أحمد طه النقر مشكلة كبيرة ألا نقرأ ...ومشكلة أكبر ألا نستفيد مما نقرأ..ففي القراءة دروس وعبر..وفيها تجارب من سبقونا بحلوها ومرها..وإذا كنا في مصر بصدد تجربة حكم "إسلامي" بقيادة جماعة الإخوان المسلمين ،فإن واجبنا محاولة التعرف علي التجارب السابقة لحكم هذه الجماعة وخاصة إذا كانت علي حدودنا ، وفي بلد أقرب الي مصر من حبل الوريد..إنها تجربة الإخوان في حكم السودان..وصدر عن دار الثقافة الجديدة كتاب مهم أعده عبد الماجد عليش يرصد هذه التجربة الكاشفة وهو بعنوان "يوميات الدولة الإسلامية في السودان".. يسجل الكتاب من خلال الصحف السودانية الرئيسية وقائع إعلان الرئيس الراحل جعفر نميري تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان في سبتمبر 1983 ثم تحالف الإخوان المسلمين بزعامة الدكتور حسن الترابي معه ..ولا يلتزم المؤلف بالتسلسل التاريخي لليوميات ولكنه يرتب الوقائع بصورة دالة تكشف جريمة المتاجرة بالدين لتبرير الديكتاتورية والفساد وتمزيق الوطن عن طريق إقصاء المواطنين في الجنوب واتهامهم بالعمالة والكفر!!.. جريدة الصحافة في 13-9-1983 : بدأت مسيرة العدالة الناجزة... صحيفة الايام : قانون جديد للإجراءات الجنائية..قطع يد السارق والجلد والرجم للزاني..تشديد العقوبات للسرقة والرشوة والفساد..تحريم الخمور والميسر.. جريدة الصحافة في 30-4- 1984 : نميري يعلن حالة الطواريء ويقول إن "نبي الإسلام هو أول من اعلن حالة الطواريء في الإسلام تطبيقا لنصوص القرآن الداعية الي الحذر..فحين دخل مكة فاتحا لم يُغفل أن يتخذ الحيطة والحذر فأعلن أن من دخل بيته وأغلقه عليه فهو آمن ..ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ..وهذا إعلان باللغة العسكرية ليس فقط لحالة الطواريء بل أمر بفرض حظر التجول"!!.. نميري يؤكد .."الإسلام له طواريء ، وعندما نري المجتمع قد فسد وانحرف نعلن الطواريء ..ندخل البيوت ، نضبط ونفتش من يشرب الخمر في الخفاء ومن يزني ..كل بيت سندخله وسنفتشه ..الإسلام أمرنا بذلك"!!.. جريدة الصحافة في 23-5-1984 : اليوم فقط تنهض الخلافة الراشدة من ظلمات القرون، وتقف وهي تبسط يدها للبيعة..ارتفعت الأيادي وهي تردد بحنجرة واحدة كلمات البيعة الوطنية..وقفت جموع النساء، إلي جانب صفوف الرجال تردد البيعة، كما وقفت الصحابيات من قبل يبايعن الرسول وانهمرت الدموع وهي تستعيد ذكر السيرة العطرة وموقف الصحابة في بيعة الرضوان..وهكذا لم يعد هناك استفتاء ولا انتخابات رئاسية وإنما هي بيعة أبدية لا تُنقض لأن من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية!!.. الترابي ، بعد توليه منصب النائب العام ، يصرح في مؤتمر انتخابي في 1985/12/4 : "لم نأتكم مبشرين بدعوة انتخابية وإنما جئتكم بوعد الله الذي لا يخيب"!!.. شعار انتخابي "صوتك للجبهة الإسلامية تكن مع الله وصوتك ضدها تكن مع قرنق زعيم النصاري الجنوبيين"!!.. وفي 1989/4/10 تقرر الجمعية التأسيسية تأجيل التصويت علي القانون المقترح من الجبهة الإسلامية بزعامة الترابي ويغادر نواب الجبهة قاعة الجمعية مهددين: "سنذبحكم.. سنذبحكم"..وبالفعل دبر الإخوان المسلمون انقلاباً عسكرياً في1989/6/30 بقيادة العميد عمر البشير وأطاح بحكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطياً.. جريدة الصحافة1989/12/16: البشير يصرح "نحن أعضاء أصليون في الحركة الإسلامية وانخرطت فيها وأنا طالب بالسنة الأولي الثانوية، ونفذنا كل أوامر الحركة ومنها ثورة الإنقاذ".. نشرت صحيفة "الإنقاذ الوطني" تصريحا للبروفيسور عمر بليل قال فيه "نحن في الإسلام لدينا الوطن ليس للجميع بل لله وحده، وعلي إخوتنا في الجنوب أن يدركوا أن الحدود جزء من العبادة، وإذا رفض قرنق فما علينا إلا الحرب"!!.. صحيفة الرأي العام في1999/1/4 : صدر قرار بتوحيد الزي لجميع طالبات الجامعات علي أن يكون زياً شرعياً وإلزام كل العاملات بمؤسسات الدولة بهذا الزي، ومنع أي امرأة من دخول المؤسسات الحكومية بغير هذا الزي، مع ضرورة إلزام المسيحيات بذلك والتنويه داخل الطائرات بذلك، ووضع الحجاب شرط لمنح التأشيرة مع توفير بيع الخمار في المطار لغير المسلمات لارتدائه عند دخول السودان.. نشرت صحيفة الراية في1988/11/25 فقرة من برنامج الجبهة الإسلامية جاء فيها "في اتجاه معالجة الجفاف نحن لا نقول بمحاربة التصحر، لأن الطبيعة لا تُحارب فالحرب ضدها تعني الحرب علي الله، فكل ما يحدث وفقاً لمشيئة الله ومعالجة الجفاف تتم بالرجوع إلي الله باختيار دستوره منهجاً لنا في الحياة"!!.. وفي غمار الحرب التي شنها نظام الجبهة الإسلامية بقيادة البشير والترابي علي الجنوب "النصراني الكافر" ، وانتهت بتقسيم السودان الي دولتين فضلا عن تزايد احتمالات الانفصال في دارفور غربا وكسلا شرقا ، اذاعت قناة الخرطوم حديثا للملازم اول خالد عمران قال فيه " اثناء معركة جبل ليريا بالجنوب ، دار القتال لمدة 18 ساعة متواصلة..ثم جاءتني سنة من النوم فرأيتُ خالد بن الوليد جالسا علي كرسي وثير ، وسمعتُ صوت عمر بن الخطاب يسأله : ماشي (رايح ) وين يا خالد؟ ..فقال له : ماشي أجاهد في السودان في القرن العشرين"!!..