كلمات نطق بها شاعر النيل الكبير حافظ ابراهيم، مضي عليها اليوم أكثر من تسعين سنة.. 'وقف الخلق ينظرون جميعا.. كيف أبني قواعد المجد وحدي' إهتزت مشاعر شاعر النيل متفاخرا بوطنه وأبنائه.. ورد علي خاطري تلك القصيدة ومناسبتها، كانت عودة عدلي يكن باشا من أوروبا، قاطعا حبل المفاوضات مع المستعمر الإنجليزي لأرض مصر، ومن ثم استقال من الوزارة.. ساعة تقرؤها تختل عندك المشاعر.. من منهما أكثر وطنية، من صاغ لمصر أعذب الكلمات، أومن ترك لتاريخ مصر أنصع سطوره.. وحتي لا يتوه منا الطريق، وتأخذنا عظمة الموقف، وتشغلنا جزالة العبارات.. 'نظر الله لي فأرشد أبنائي.. فشدوا إلي العلا أي أيشد** قد وعدت العلا بكل أبي.. من رجالي فأنجزوا اليوم وعدي' ورد علي خاطري ذاك المشروع العملاق، الذي يقوم به اليوم شعب مصر، مشروع قناة السويس الجديدة.. تراه شاعرنا لو امتد به العمر، كيف سيكون عنده القصيد، وكيف تنطق بالحديث الكلمات. اندلعت في مصر ثورتان, غيرتا وجه العالم ونظرته إلينا.. قلبتا الموازين السياسية والاقتصادية, أذهلتا العالمين، أضافتا أبعادا جديدة للشخصية المصرية.. جيوش الاستعمار احتلتنا لعشرات السنين, ثم رحلت من فوق أراضينا وهي تجهلنا تماما.. قوات احتلال أخري جثمت فوق صدر أشقاء لنا، غيرت فيهم العادات والتقاليد، قضت تماما علي لغة هذه الشعوب.. قوات الاحتلال التي توالت علي مصر، لم تستطع بجبروتها وصلافتها، أن تغير من اللسان المصري.. ما زال طفل مصر عندما يشعر بالعطش يقول بالهيروغليفية 'انبو'.. انتجت الثورتان خريطة للمستقبل من ثلاث مراحل، أتم الشعب العظيم الثائر منها مرحلتين وبقدرة فائقة.. اقترب موعد المرحلة الأخيرة، ولم تمهد النخب الطريق لنجاحها.. لم نتعود علي إدارة الأزمات.. غابت ثقافتها تماما عن أدمغتنا.. مرة أخري من كثرة المرات، نعود إلي الوراء مندهشين 'يا لهوي' الانتخابات البرلمانية غدا.. طوائف وجماعات الاسلام السياسي.. شباب الفوضي الخلاقة.. سراق ثورات الشعوب العربية.. الفصائل المرفوضة شعبيا، تعيد بعض الفضائيات تجميلهم، بأحدث فنون المكياج، ليحتلوا المقاعد السياسية.. الكل متربص. نسي المهللون الأرقام الباطلة وبالآلاف في الانتخابات الأخيرة، وأن أصحابها هم فرسان الدعوة التلفية، الشريك المتضامن مع الإخوان الشياطين.. كذلك هللوا بلا داع ولا مسوغ، لإغلاق وزارة الاعلام، حتي يتسيد إعلام الفرد والمذيع الزعيم.. غابت الثقافة الاعلامية المختبرة نجاحاتها في التمويه، وحفظ أسرار حرب 73 أكتوبر رمضان المجيدة.. ضاعت المفاهيم الإعلامية القومية، ومن مهامها الرئيسة حماية الثورتين وأسباب قيامهما.. تآمر أغلب وزراء الثقافة، مع شذاذ الأفاق الإعلاميين، علي تغييب العقل والوجدان.. اختفت ثقافة الكتاب، إلا من إصدارات الجنس والشعوذة والتكفير.. أغلقت 'بالضبة والمفتاح' أبواب قصور وبيوت الثقافة، إلا من سويعات قليلة رمضانية، حولت قصور وبيوت الثقافة، إلي حلبات دروشة وتخدير وليست قوافل تنوير.. صرخت أبواق وزارة الثقافة، بمعارك كلامية، بينها وبين الأزهر الشريف، من قدم لمصر وللعالمين العربي والاسلامي، عقول هي جواهر الفكر الأزهري التقدمي، مع إحماء الثورات السياسية ضد المستعمر.. شذاذ الفكر المفقود عند الجانبين، عليهم أن يفهموا أن مصر تخوض حربا، ممولة بالكامل من الخارج، وبأسماء رجالات الصهيونية العالمية.. ليت وزارة الثقافة تخرج لنا قيادات تنوير وتثقيف، كما فعل الأزهر الشريف صاحب الألف عام من التنوير.. بديلا عن فكر التخريب ومفاهيم الحريات المغلوطة، وتزييف معني الديمقراطية، وحقوق الإنسان.. والدعوة لتكريس التعسف في استخدام الحق بدعاوي حرية التعبير.. سكتت أدمغتهم وخرست ألسنة الثقافة الممولة، عن اتفاقيات كامب ديفيد وبنودها المجحفة السقيمة، لم نسمع صوتا لمثقف، يحتج علي تغولها علي حقوق ومكتسبات، نضال شعب حارب وانتصر.. لم يجرؤ لسان واحد منهم علي نقدها ولا أقول تعديلها.. الكل مشغول باللحاق طواعية 'لمزود' حظائر وزارة الثقافة، الغنية بالعلف والتبن والكسب بضم الكاف. وكما عاشت لآلاف السنين كلمة طفل مصر إذا عطش قال بالهيروغليفية 'إمبو' وعاشت لمائة سنة قصيدة شاعر النيل.. ستعيش لآلاف السنين غنوة من يحفرون اليوم في رمال القناة.. 'أنا إن قدر الإله مماتي**لاتري الشرق يرفع الرأس بعدي'.