حكم الإخوان مصر لمدة عام واحد.. انتهي بثورة شعبية.. وخروج 40 مليون مواطن في 30 يونية يطالبون بإسقاط وزوال حكم الإخوان.. الذي كان، وبجدارة، أسوأ نظام حكم تعرفه مصر عبر تاريخها الممتد.. فقد قضوا عامهم متفرغين لأخونة الدولة.. وإحلال عناصرهم في كافة الوظائف الحكومية، والمواقع الحاكمة.. والاستئثار بمقدرات الدولة وكأنها أصبحت ملكية خاصة لهم.. ولم يكن حكم إخوان مصر أولي تجاربهم في هذا الصدد.. فقد سبقهم إخوان السودان.. وكانوا أول 'إخوان' يحكمون.. ومازالوا حتي الآن.. بعد أن تسللوا إلي السلطة عقب المصالحة الوطنية التي أجراها نظام جعفر نميري عام 1977، وقد أوعز إليه حسن الترابي مراقب عام إخوان السودان وقتها بضرورة تبني فكرة الشريعة الإسلامية، لأنها تدفع الفرد إلي تقوي الله 'ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا'.. وقد نجح الترابي في إقناع زميله السابق في مدرسة حنتوب الثانوية بالفكرة التي كانت بوابة الإخوان لزرع كوادرهم في جسد الدولة.. والانتشار في الهيئات والمؤسسات المدنية، والوزارات المختلفة.. وقاموا بتمرير كوادرهم في المؤسسة العسكرية، وجهاز الشرطة.. وأجهزة الأمن.. وهي نفس الخطوات، وبنفس الدقة التي اتبعها إخوان مصر خلال عامهم في السلطة.. وكأنها منهج مقرر.. أو دستور مقدس.. مع حرصهم علي إزاحة وتصفية الخصوم والمنافسين كيانات وأفرادًا. ولأنهم لا يعرفون الصدق.. وظاهرهم غير باطنهم فقد اعترف قادتهم بأن مشاركتهم لنظام جعفر النميري كانت تهدف إلي قدر من المكاسب الاقتصادية والمالية.. واختراق النظام بعناصر الإخوان والوصول إلي الوظائف والمراكز الحساسة في الدولة.. ثم كانت الانتفاضة الشعبية ضد حكم النميري عام 1985، وتواجد الإخوان في البرلمان.. ودخلوا في حكومة ائتلافية مع الحزبين الكبيرين 'المهدي/ الميرغني' ولكنهم عملوا علي إفشال التجربة التي وصفت ب'الديمقراطية' وبدا ذلك واضحًا من خلال صحفهم وتحركاتهم داخل المؤسسة العسكرية حيث تبنت قيادة 'الجبهة الإسلامية'.. مشروعًا باسم 'أمان السودان'.. برفض السلام مع الحركة الشعبية وجناحها العسكري 'الجيش الشعبي لتحرير السودان'.. ويدعم استمرار الحرب.. وقاموا بجمع التبرعات لدعم الجيش في محاولة للتقرب من قياداته واستقطاب المزيد من عناصرهم.. حدث ذلك في الوقت الذي كان فيه الميرغني قد توصل إلي اعلان مبادئ مع العقيد 'قرنق' رئيس الحركة الشعبية لإيقاف الحرب والدخول في عملية السلام النهائية التي وضعت ملامحها اتفاقية 'الميرغني قرنق' أديس أبابا 1988.. وبينما كانت الأحزاب السودانية والهيئات والتنظيمات النقابية منهمكة في عملية السلام والاستقرار والتنمية.. كانت الجبهة الاسلامية تخطط في الظلام.. وأمر مجلس شوري الإخوان عناصره بالقوات المسلحة بالاستيلاء علي السلطة بالقوة.. وأطاح 'عمر حسن البشير' بالنظام في يوم الجمعة 30 يونية 1989 ليدخل السودان تحت حكم الإخوان في أسوأ حقبة سياسية يمر بها في تاريخه القديم والحديث. وعلي الفور قامت السلطة الإخوانية بإجراءات أخونة الدولة وبدأت بتصفية الخدمة المدنية من كل من لا ينتمي للإخوان عن طريق قانون 'الصالح العام' الذي يبيح الفصل التعسفي من العمل وبدأت بفصل 4700 عامل من هيئة سكك حديد السودان وتلتها هيئة المواني البحرية والنقل النهري والخطوط الجوية.. والقوات المسلحة والشرطة ثم هيئة الكهرباء والمياه.. وأساتذة الجامعات وإدارات السجون والأطباء والمهندسين والدبلوماسيين بوزارة الخارجية ومدراء الادارات ورؤساء الاقسام بالوزارات.. ثم وصل الأمر إلي فصل السعاة من وظائفهم في أكبر عملية تدمير لهيكل الدولة.. ثم امتدت يد التخريب الإخواني إلي المشروعات الكبري: مشروع الجزيرة '2 مليون فدان' كأكبر مشروع زراعي مروي في العالم، ثم تبعته بقية المشاريع 'طوكر وقرورة' ومشروعات التنمية في كسلا والقضارق بشرق السودان، وتوقفت المؤسسة الزراعية في الشمال إلي الأبد.. ومعها مشروعات جبال النوبة ومشاريع التنمية في كردفان ودارفور.. وشهد السودان مجاعات قاسية.. وانتفض الناس أكثر من مرة.. وقمعتها أجهزة الأمن الرسمية.. و'ميليشيا الدفاع الشعبي، وجهاز الأمن الشعبي' وبدأ بيع مؤسسات الدولة بعد تبني 'الاقتصاد الاسلامي'.. حيث فقد السودان جل ممتلكاته وثرواته واصوله الثابتة التي تمت خصخصتها وبيعها للمشتري الجديد الإخواني عادة. واتخذت الحرب في الجنوب بُعدًا جديدًا واستخدمت فيها أسلحة أشد فتكًا راح ضحيتها مئات الآلاف من الطرفين.. وفي دارفور قامت حرب مهلكة أدت إلي قتل حوالي '300 ألف' ونزوح قرابة المليون.. وسرعان ما اتسع نطاق الحرب بعد لجوء الإخوان إلي بعض القبائل بعد تعبئتها وتسليحها.. لتأخذ الحرب أبعادًا إثنية وعرقية.. ويتم تمزيق السودان علي النحو الذي نراه الآن.. دون أن يرتجف للإخوان جفن.. لأن هدفهم الوصول إلي السلطة والتمسك بها.. ثم استحواذهم علي الثروة.. ولو أدي ذلك إلي تقسيم الأوطان وهلاك بنيها.. وهو ما كان يمكن أن يتكرر في مصر.. 'بالنص'.. ويمكن أن يتكرر في أية دولة تغفل عن أساليبهم.. ولا تبادر بالتصدي لهم.. فهم الشر المستطير الذي يسعي بين دول العالم العربي والاسلامي بكل أنواع التدبير والتآمر والإرهاب. ومن ثم يمكن القول إن يومي 30 يونية، 3 يوليو عام 2013 أصبحا من وجهة نظر التاريخ يومان خالدان في تاريخ مصر.. بعد أن تحرك الشعب بملايينه يسد الأفق أمام إخوان الإرهاب.. مدعمًا بقوة جيشه الوطني الذي أبي أن يتركه في محنته يصارع أبشع أنواع التسلط والقمع والوحشية.. ويُسقط حكم الإخوان الذي ابتليت به مصر في غفلة.. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد.. بل يتعداه إلي رفض الإخوان كمنظمة إرهابية.. ورفض أهدافها الخافية والمضمرة.. وتاريخها المشين.. وليتأكد لكل ذي عقل أن رفض 'قوة الوطن' المتمثلة في الشعب وجيشه للإخوان إنما يمثل النهاية الحتمية التي لا قيامة بعدها.