في أوقات المحن، والخضوب.. والتحدي للوجود، والمصير.. يستوجب التوحد.. والوقوف صفًا واحدًا.. مؤمنين بالقبضة القوية الضاربة للدفاع عن مصرنا الحبيبة.. هذا الوطن المقدس.. الذي ترابه 'تبر' وهواؤه 'زعفران'.. بعد محنة 7691 أو ما سُميت بالنكسة المروعة!! سرعان ما لملم الشعب المصري أوجاعه وآماله واصطف خلف قائده 'عبد الناصر'.. وتوحدت إرادته والتحمت بالإرادة السياسية.. والتصميم علي إعادة بناء القوات المسلحة.. ليصبح ظهيرها شعب، واعًا، وداعمًا، تتوافق قدراته وأفكاره، وقواه.. لتصب في نهر المواجهة والصمود.. ومن هنا قبع أينعم زهور شبابه من خريجي الجامعات والمعاهد العليا في الخنادق، وتتمرسوا تحت الأرض لمدد طويلة تراوحت بين 5:7 سنوات.. مدججين بإرادة لا تلين في تطهير الأرض واستعادة سيناء الحبيبة من مغتصبها العدو الإسرائيلي. وبفارق السنين الطوال.. فربما سيستعيد بعض المصريين من كبار السن وأنا منهم.. هذه الأجواء السابقة.. بينما يعيش معظم المصريين والسواد الأعظم.. لحظات مفعمة بالآلم والشجن والدموع.. حتي بدا لي أن الربط بين الفترتين ضرورة.. وكأن حرب الاستنزاف الأولي سبقت حرب الاستنزاف الحالية وعلينا أن نستفيد من دروس التاريخ، إن الغم الكبير الذي داهم المصريين.. عقب حوادث جسام ألمت بالجسد المصري علي امتداده من قلب العاصمة إلي أطرافه الملتهبة في سيناء.. فأدمت الجميع.. في الوقت الذي كان يتهيأ للاحتفال بالذكري الرابعة لثورة 52 يناير. 52 يناير 1102 التي أبهرت العالم، بل وألهمت العالم علي حد تعبير الرئيس الأمريكي 'أوباما' والذي تحدث شعرًا فيها.. وظل يمجد شبابها ووصفه بأنه ملهم إلي أنه يرتقي لمرتبة الزعيم الهندي 'غاندي' مفجر الثورة ضد المستعمر البريطاني.. والزعيم الأمريكي 'مارتن لوثم كنج' المناهض للعنصرية والمطالب بالمساواة بين السود والبيض.. ومن المؤسف أن علي مدار السنوات القليلة تتكشف الرؤي.. وتنقلب المواقف.. تتصارع وربما تتآمر أمريكا ضد الثورتين 52 يناير.03 يونية.. لأن ما يهمها هو تفكيك مصر والعالم العربي إلي دويلات طائفية.. ولعل الشاهد علي ذلك ما يحدث حولنا من اليمن إلي العراق وسوريا مرورًا بليبيا والسودان!! علي أي حال.. ما سيتوقفنا.. هو ما ينبع من داخلنا.. من داخل الكيان المصري ذاته.. تلك الأبواق التي تنطلق لتهيل التراب علي 52 يناير.. وهي أبواق تستدعي إلي الأذهان ألسنة الفساد الناطقة بلسان النظام 'المخلوع'.. متوهمة أنها تعيد إنتاج سياسة 'المخلوع'.. خاصة بعد ما أفرج عن معظم رموزه الكبار والصغار.. في حين ظل شباب الثورة '52 يناير' خلف الأسوار.. ومنهم من تأكدت أحكامهم.. ومنهم من ينتظر.. ورغم أن هناك من رفع بالونات عديدة في عفو رئاسي عن هؤلاء الشباب.. إلا أن ذلك لم يتحقق.. وكأن أصحاب هذه البالونات.. وهم يمثلون الثورة المضادة.. يرغبون في إشاعة أن الرئيس السيسي لا يرغب في منح هذا الشباب العفو.. رغم كونه يردد دائمًا إيمانه بدور الشباب في صنع مستقبل هذه الأمة.. وأنه يفسح له الطريق بجواره في الحكم!! ولعل حادثة 'شيماء الصياغ' تفتح أعيننا علي ما نعانيه من سوءات وتجاوز الأخلاقيات رغم ما نعانيه من خلل، وعدم استقامة.. لتصب في الرؤية السياسية للأمور.. ووزنها وتقييمها.. وللحريات المبذولة والمتاحة.. والتي بها تستقيم الأمور.. ولا نشعر معها بالدوران إلي الخلف.. أو للخلف دُر!! وبداية نؤكد أن 'شيماء' كانت تهتف مع '03' عضوًا.. المشتركين في المسيرة الحزبية.. شعارات 52 يناير.. عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية، وقد طوروها.. يسقط.. يسقط.. الإرهاب.. كانت تحمل وردة بيضاء.. تود أن تضعها علي النصب التذكاري لشهداء 52 يناير.. والتي آمنت بها ودافعت عنها حتي الخيط الأخير من دمها السائل من جمجمتها!! والذي لا نزال نبحث مع الباحثين عن المتسبب في استشهادها.. وفي انتظار كلمة العدالة الناجزة.. نؤكد أن النظرة السياسية توارت إلي الخلف، وقفز فوقها من جديد النظرة الأمنية.. بحيث لم يفرق هذا الفريق الأمني الواقف في ميدان طلعت حرب.. بين 'شيماء' حاملة الورود.. وبين فتيات الجماعة الإخوانية المتاجرة بالدين والوطن.. وهن يحملن الأسلحة البيضاء وربما السوداء بين طيات ملابسهن!! من الغريب والمرعب.. أن تلك الجماعة المتاجرة بالدين والوطن.. سرعان ما استغلت الموقف.. وقفزت علي مشهد الشهيدة لتندد بالشرطة والجيش.. وهي توزع العنف بل وتزرعه بامتداد 'مصر' وخريطتها.. بالقنابل، والمتفجرات، وإشعال الحرائق، واغتيال رجال من الشرطة والجيش.. بعد أن أصابها اليأس.. بل لنقل العمي المطبق الذي يصاب به المجانين و'المهاويس' فيتصورون الأوطان ساحات للوغي والحروب!! وبهذا التصور والإيمان.. فتحت جسورًا وقوتها.. بينها وبين الفصيل الإرهابي أو ما يسمي 'بيت المقدس' أو 'ولاية سيناء'.. وهي ترتكب المذبحة البشعة التي هزت العالم الحر.. من جراء تلك 'الهجمات المتزامنة' التي فجرتها في قلب 'العريش'.. فوقع ما يزيد علي 03 شهيدًا من ضباط وجنود مصر الأبرار.. ناهيك عن أعداد المصابين.. المجزرة.. مرعبة.. وخطيرة.. وهي تأتي الأشرس والأفظع في سلسلة الهجمات الإرهابية التي ألمت بالقوات المسلحة والشرطة منذ هبوب الرياح المسمومة علي أرض سيناء في مذبحة رفح الأولي عام 2102.. وحتي الأخيرة '82 يناير 5102' وتعد المذبحة السادسة.. وتأتي في أعقاب أسبوع اتشح بالسواد.. من جراء تفجيرات عمت مناطق شتي من أرض مصر المحروسة.. إنه حقًا أسبوع حزين.. يدفعنا أن نرتدي السواد علي شهداء الوطن.. لا نفرق بينهم.. مدنيًا أو عسكريًا، امرأة أو رجلًا.. شيخًا أو طفلًا أو شابًا.. فالكل سواء.. فدم المؤمن علي المؤمن حرام. والسؤال حول كيفية العلاج والمواجهة.. يدفعنا لكي نؤكد أن المواجهات الأمنية أثبتت للجميع ضرورتها لكنها ليست الوحيدة.. أو التي بها نكسب معركتنا والتي صارت معركة متشابكة ومفتوحة علي اتجاهات عديدة.. إن الطريق إلي كسب المعركة.. ينبغي أن يشيد علي المشاركة المجتمعية.. ووضع شعارات ثورة 52 يناير موضع التنفيذ مع استعادة مشهد التحالف الكبير لعناصر المجتمع وقواه والذي تجسد بعد 03 يونية.. وأن نضعه موضع التنفيذ والممارسة الفعلية وأن يحترم الجميع 'الدستور' الذي كتبناه لكي يحكمنا جميعًا لا أن يعلق علي الرف!! إن حق الاختلاف.. وحق المواطنة.. ينبغي أن يتحقق فوق قاعدة وحدة الوطن وقدسية ترابه.. والكل سواء أمام القانون.. وطمأنة الشباب الثوري.. وإتاحة الفرصة الحقيقية للتعبير، وللحركة، والنشاط السياسي.. فأهالينا في سيناء.. ينبغي أن تشعرهم بأن تلك معركتهم.. وهم يخوضونها معركة مصير، ووجود.. فهذه أرضهم بالفعل.. وهذه ديارهم التي يمتلكونها.. هذا رزقهم الذي نوفره لهم.. وبالتالي فإن محاربتهم لهذا الإرهاب الداعشي وأنصار بيت المقدس.. أو ولاية سيناء أو الجماعة المتاجرة بالدين وبوطنهم سيناء بالأساس.. يتحتم عليهم التحالف مع الجيش والشرطة للتصدي لهم. إن حرب الاستنزاف التي يواجهها المصريون في حاضرهم.. هي التحدي الأصعب إذ تتطلب تضافر السياسي والاقتصادي مع العسكري والأمني.. وإن ذلك ليس الصعب أو المستحيل.. فقد سبق وأن كان المصري ملهمًا للعالم بأسره في مشهد ثورة 52 يناير.. فأن له أن يستجيب للتحدي.. كي يفعل القانون الأزلي القديم الذي به بني وشيد حضارته القديمة التي لا تزال باقية ويشهد علي رقيها كل الأمم.