسألة المعروضة علي ولم أفهم وقائعها المادية التي يحياها الناس.. فلن أستطيع أن أصل فيها الي حكم شرعي صحيح.. أما قضايا السياسة فقد أصبحت متشعبة وتحتاج الي فقه اسلامي سياسي يتلاءم مع مقتضيات العصر مع الاحتفاظ علي الجوهر الأساسي وهو أن الإسلام حريص علي العدل والشوري وهذا لا يتحقق إلا بالاجتهاد واجتهاد كبير.. انطلاقا مما طرأ علي الواقع الإسلامي المعاصر من تغير وتطور علي سائر مناحي الحياة - وجب علينا أن نجتهد وأن يواكب اجتهادنا كل نواحي ومجالات الحياة المختلفة..
وأن التشديد في الفتوي غير مطلوب.. فيجب الأخذ بالأيسر، وليس بالأحوط والاجتهاد في الدين 'أصعب شوية' من الاجتهاد في الأمور الدينيوية.. فمطلوب من المجتهد معرفة وبصفة خاصة بعلوم القرآن وعلوم السنة وقواعد الأستنباط 'أصول الفقه'.. من لا يعرف هذا معرفة كافية لا يصلح أن يكون مجتهدا.. لأن المجتهد يعطي الناس رأي مع مطابقة أحكام الشرع علي أوضاع الناس.. فهي مهمة كبيرة لفز العلماء شرعيين عن 'النصيين'.. لابد أن يعرف علل الأحكام ومقاصد الشريعة الكبري والقواعد الفقيه التي قررها العلماء علي امتداد الزمان.. الناس في عناء، وعنت يا سادة.. نحن في حاجة الي فقه التيسير، وليس الأحوط ومعرفة الواقع شرط لا يستغني عنه في أي مسألة.. ومدرسة النقل تطبق النص علي واقع متغير..
وتعود أسباب الحالة التي وصلنا اليها اليوم الي أصحاب فكر الإسلام السياسي الذين يبحثون عن السلطة حتي لو أصبحوا جنودا للشيطان الأكبر.. !!
ومن هنا كان نداء الرئيس السيسي أن بلد الأزهر في حاجة ملحة الي ثورة دينية.. لتعظيم الخطاب الإلهي.. وإحياء مكارم الأخلاق..
لقد جاء الحكم علي الإسلام بالتخلف الديني المناهض لحركة الارتقاء العلمي فإذا كانت المسيحية أعاقت حركة العلم في أوربا فإن الإسلام أعاق حركة العلم في الشرق بقدر وجود فجوة بين فهم الغرب والإسلام الأصلي.. توجد فجوة من نوع آخر بين فهم المسلمين والإسلام الخالص.. والحل ليس تجديد الإسلام، بل هو تجديد المسلمين. وفي ظني أن هذا سوف يقضي علي الفجوتين في وقت واحد.. كيف؟
إن تجديد الخطاب الديني يجرنا إلي مجموعة من الاشكاليات الحقيقية التي تتعلق بواقع المسلمين اليوم وعلاقتهم بالإسلام الحقيقي، وهي علاقة تقوم علي فهم هش ومزيف، ولذلك ازدادت الفجوة بين المسلمين والإسلام. وهذه الفجوة، لا تسأل عنها فقط الظروف التاريخية والاجتماعية، إنما يُسأل عنها أيضاً 'الخلل في طرق التفكير' وهو خلل جاء نتيجة التعليم القائم علي الحفظ والتلقين لا الفهم والتدبر، والمصيبة أن من يحاول الفهم لا يُعمل عقله، وإنما يستعير فهم الأقدمين أو يستورد فهم الغرب!
وتتمثل إشكاليات الفجوة في:
لماذا يحصر المسلمون أنفسهم في جانب ضيق: نصف الجسد الأسفل، الجنس، الزوجات، الطقوس.. بينما رؤية الإسلام أوسع من ذلك بكثير: الكون، الإنسانية، الحضارة، التاريخ، العدالة الاجتماعية، الإنصاف؟
لماذا يفهم البعض تعاليم لله علي أنها تعاليم شكلية حرفية تتعلق بالظواهر أكثر مما تتعلق بالبواطن، ومن ثم حوّلوها من تعاليم للروح والجسد معاً إلي تعاليم للجسد فقط، وحولوها من تعاليم للسلوك إلي تعاليم للمظهر والشكليات بوجه عام؟!
والمفارقة المتجددة: لماذا يفشل المسلمون بينما هم يؤمنون بدين عظيم عالمي يحمل بداخله كل عناصر التطور؟
لماذا انهزم المسلمون في الماضي أمام التتار بينما انتصر عليهم الإسلام؟! ولماذا ينهزم المسلمون منذ قرون أمام الغرب، ولا يزال الإسلام صاعداً؟!
ثم لماذا فشل المسلمون في استعادة ماضيهم المجيد الذي تميز بالقوة والإنجازات الحضارية، والذي أعقبه فترة غلب عليها التدهور الخطير والسقوط في بئر التخلف بل والتهميش؟
ما الأخطاء التي أدت بهم إلي هذا المصير؟ ولماذا؟ وما الذي يقتضيه ذلك من تحركات في المستقبل؟
وما أسباب الفشل في المصالحة بين الإخوة الأعداء: الإسلاموية الأصولية في مقابل الإسلاموية الليبرالية؟
ولماذا فشلت التيارات الأصولية في اتخاذ موقف عقلاني واقعي في مواجهة تيار العولمة المتسارع الذي يحمل اللهجة الأمريكية؟
ولماذا فشلت في تحقيق حالة جديدة من الانسجام بين 'الإسلام' و'المعاصرة' بشكل يمكّن المجتمع الإسلامي من اللحاق بالركب ودخول الألفية الجديدة بخطي واثقة تعتمد علي الثقافة والتمدن؟
هذه اشكاليات تحتاج إلي إجابة، وهي أيضاً شجون تثيرها حالة 'التناقضات' التي يعيشها العالم الإسلامي والتي عجز التيار السياسي الإسلامي عن حلها، ومن ثم عجز عن تقديم نموذج عصري حداثي يقرب الإسلام من العالم، ويقرب العالم من الإسلام.
لكن إلي متي سوف تستمر هذه الاشكاليات؟
إنها فعلاً اشكاليات حقيقية، وتحتاج إلي حل لا في الكتب والمقالات، بل في الواقع المرير الذي ينظر فيه العالم إلي الإسلام كأيديولوجية للإرهاب! والمسئول عن ذلك ليس قصور النظرة الغربية فقط التي تخلط بين جماعات الإرهاب والإسلام، بل المسئول عن ذلك أيضاً المسلمون بقصورهم وضعفهم وعصبيتهم وتخلفهم عن تقديم مشروع علمي وحضاري متمدن يواكب العصر.
إن آلاف الخطب العنترية وآلاف العمليات الإرهابية لن تحل أي اشكالية من الاشكاليات السابقة، بل سوف تزيدها تعقيداً، وهذا ما برهنت عليه المائتا عام الأخيرة. ومع ذلك لا تزال الخطب الجوفاء مستمرة، ولا تزال العمليات الإرهابية جارية!
إن المشروع العلمي الحداثي هو الإجابة الوحيدة التي يمكن تقديمها لتجاوز العيوب التقليدية التي يقع فيها الخطاب الغربي، ومن تلك العيوب ذلك الطابع الذي يسيطر علي الخطاب الغربي في اتهام الإسلام جزافياً ودون برهان حاسم: إما بضعف البعد الروحي، أو بالتخلف الديني المناهض لحركة العلم، أو بالإرهاب!
وقد جاء الحكم الأول نتيجة 'المقارنة المعكوسة' بالمسيحية، حيث لا ينظر للإسلام وفق جدليته الخاصة، بل كانعكاس مقلوب لتاريخ المسيحية. فإذا كانت المسيحية رهبانية روحية، فإن الإسلام حسي مادي. وهكذا جاء الحكم علي الإسلام بنقص الروحانية نتيجة عملية قلب عكسية.
في حين جاء الحكم علي الإسلام بالتخلف الديني المناهض لحركة الارتقاء العلمي نتيجة 'قياس المثل'، فإذا كانت المسيحية قد أعاقت حركة العلم في أوروبا، فإن الإسلام كذلك قد أعاق حركة العلم في الشرق!
وهذا بالطبع موقف الاستشراق العلماني المناهض للكهنوت، لكن يوجد موقف آخر اتخذه الاستشراق التبشيري الذي قرن بين تقدم أوروبا والدين المسيحي من ناحية، وبين تأخر الشرق والدين الإسلامي من ناحية أخري!
بينما جاء الحكم علي الإسلام بالإرهاب، نتيجة 'الخلط' بين الإسلام كدين خالص وعقول قطاع من المسلمين! وتستمر المغالطة وتتسع لتزعم أنه إذا كانت المسيحية مسالمة فالإسلام محارب!
ولا يريد أحد منهم أن يفهم أن الحرب في الإسلام إنما هي حرب دفاعية عادلة، دفاعاً عن العرض والدم والأرض والحرية، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية والقانونية. بينما المسلمون يظهر في طوائف منهم - منذ أمد بعيد - مفاهيم مغلوطة عن الجهاد بوصفه إكراهاً علي الإيمان، وبوصفه فرضاً للرأي الواحد.وتمتد المفاهيم المغلوطة لتواجه الرأي المخالف بالحديد والنار! ولا يزال يسيطر علي قطاعات كبيرة منهم الرؤية الأحادية للعالم، بينما الإسلام نفسه يعترف بالتنوع البشري، ويدعو للتعايش الإنساني. وهذا هو 'قلب الحداثة' التي لم يدخلها المسلمون المعاصرون حتي الآن!
أعانكم لله ووفقنا جميعا الي صالح الأعمال.
من الشريف السيد مشالي – أمين شجرة عائلات وأنساب مشالي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.