بسرعة تجاوزت توقعات المراقبين، كشف نوري المالكي، القناع عن وجهه الطائفي فور سقوط جيشه بأيدي الثوار في العاشر من هذا الشهر، واستخدم في خطاباته لغة الحشد الطائفية التي تنادي أبناء الشيعة للجهاد دفاعًا عن العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وقال المالكي في جموع المتطوعين: إنه والعراق رهن إشارة المرجع الأعلي علي السستاني، للدفاع عن مقام علي في النجف ومقام الحسين في كربلاء وقال إن حرب الحسين ضد اليزيد، وأتباعه من داعش في العراق والأسرة الحاكمة في السعودية ودول الخليج، ولم تكن أبدًا بين مفردات خطاب الرجل أية كلمات حول عروبة العراق ووحدته وحماية جميع طوائفه، وتطابق خطاب المالكي مع خطابات الميليشيات الشيعية المتطرفة التي تنتفض الآن لمجابهة ما يطلقون عليهم الخوارج العرب أتباع اليزيد قاتل الحسين. وعلي العكس من ذلك خلت تصريحات قادة السنة من لغة الطائفية فطارق الهاشمي النائب السابق للرئيس العراقي، قال إن ما حدث في بلادي هو انتفاض اليائسين، الأمر بهذه البساطة أن المجتمعات العربية السنية واجهت تمييزًا وظلمًا وفسادًا علي مدي 11 عاما'. وقال 'ظللنا نحذر المجتمع الدولي، لكن الجميع غضوا الطرف عما يحدث في العراق، وفجأة يتساءلون: لماذا حدث هذا في الموصل؟ لماذا حدث هذا في صلاح الدين؟ يجب أن تلوموا أنفسكم، ولاتبدو مفردة طائفية واحدة في كلمات الرجل، وعلي الرغم من خطاب داعش المتطرف فلم يستخدم قادتها حتي الآن لغة الحرب المذهبية. وهكذا أدخل رئيس الوزراء العراقي البلاد علي حافة الحرب الأهلية وأوشك العراق الذي عاش نسيجًا واحدًا منذ عام 1921 علي الدخول في خراب التقسيم المذهبي والعرقي بين سنة وشيعة وأكراد، حيث يشكل الآن جيشًا شيعيًا خالصًا لمحاربة أبناء السنة في المحافظات الشمالية كما تشارك وحدات من الحرس الثوري الإيراني في القتال ضد المحافظات السنية وحتي ميليشيات الصدر التي كانت توصف بانها أكثر عروبية من ميليشيات بدر وعصائب الحق التي ولدت وتربت في إيران، تقوم الآن باستعراضات عسكرية لحماية العتبات المقدسة. ولا يبدو ان خيار الحرب المذهبية في العراق قاصر علي نوري المالكي وحده، فقد بات واضحًا هذا التنسيق الأمريكي الإيراني في دعم تحول النزاع السياسي بين المالكي الراغب في حكم مطلق يقبض به علي السلطة والثروة وبين التوجه الأمريكي الإيراني في خلق دولة شيعية عراقية بهيمنة إيرانية يظل مُهَدِّدًا للسعودية ودول الخليج وتنقل مركزية الصراع من فلسطينالمحتلة إلي الجزيرة العربية وفي هذا الإطار جاء الحديث حول تنسيق أمريكي إيراني في العراق يتضمن الموافقة علي تدخل عسكري إيراني وتعاون أمني واستخباري يشبه تمامًا ما حدث أثناء الغزو الأمريكي للعراق في عام 2013. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد أكدت أن إيران أرسلت عناصر من الحرس الثوري الإيراني إلي العراق لمساعدة حكومة بغداد في مواجهة المس وقال المتحدث باسم البنتاجون جون كيربي في مؤتمر صحفي إن 'هناك عددًا من العناصر الثوريين لكن لا معلومات لدينا عن وجود وحدات كبيرة علي الأرض'، مشيرًا إلي فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وأضاف: إن التدخل الإيراني في الشئون العراقية ليس بالأمر الجديد، - علي حد تعبيره -. وقال دبلوماسيون غربيون إن قائد 'فيلق القدس' قاسم سليماني توجه إلي بغداد لمساعدة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في هذه الأزمة وبالتوازي مع التحرك الإيراني ذكرت مصادر مقربة للمسلحين إن الطائرات الأمريكية شاركت بالفعل في عمليات قتالية ضد المسلحين وان عدد ال300 مستشار عسكري الذي أعلن عن إرسالهم الرئيس الأمريكي هم طيارون في معظمهم ورجال استخبارات يقدمون الدعم لحكومة المالكي، وعلي الرغم من حديث الأوساط الأمريكية حول ضرورة تغيير نهج المالكي الطائفي فإن واشنطن تتحرك في اتجاه إعادة الأوضاع العسكرية في العراق إلي ما قبل العاشر من يونية أولاً ثم استبدال المالكي برجل أكثر ولاء منه وتم بالفعل الحديث عن رجل المخابرات الأمريكية أحمد الجلبي. وكشفت صحيفة 'لوس انجلوس تايمز' عن خيارات واشنطن في العراق وقالت إنها خيارات سيئة في مجملها، وإن هناك ثلاثة احتمالات للتدخل الأمريكي في العراق: الأول يتمثل في توجيه ضربات جوية دون جنود أمريكيين علي أرض العراق، أو التحالف مع إيران لمواجهة تنظيم الدولة، أو تقسيم العراق ثلاث دويلات، للشيعة والسنة والأكراد، ويري المراقبون ان واشنطن سوف تنفذ الخيارات الثلاثة مرة واحدة حيث تقوم بتوجيه ضربات عسكرية وجوية عنيفة للمحافظات السنية بالتحالف مع إيران سوف تؤدي في نهايتها إلي تقسيم فعلي للعراق بين دولة سنية متهمة بالإرهاب ومُلاَحَقَة دائمًا من قِبَلِ التحالف الأمريكي الإيراني الشيعي ودولة شيعية مستقرة وقابضة علي النفط ودويلة كردية تستخدم لصناعة القلاقل في تركيا. ويراهن بعض المراقبين في إنقاذ وحدة العراق علي نجاح مسلحي العشائر في دخول العاصمة بغداد وإعلان عودة الدولة العراقية الوطنية الواحدة، خاصة مع تنامي رفض الشيعة العرب للتدخل الإيراني والهيمنة علي مقدراتهم ويستند أصحاب هذا الرهان إلي استحالة تشكيل جيش عراقي قادر علي حماية العراق خلال الأيام والشهور المقبلة وان إرادة التغيير العراقية يمكنها ان تمتد لجميع محافظاتالعراق وتكون هي السد الأخير ضد انهيار العراق، إضافة إلي أن داعش والمسلحين تحولت إلي قوة اقتصادية بعد استيلائها علي نحو أربعمائة مليون دولار من بنوك الموصل، وقوة عسكرية بعد استيلائها علي مدافع وصواريخ وعجلات وسيارات وكميات من العتاد، وانضمام عدد من البعثيين والضباط السابقين إلي التحالف ضد حكومة المالكي ولكن اندفاع الثوار إلي العاصمة يمكن ان يُعَجِّلَ بدخول إيران بكل ثقلها في الحرب لحماية العاصمة والنظام الشيعي وهو ما يبدو أيضًا انه اتفاق استراتيجي بين واشنطن وطهران والعواصم الغربية التي أعلنت ان سيطرة داعش علي الموصل يهدد الأمن القومي لأوربا. ويبقي ان رئيس الوزراء نوري المالكي، قد دفع بالعراق في صراع إقليمي سعودي إيراني تركي وآخر دولي عبر تطابق نادر بين روسيا وأمريكا في الدعم المطلق للمالكي ونهجه، كما ان عداءه المتطرف للسعودية جر البلاد إلي نفق مذهبي سوف تكون تداعيته طويلة الأمد ولن تنتهي بإقصاء المالكي أو انتصاره عسكريًا بدعم دولي.