يري أن اهتمام النقاد بالرواية ساعد علي ازدهار قصيدة النثر إبراهيم داوود: المثقفون هم أحسن ناس في مصر * كتبت قصيدة بعنوان "من التحرير" في الأيام الأولي للحض علي الانضمام للشباب الثائر.. وبعد ستة أشهر كتبت قصيدة أخري مع خيبة الأمل التي داهمتني بعد إحساسي بسطو تيارات الإسلام السياسي علي السلطة * قصيدة السبعينات مغلقة علي نفسها لأنها نتيجة أساسية لهزيمة 67 * قدمت وسط البلد بعين شاعر لأنها تدفئني إبداعياً ومعنوياً "ينتمي الشاعر إبراهيم داوود لجيل الثمانينات حيث قدم ستة دواوين شعرية بالإضافة لنصوص سردية هي خارج الكتابة وحكايات الجو العام، والتي يري أنها حكايات لايستطيع الشعر حملها رغم أنها تضم علاقات شعرية بالإضافة لكتابة عن القرآن في مصر، ومع صدور الأعمال الشعرية الكاملة له حديثاً إلا أنه أطلق عليها ست محاولات لاعتقاده بأنها مجرد محاولات، كما أنه يطمح من خلال ما يكتبه من شعر إلي حياة أفضل مؤكداً أن الكتابة هي أكثر شيء يشعر من خلالها بحريتة" «القاهرة» التقتة فكان الحوار التالي: = قدمت عدة قصائد عن التحرير، فماذا عنها وما رؤيتك للأعمال الإبداعية المصاحبة للثورة؟ لقد كتبت قصيدة بعنوان " من التحرير" خلال الأيام الأولي التي رابطتها في الميدان، كان إحساسي بها يحض علي الإنضمام للتحرير، ثم قدمت بعدها بستة أشهر قصيدة أخري مع خيبة الأمل التي حدثت بسبب سطو الإسلام السياسي علي الثورة وآلاعيب المجلس العسكري، أري أنه لايوجد شعر كبير بحجم الثورة، فالحدث أكبر من الشعر الذي كتب، قد يكون ليس عظيما فنياً ولكنه كان صاحب دور عظيم في حشد الناس فقد قدم دورا حقيقيا رغم أن هناك شعراء كبار قدموا شعراً أقل من قيمتهم الشعرية مثل عبدالرحمن الأبنودي، من خلا ل إشرافي علي صفحة الأدب في الأهرام أري أشعارا جيدة ليست بلاغية أو تستدعي الخيال القديم ولكني أشعر بتفاؤل كبير لأن هذه الثورة ستأخذ وقتاً كبيراً حتي تبرز شعراء . = إذن ما دور المبدع إزاء الأحداث المتغيرة التي نشهدها باستمرار؟ طوال الوقت نجد من يصف دور المثقفين بالسلبي في حين أنهم أعظم ناس في مصر، فخلافاتهم رغم وجود صحف تحتفي بها كثيراً إلا أنها بسيطة بالمقارنة مع أصحاب المهن الأخري، فمنذ نهاية القرن ال19 وحتي الآن يخوضون معارك أساسية دفاعاً عن الدولة المصرية، الحرية، الكرامة الوطنية في مواجهة المحتل الإسرائيلي ودفاعاً عن الدولة المدنية، وإذا كان النظام حاول استمالة البعض وإعطائه مزايا أقول ليس كل من يذهب للنظام يجسد الثقافة المصرية فستظل الثقافة شيء كبيرا يحمي وجدانه ويعبر عن ضمير المصريين . = وكيف تنظر للأحداث الجارية بعين المبدع؟ يتم تصفية الثورة حالياً بطريقة الكهنة كما فعل كهنة أمون ومع اخناتون، ولكني أعتقد أنهم لن ينجحوا لأن المصري لدي تغير لديه شيء كبير وهو ازدياد شعوره بالكرامة، والنظام القديم لن يسلم بسهولة، كما أن الإسلام السياسي سرق أجمل ما في هذه الثورة لأنهم طمعوا فيها. ظل المصريون ثلاثين عاماً يكشفون نظام مبارك بينما تم كشف الأخوان في عدة شهور ولكني أشعر بتفاؤل كبير لأن ما فعله المصريون بهذه الثورة يجب تدريسه في تاريخ الشعر لأن الشعر الموجود داخلها هو الذي يحمي روحها. = تكتب المقال والشعر، فهل مازالت الكلمة بصفة خاصة والأدب بصفة عامة قادرين علي أن يحدثا التغيير المنشود؟ الكلمة هي التي حركت جميع الثورات في العالم، ثورة 25يناير لم يقم بها هذا الجيل فقط، لكن شارك فيها الأجيال السابقة فكل من كتب شيء مع التقدم وضد الفاشية والاستبداد يعد مشاركاً في صنع الحدث، وكذلك من كتب شعراً مع الجمال والخير وحقق التنوع والاختلاف، ليس شرطاً أن نحرض الناس بمنشور سياسي ولكن تنقية الذوق ودعمة شيء مهم. = ما هو وجه الاستفادة من عملك الصحفي ومدي تأثيره علي مفرداتك الإبداعية ومن أين تستمد أفكارك؟ العمل الصحفي من أكثر الأشياء المفيدة للكاتب سواء كان شاعراً أو راوياً أو قاصاً حيث يدربه علي الاستجابة، فالعمل الصحفي هو أدب من نوع يومي سواء من خلال كتابة الخبر أو التحقيق، صحيح أنه لن يُخلد ولكنه يدرب الكاتب بصفة يومية والصحافة ليست مقبرة الأدباء فلدينا العديد من كبار الأدباء وهم بالأساس صحفيون، كما استمد أفكاري من حياتي الشخصية ومفردات العالم المحيط بي وأري أن أفضل ما تفعله قصيدة النثر هو علمنة اللغة حيث لا يوجد لديها مقدس في تراثنا غير القرآن الكريم، هذه القصيدة لم تجعل اللغة مقصورة علي أشخاص محددة فاللغة شفرة بين اثنين وكتّاب النثر يجيدون اللغة العربية ويضيفون إليها بروحهم الطازجة والمرتبطة بالحياة اليومية. = إذن من أين تنبع منطلقاتك الفكرية والإبداعية؟ أنا يساري ومن أسرة فقيرة أنحاز للمطالبة بالعدالة والحرية، كما أنني ضد أن ينتمي المبدع لعمل سياسي لكن عندما أنحاز فسأكون قريبا من حزب اشتراكي واضح حتي وإذا كان جمهوره قليلا لأن هذه الأحزاب يكمن خلفها طاقة شعرية تنشد ما ينشده الشعراء من العدل والخير والجمال، لا أريد القول بشيوعي أو ماركسي بالمعني القديم لأنه اختلف ولكني أنحاز تماماً للطبقة التي أنتمي إليها. = مع إصدارالأعمال الكاملة لك، إلي أين وصلت قصيدتك اليوم؟ بدايةً أطلقت علي الأعمال الكاملة ست محاولات حيث أعتبرها بمثابة محاولات لأني لست علي يقين تام بأني قدمت شيئًا .الشعر يزداد صعوبة بمعني أنه بدءا يجد فنونا أخري تنافسة، هو فن شخصي وحيد لا يخاطب الآخرين باعتباره لدية الكثير ويريد من يسمعه ولكنه يبحث عن أصدقاء يبدودن سوياً وحشة العالم بمساوئه وعلاقته الشعرية.أكتب قصيدة، أكتب عن الشيء الذي أعرفه أوعن تجارب شعرية، كما أنني مقل ولا أشعر بمشكلة لقلة إنتاجي ولكني طوال الوقت أريد أن تكون قصيدتي المقبلة بها شيء مختلف يضيف لتجربتي ومسار الشعر المصري الحديث، لست شخصا وحيدا في الكتابة فمصر حالياً تمر بأفضل حالاتها الشعرية وقد أسست في السنوات العشرين الماضية تياراً قوياً جداً في الشعر العربي مثل قصيدة النثر، يوجد علي الأقل في مصر 40 شاعراً يحاربهم الإعلام المصري والذوق السائد والمتدينون والماركسيون المتقاعدون وكذلك الإعلام الخاص بالنظام السابق الذين اعتادوا علي نوع معين من الشعر وطريقة أخري في التفكير، أتمني أن تفسح الصحف مساحات كبيرة لهؤلاء الشباب للتعبير عن ذائقتهم الجديدة. = في إطار الحديث عن التيار الشعري الجديد، نجد من يتهم قصيدة النثر بأنها البوابة الرئيسية التي تسلل منها أصوات غير موهوبة؟ ليست قصيدة النثر فقط لكن ربما نجد ذلك في قصيدة التفعيلة والعمودية أيضاً، فقد ظهر في الستينات شعراء عديدون لكن لم يستمر أو ينجح سوي عدد قليل مثل حجازي وصلاح عبدالصبور وغيرهما، طوال الوقت الشعر الجيد قليل سواء كان نثرا أو عموديا أوعامية حتي في العصر العباسي والأموي، أحب الشعر العمودي رغم أنني لا أكتبه ومن حق الشاعر أن يكتب بالطريقة التي تروق له. = كيف كانت إذن بدايتك مع القصيدة؟ أنا ابن لأسرة لا يوجد بها مثقفون ولا توجد مفاجآت كونية في حياتي، بدأت مع قراءاتي المبكرة للشعر القديم والحديث إلي أن جاء في طريقي شاعر عظيم وهو محمود حسن إسماعيل حيث كان له الفضل في تفكيري في إمكانية أن أكون شاعراً ومن ثم بدأت الاهتمام بالشعروالتقرب من الشعراء إلي أن حدثت قصيدتي، أنتمي لجيل الثمانينات والذي جاء بعد فترة هجر الناس فيها الشعر بسبب قصيدة السبعينات المغلقة علي نفسها والتي كانت نتيجة أساسية لهزيمة 67، حيث كانوا في بداية حياتهم فانهزموا في معركة ليسوا طرفاً فيها فكتبوا قصائد مغلقة .لقد جئت في الجيل التالي لهم وشاهدت أحلام الهزيمة فانحزت بمشاعري البسيطة اتجاه العالم فاكتملت قصيدتي. وقد بدأت بكتابة كل أشكال الشعر، لكن اتجاهي لقصيدة النثر لم يكن قراراً وإنما احتياجي الشخصي لهذا الشكل من الكتابة هو الذي تحدد مع عمري في الحياة حيث إنني لم أعد بحاجة لاستخدام قوانين قديمة لصياغة شيء خاص حالياً، هناك احتياج أساسي للبحث عن الشعر نفسة، فحاولت القبض علي الشعر بلغتي التي كونتها في حياتي ونجاحي أو فشلي يقرره الآخرين، لكني أقدم دواوين يصدر منها عدة طبعات وهذا دليل علي أن هذا النوع الشعري يستهويه الناس، أشبه شعري كما قال بعض النقاد لأني هذا الشخص الوحيد والحزين دائماً والذي يبحث عن البهجة والدفء دائماً بين الأصدقاء، فأنا أكتب كما أعيش . = إذن أنت تري أن قصيدة النثر أثبتت وجودها بجدارة ؟ لقد تقلصت الحرب ضدها، كما أن ازدهارها يعود لغياب النقد، أفضل نقاد الشعر هم الشعراء أنفسهم بينما هرول النقاد خلف الرواية ومؤتمراتها ولجان التحكيم .الشعر يحتاج لنقاد متفرغين، وعندما يكتب الشعراء بكامل الحرية وبارتجال دون رقيب فهذا شيء رائع يفرز الجيد من الضحل، والجميل أيضاً أن النقاد لم يدخلوا لقصيدة النثر لأن ذائقة العديد منهم قديمة وهذه القصيدة تحتاج لذائقة جديدة، قصيدة النثر قائمة علي فكرة البداهة والتقاط المشترك ما بين الناس واستثماره في صياغة الشعر.كما أري أن ثورة 25 يناير ستساهم في تغيير طريقة التفكير الخاصة بالنقاد . = من أهم الشعراء الذين ساهموا في تشكيل ذائقتك الشعرية؟ العديد من الشعراء، فأنا سليل أمرؤ القيس وحتي الشعراء الذين يصغرونني بعشرين عاماً، كما أعشق شعر الجاهلية والمتنبي والبحتري وأحمد شوقي مروراً بحجازي وأدونيس وسعدي يوسف وغيرهم فآبائي كُثر.لا أحب الشاعر بقدر حبي لقصيدته، أدين لكل شاعر بشيء كبير في الشعر وفي نفس الوقت أختلف معه . = قلت إن الشعر لن يغير العالم؟ الشعر القديم لم يعد له وجود، رغم أن الشعر يجعل العالم أجمل إلا أننا لم نجد شاعرا يقدم ثورة، صحيح أن الشعراء كانوا الأرواح التي تحمي هذه الثورات لكن جملة أن الشعر يغير العالم تعُد جملة بلاغية وأري أن وظيفة الشعر مهمة جداً لكنه مع هذا لن يغير العالم لكن سيجعله أكثررحابة وإنسانية، ويفك شفرات غامضة داخل الناس . = قدمت كتابًا خارج الكتابة متناولاً وسط البلد، فما وجه الاختلاف الذي قدمته وخاصة أن هناك من تعامل إبداعياً مع تلك المنطقة؟ خارج الكتابة هو رصد لوسط البلد عن حياتي ومشاهداتي في ربع قرن، فقد رأيتها بعين شاعر وليس قاص أوروائي، روح شاعر يكتب قصيدة مكثفة وهذا أيضاً ما حدث في كتاب الجو العام، أردت تثبيت هذه المناطق في ذاكرتي لأنها مناطق تدفئني صحفياً وإبداعياً ومعنوياً. = قمت بتحريركتاب "القرآن في مصر" فما الذي دفعك لتقديم كتاب في هذا الإطار ؟ قدمت هذا الكتاب عام 1997 وهو عن مدرسة التلاة المصرية، فقد استكتبت مجموعة من الأسماء المعروفة للكتابة فيه منها خيري شلبي، إبراهيم عيسي، بلال فضل، محمودالدريري وغيرهم .حيث أختار كل كاتب زاويته. كان الهدف منة اإعلاء من شأن مدرسة التلاوة المصرية في مواجهة الهجمة والأصوات الوهابية الصحراوية التي جاءت لتنافس وتفسد التلاوة المصرية.الدفاع عن قوة مصر الناعمة فقد كان مسلمو الهند وباكستان وإيران وأفريقيا وحتي وقت قريب لايسمعون إلا لمدرسة التلاوة المصرية. = أخيراً هل من فلسفة معينة تسعي للوصول إليها من خلال كتاباتك؟ هذا سؤال صعب جداً، فأنا أكتب لأني أريد الكتابة والحصول علي لحظات من الزمن كي أضعها في برواز خارج إطار هذا الزمن .أبحث عن أصدقاء من خلال الكتابة، لاأبحث عن مريدين ولم أحلم يوماً أن أكون رقما في طابور به شعراء، كما أكتب لأن الكتابة هي الشيء الوحيد الذي أشعر من خلاله بحرية أكثر وانحيازاتي الفكرية والمعيشية واضحة حيث أحب الحياة والتي دائماً ما تخدمني ومعني هذا أن أواصل الكتابة، وبما أكتب من شعر أطمح إلي حياة أفضل .