'الجنسية' هي علاقة قانونية بين الفرد والدولة ينشأ عنها التزامات علي كلا الطرفين في مواجهة الآخر، ولكن المفهوم الفعلي للكلمة لا يقف عند حد التعريف الرسمي بها، وإنما يذهب إلي ما هو أبعد وأوسع نطاقاً من ذلك، حيث يشمل عدة جوانب معنوية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وثقافية، تختلف من بلد لآخر، وتتغير معها الضوابط التي علي أساسها يتم منح الجنسية للأجانب. فمعظم الدول الرأسمالية المتقدمة، ذات الأنظمة المستقرة، لا توجد بها أية معوقات تمنع حصول الأجانب علي جنسياتها طالما توافرت الشروط المنصوص عليها، وإن تفاوتت درجة تعقيدها حسب قوانين كل بلد. فالولايات المتحدةالأمريكية تمنح جنسيتها لكل مولود علي أراضيها أياً كانت جنسية أبويه، وتمنحها لكل من استمرت إقامته بها لمدة لا تقل عن خمس سنوات متصلة، وتمنحها لكل من استثمر مبلغاً من المال في نشاط معين، ضمن معايير واضحة تضعها الحكومة الفيدرالية، بما يلبي احتياجات كل ولاية علي حدةٍ، كما تمنحها أيضاً لكل من تنطبق عليه مواصفات اللاجئ السياسي أو الديني، وفي جميع الحالات يتم التطبيق وفقاً لأسس محددة. نفس الشيء تقريبا يحدث في كندا واستراليا و نيوزيلاند ومثله في أغلب بلدان أوروبا، وإن كانت أمريكا هي الأكثر انفتاحاً واتساعاً وبالتالي هي الأكثر استيعاباً للمهاجرين. هذه الدول لديها من القدرة المادية والعلمية والأمنية والتخطيطية ما يجعلها قادرة علي احتواء المزيد من البشر، ومنهم الأجانب، داخل منظومة تحكمها قوانين استمدت قوتها من توافق المجتمعات عليها، حتي أصبحت فكرة الالتزام بالقانون غير مطروحة للنقاش من أساسه. ومع التوصيات المستمرة بضرورة فتح مجال الرؤية لإيجاد مخارج، أو حتي فتحات تهوية في النفق المظلم الذي نحاول اجتيازه، ظهرت هوجة 'التفكير خارج الصندوق' وهو بالطبع شئ رائع أن نتجه نحو حلول مبتكرة وغير تقليدية لجميع مشاكلنا الأزلية والمستجدة أيضاً، ولكن للأسف وكالمعتاد، تحول الأمر إلي 'مُولد' يدعو له الساسة المتآمرون، والخبراء المزيفون، والسحرة والمشعوذون، المنزرعون أمام الكاميرات، واللاهثون خلف الميكروفونات في البرامج والمؤتمرات، ويعدون فيه الفقراء وأبناء السبيل، ببذل الممكن والمستحيل، للاستفادة من مزايانا النسبية، وجلب الموارد وتعظيم الربحية، وخلق المزيد من الفرص الاستثمارية.. والرك ع النوايا المستخبية!! ففي عهد الخديوي مرسي العياط، وقف حاوي محتال وسط الجموع وأخرج من فمه دجاجة زعم انها ستبيض ذهباً كل يوم لو أجرنا الآثار المصرية، واستجلبنا شركاء لنا في قناة السويس المصرية، ومنحنا الجيران في غزه والسودان مساحات من الأراضي المصرية، ولكن الجماهير كانت أكثر ذكاءً حينما اكتشفت أن الدجاجة المزعومة ليست إلا دمية لا تبيض ولا تلد!! وتمر الأيام ويطل علينا مؤخراً حاوي مبتدئ- لا أعرف له اسماً، ولا من أين جاء- ليُخرج لنا من جراب الموبايل بيضة مدعياً أن بداخلها كتكوت سرعان ما سيكبر ويصير دجاجة تبيض لنا ذهباً لو عرضنا الجنسية المصرية للبيع!! ولأنه حاوي ناشئ لم يعول الناس علي هرائه. فالجنسية التي يتحدث عنها يطلقون عليها في بلاد الخواجات 'مواطنة' وبالتالي علي الدولة أن ترعي مواطنيها بتوفير خدمات الصحة، والتعليم، والمواصلات، وإعالة الفقراء، وتوفير السكن، وإتاحة فرص العمل وإعانة غير القادرين عليه.. كل ذلك وغيره يجب أن تقدمه الحكومة للمواطن بشكل آمن وآدمي وبقدر كافٍ، فهل استوفينا حقوقنا حتي نبحث عن مواطنين جدد يقتسمون معنا حقوقاً لم نحصل بعد عليها!! وهل الدولة وبالذات في مثل هذه الظروف القاسية التي نمر بها، قادرة علي الوفاء بالتزاماتها نحو المصريين لتعرض خدماتها علي الأجانب إذا ما تنازلوا وشرفونا بقبولهم الجنسية!! نحن كمصريين نعيش مع مصر حالة من العشق الغير مبرر بأسباب ملموسة.. كل منا يذوب في الآخر بحيث أصبح الانفصال ضربًا من الخيال، رغم أننا فعلياً لا نجني ثمار ما يسمي بالمواطنة.. والمدهش أن معظمنا لم يحرص علي مجرد التأمل في هذا اللغز العجيب!! أناس كانوا أجانب حتي مساء أمس قبل أن يصيروا صباح اليوم مصريين، فكيف سنغرس هذا العشق الذي لا نملك سواه في قلوبهم ليحتملوا ويصبروا مثلنا!! أم أننا سننتزع اللقمة من أفواه صغارنا لنطعم هؤلاء علي أساس انهم عالم مرفهين ومش وش بهدلة!! وهل سيقبلو هم حياتنا بحجم ما بها من معاناة؟ وإن قبلوها فما الدافع غير المصلحة؟؟ وماهي مصلحتهم في ذلك؟ هل سيكون من بينهم جواسيس يعملون لحساب دول لا تريد إلا الخراب لمصر؟ هل سيسعون إلي فرض ثقافاتهم وأفكارهم التي تبدو كالشهد المسمم، بالتسلل داخل شرائح المجتمع، لتفتيته بعد تقطيع أوصاله، في حين أننا لم نشف بعد من أسقام الفرقة التي أصابتنا علي مدار السنوات الماضية؟ هل لدينا من القوانين ما يكفل حمايتنا من شرورهم المحتملة؟ هل استعادت الأجهزة الأمنية عافيتها وقدرتها لتكشف أي مؤامرة في مهدها؟؟ هل سيمتلك الغرباء المجنسون في بلادنا مشروعات ليعمل بها المصريون الأصليون كأجراء؟ أليس هذا حنيناً بل استدعاءً للاستعمار من جديد؟ وأخيراً هل سنصمت وقتها، ونكتفي بمشاهدة هؤلاء المواطنين الجدد وهم يتملكون الأرض وما عليها، بيعاً وشراءً ثم يورثونها لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم، لنصحو ذات يوم فلا نجد وطناً نحتمي به ويحتمي بنا.. لنتمني وقتها لو عاد لنا الوطن بقبحه، وأمراضه، وفقره، وجهله، وعشوائياته.. وحتي ظلمه، واستبداده، وفساده؟! فيا أيها الجهابذة فكروا ماشئتم خارج الصندوق.. واتركونا داخل الوطن.