يأتي حصول الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي علي جائزة «النيل» – وهي أرفع الجوائز الثقافية المصرية – تتويجا لتجربة شعرية وثقافية استمرت لأكثر من خمسين عاما، خاض خلالها معارك كثيرة في الفكر والشعر والسياسة أيضا. هنا حوار معه حول الجائزة، وعلاقته بالأجيال الجديدة، وموقفه من قصيدة النثر، وغيرها من القضايا. بعد حصولك علي «جائزة النيل» كيف تري الجائزة؟ الجائزة – بصراحة – تعرضت لعدة وقائع نالت من مصداقيتها بعض الشيء، أولا سميت عندما اقترحت ب «جائزة النيل»، لكننا وجدنا من اقترح نفاقا تسميتها «جائزة مبارك»، ففقدت اسمها الجليل. فعندما نقول مصر هبة النيل وعندما نسمي جائزة النيل معني ذلك أننا نتوج حياة كاملة ليست حياة فرد، حينما تذهب الجائزة لفرد معني ذلك أنه رمز لمصر كلها. أما مسخ الجائزة بتحويل اسمها أفقدها مصداقيتها، ثم تحولت في فترة من الفترات تمنح لمن يقتربون من النظام. وأذكر أن د. فؤاد زكريا رشح لها لسنوات متعددة ولم يحصل عليها وهو قامة فكرية لن تتكرر، في حين حصل عليها من هم أقل منه قدرا ومكانة. في ظني هذا العام – بشكل عام – أن الفائزين بالجوائز ينظر إليهم الجميع بأنهم يستحقون، أتمني في المستقبل أن تراعي الدولة هذا وأن تحافظ عليها بأن تمنح لمن يستحقها حتي تكتسب الجوائز مصداقيتها وتؤدي رسالتها المنوطة بها. حينما تقول إن الجائزة ذهبت إلي المفكر فلان فأنت تدعو الشارع للتفكير وللنهضة والتقدم، فالاسم الحاصل عليها لابد وأن يكون قريبا من نبض الشارع مشاركا في صنع تقدمه. ما مقترحاتك لتطوير مساءلة الجوائز الثقافية في مصر؟ أطالب بطبع أعمال الفائزين، لابد وأن ننتهز الفرصة فالعمل الثقافي لابد وأن يكون عملا شاملا. علينا أن نراجع الآن تاريخ وزارة الثقافة، أنا أري أن هناك أشياء كثيرة الآن فقدت ما كان لها من نشاط، المسرح المصري الآن ليس مثله في الستينيات وكذلك الأمر في السينما من الوجهة الكمية تراجع ، كذلك الكتاب المصري – الآن – صار ضعيفا. أنظر إلي ما يحدث في مجال الغناء.. الأمر يحتاج إلي مراجعة دور وزارة الثقافة، والتي تخلت عن خطتها التي بدأت بها عام 1958، في عهد ثروت عكاشة، وهي النزول بالثقافة إلي المواطن العادي. المشهد الشعري كيف تقيم المشهد الشعري الآن؟ وهل تغيرت ملامحه بعد الثورة؟ المشهد الشعري الآن يدلنا علي أن فن الشعر فن نشيط، وعلي أن هناك أجيالا جديدة، لكنه فن يحتاج إلي أدوات فلا يوجد شعر حقيقي بدون لغة، وأري أن اللغة متردية الآن ومنذ ثلاثين عاما لأن التعليم تراجع بشكل كبير فمن يعملون في التدريس لا يجيدون اللغة، ونجد علاقتهم باللغة ظاهرية وضعيفة. ويأسفني أن أقول أيضا إن ضعف اللغة موجود عند بعض من يكتبون الشعر وهناك أسماء مشهورة تقع في الأخطاء اللغوية. في الخمسينيات كنا طلبة في «مدرسة المعلمين» كنا شعراء كثيرين نعرف اللغة والعروض وما يجب علي الشاعر أكثر مما يعرفه الآن شعراء لهم أسماء كبيرة. وفي ظني أن بعض الاتجاهات الجديدة بسبب تعليم اللغة يستسهلون المسألة فيكتبون خواطر ويطلقون عليها اسم الشعر. لذلك يري البعض أن رأيك في قصيدة النثر أثر بالسلب علي الشعراء الذين يكتبونها، وعلي اعتراف المؤسسة الثقافية بتجربتهم؟ ما رأيك؟ لك الحق في ذلك، لكن إذا كان رأيي السلبي في قصيدة النثر، أثر في هؤلاء الشعراء، فإنه من الناحية الأخري أثر علي من يكتبون القصيدة التفعيلية والعمودية بالإيجاب. يبقي أن أقول من يريد كتابة قصيدة النثر فليكتبها وعليهم أن يدلوا القارئ علي الطريقة المثلي لقراءتها. وأنا أنشر نماذج من هذه القصيدة في المجلة التي أرأس تحريرها. علينا أن نأخذ فن الشعر مأخذ الجد وليس كل من يجلس علي مقهي يكتب كلمة وقصيدة ويفرضها علينا فالشعر الحقيق تجربة ولغة. دور غائب كيف تري دور المثقف المصري في ظل ما يحدث الآن علي أرض الواقع؟ المثقف هو نبض مجتمعه، ومرآة صادقة له، وفي اعتقادي أن الدور الأول يجب أن يكون للثقافة، فدور المثقف لا يقل عن دور أجهزة الأمن التي تحاصر وتعتقل كل من يخرج عن القانون وتقدمه إلي المحاكمة، وتستخدم معه كل الإجراءات التي توصلها إلي ذلك. وعلينا أن نعترف أن الثقافة المدنية فشلت في تثقيف المصريين وتوعيتهم، وكذلك مؤسسات الثقافة الرسمية، فشلت فشلا ذريعا، لأنها اهتمت بالاحتفاليات والاستعراضات دون أن تواجه الأكاذيب والخرافات التي أشاعها الإخوان وجماعات الإسلام السياسي، واستخدموا في ذلك دور العبادة وغيرها من الوسائل التي روجت لهم، وتحولت صفحات الصحف إلي مباريات ممن يتحدثون عن الإعجاز العلمي للقرآن، ومن يتحدثون ويطالبون بتطبيق الشريعة، هذه الثقافة هي التي يجب أن نواجهها الآن لأنها انفردت بعقول المصريين خلال العقود الماضية حتي وصلت إلي السلطة، منذ أكثر من ثلاثة عقود قوانين الحسبة وجدت في القانون، النص علي الشريعة الإسلامية في الدستور. الإخوان المسلمون احتلوا أكثر من ربع مقاعد مجلس الشعب في عام 2005، وأرغموا فاروق حسني علي أن يعلن إذا كانت هناك مؤلفات ليهود في مكتبة الإسكندرية سوف يقوم بحرقها، وكان هذا التصريح الأهوج الغبي كان من أسباب سقوطه في معركة اليونسكو. تعرضت للمصادرة أكثر من مرة، كيف تري هذه التجربة القاسية؟ هي معركة مصيرية، فالمثقف يريد التنوير، ودعاة الظلام، لا يريدون عقولا تفكر، أو أبصارا تري، لا يريدون سوي نصف الكوب الفارغ دائما. وفي معركة ضروس تمت ملاحقة أفكاري ورفعت قضايا ضد مجلة «إبداع» التي أرأس تحريرها، مثلي مثل الراحلين حلمي سالم ونصر حامد أبوزيد نحن الآن نواجه آثار هذه الثقافة التي تحارب الثقافة المدنية، لكن العقل المصري قادر علي التحدي وتجاوز المصاعب.