يجب احترام المبادئ الديمقراطية العامة حفاظاً علي مقومات الانتخابات القويمة. ووفقاًً لهذا المبدأ يجب أن تتمتع كل الأحزاب بحقوق متساوية في تنظيم الاجتماعات والمنتديات والمؤتمرات لجماهير الشعب السوداني عامة و لجمعياتها العمومية خاصة لطرح برنامجها الانتخابي ورؤياها في سائر القضايا القومية المهمة، علي أن تكفل حرية التعبير والحوار الموضوعي في هذه المؤتمرات دون مضايقات وملاحقات من الأجهزة الرسمية وغير الرسمية. كما يجب تمكين كل الأحزاب لتبث برامجها من وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية. وبما أن أحزاب المعارضة في الدول النامية والسودان خاصة لا تمتلك القدرات اللازمة لتنظيم حملات انتخابية مؤثرة وفاعلة شأنها في ذلك شأن الحزب الحاكم، فلا بد من تمكينها من استخدام أجهزة الدولة، وإلا سوف تضطر أن تقبل عرض بعض الدول الأجنبية لتمويلها. واللوم في هذه الحالة لا يقع عليها بل علي الدولة، إذ ليس من العدل أن يستغل الحزب الحاكم كل بنيات وقدرات وأجهزة الدولة التي هي أصلاً ملك للشعب، بطرق مباشرة وغير مباشرة عبر نشرات الأخبار اليومية أو المؤتمرات أو الاجتماعات القومية والإقليمية والعالمية، فضلأً علي الشعبية، لافتتاح المشروعات التنموية مثلاً أو أنشطة الحكومة الاتحادية أو حكوماتها الولائية المختلفة، ولا تتمكن أحزاب المعارضة من طرح برنامجها الانتخابي بكفاية للشعب. كما لا بد من كفالة حرية التعبير والتجمع للأفراد لترويج برامج أحزابها او المشاركة في اللقاءات الحزبية التي تنتسب أو لا تنتسب إليها نظاماً لتكوين رأي حولها تنميةً لوعيها السياسي واستعداداً للمشاركة بمسؤولية وموضوعية في الانتخابات، علي أن تتم هذه العملية الفكرية في جوٍ خالٍ من الترهيب والتكدير بالملاحقات والمضايقات التي كانت تمارسها الحكومات الشمولية. وبدهي أنه لا يمكن أن يتحقق كل ذلك إلا بعد إلغاء حالة الطوارئ، علي الأقل في الولايات الآمنة التي لا توجد فيها صراعات مسلحة ضد الدولة. وحتي في الولايات الأخيرة قد تستطيع القوات النظامية اتخاذ الحيطة وعمل الترتيبات اللازمة لتأمين اللقاءات الممكنة. لقد اتسمت انتخابات النظم الشمولية في بعض الدول العربية ذات التعددية الحزبية الديكورية، بالعديد من التجاوزات والانتهاكات الممنهجة لضمان الفوز الكاسح للرئيس وحزبه الحاكم. وقد شملت: منع مؤتمرات بعض أحزاب المعارضة، ودفع البلطجية أو الشبيحة لفركشة بعض المؤتمرات التي تمت الموافقة علي تنظيمها، والتضييق علي الناخبين والمرشحين، وعرقلة ترشيح البعض واعتقال بعض قيادات الأحزاب والحركات، واحتكار وسائل الإعلام بوساطة الحزب الحاكم، وإحداث شغب في الدوائر المتوقع فوز مرشحي المعارضة بها لايقاف الانتخابات فيها، ومنع بعض مندوبي ووكلاء مرشحي المعارضة من دخول لجان الانتخابات بالرغم من حصولهم علي تصاريح من اللجنة العليا للانتخابات، وعدم السماح للإعلام بعرض أية وقائع تثبت استخدام البلطجة أو قفل الصناديق قبل الميعاد أو التزوير باستخدام بطاقات مزورة، أو رشوة الناخبين، وتواطؤ بعض الحرس مع رجال الحزب الحاكم، والاعتداء علي بعض الصحافيين.. وهلم جرا. وكانت النتيجة الحتمية تراكم الغبن وبدء 'تسونامي' ثورات الربيع العربي. وبما أن مصر من أكبر الدول العربية وما يحدث فيها يؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة علي النظم العربية الأخري، يفضل دراسة تجربة التحول الديمقراطي ومولد الجمهورية الثانية الديمقراطية فيها والاستفادة من هذه التجربة. علماً بأن انتخابات ما بعد الثورة كانت ناجحة بشهادة معظم الأطراف، وذلك لأنها كانت نزيهة وعادلة وشفافة مقارنة بانتخابات ما قبل الثورة. أن الانتخابات نجحت كون أنها جاءت بمن صوتت له الأغلبية، ولكن كانت النتيجة فوز عدد ممن ليست لهم علاقة ألبتة بالأدب والإبداع لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك لا تستبعد إن وجدت بينهم مأذون أنكحة شرعي علي سبيل المثال'.وأضاف أن غالبية الذين فازوا بأصوات الانتخابات تدخلت في فوزهم عوامل بعضها يعود للشلليات أو العلاقات الشخصية، مبينا أنه حتي الذين جاءوا إليها من الجامعات لم يكونوا وثيقي الصلة بالإنتاج الأدبي والإبداعي. أن الانتخابات، تتجلي سوءتها في أنها رسخت للقبلية والجهوية، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في عرقلة الرسالة السامية التي أجريت من أجلها الانتخابات، مما نجم عنه مشاكل ظهرت في أكثر من ناد أدبي فور فرز الأصوات وتكوين المكاتب ومجلس الإدارة.ان'الأديب الحقيقي في العادة تجده بعيدا عن المؤسسات الثقافية.. وأصبحت الأندية الأدبية تمثل مكانا مناسبا فقط للبراعم من المبدعين والموهوبين وأصحاب الخواطر، غير أنها لا تضيف شيئا للمبدع الناضج الحقيقي'.إذاً آلية النظام الديمقراطي غير قادرة علي تحقيق طموحات ومصالح الأقليات، لكنها قادرة علي إجراء نوع من القواسم المشتركة تحقق جزءً من رغبات وطموحات الأقليات والأثنيات. وبالضد من ذلك نجد أن النظام الليبرالي ينحو باتجاه إجراء تسويات 'عادلة' بين الأقلية الأكثرية، لأجل إحلال الوفاق الاجتماعي محل التناحر والنزاعات الاجتماعية. ويري ''فرانسيس فوكوياما''' ليست الديمقراطية صالحة بشكل خاص، لحل النزاعات بين الجماعات الأثنية والقومية المختلفة. وأن مسألة السيادة القومية كمفهوم لايمكن إجراء تسوية بشأنها: فهي تتعلق بمصالح شعب وأخر عندما تدخل في النزاع فئات مختلفة من النادر أن تجد وسيلة لتهدئة الخواطر بواسطة تسوية ديمقراطية سلمية'.لو عرجنا قليلاً علي الحالة العراقية والانتخابات المزمع إجرائها عبر الآلية الديمقراطية، والنظر في المعوقات السابقة الذكر 'النزاعات الأثنية والمذهبية والقومية، والأمية، وتخلف المؤسسات، والاحتلال، وضياع الهوية، وعدم تحديد مفهوم المواطنة والجنسية.. وغيرها' سنجد أن العملية الانتخابية برمتها بحاجة لإعادة دراسة!. وإن الفترة الانتقالية ضرورية لأجراء نوع من التسويات 'العادلة' بين الأقلية والأكثرية وبين المذاهب والأثنيات المتعددة، واستحداث آليات جديدة لإنشاء المؤسسات اللازمة لإرساء المفاهيم الديمقراطية في المجتمع، وإصلاح البني التحية، وإعادة تقيم للتشكيلات الحزبية وتطويرها باتجاه مؤسسات حزبية.. وغيرها. هذا إذا ما أريد إرساء نظام ديمقراطي حقيقي، في حين المؤشرات الحزبية الراهنة توحي باستخدام العملية الانتخابية لأجل دفع العملية السياسية خطوة نحو الأمام وتجد لا ضير من إغفال بعض أسس النظام الديمقراطي. وقد عبر رئيس المجلس الوطني المؤقت ''فؤاد معصوم'' عن الحالة في وسائل الإعلام قائلاً: 'منَّ ينتظر إجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية، فعليه الانتظار طويلاً'. لقد أظهرت الصعوبات التي واجهتها عمليات تحول ما بعد الشيوعية أن التغير السياسي العميق يقوم علي عملية بطيئة للإصلاحات تتطلب مشاركة المواطنين ورقابتهم وإلا تعرضت الديمقراطية الجديدة لمخاطر الاختطاف من قبل مجموعات الفساد ذات والمصالح. يحتاج المواطنون إلي تعلم كيفية الدفاع عن حقوقهم المدنية 'الحريات الشخصية والانتخابات الحرة والمساواة أمام القانون وسيادة القانون'، علاوة علي تعلم كيفية المشاركة في الحياة السياسية 'الإدارة المحلية' وكيفية محاربة الفساد 'من خلال وسائل الإعلام والتصويت الواعي'. في الحكم الديمقراطي لا تكون السلطة امتيازا للدولة لكنها تخرج في شكل قوانين ناتجة عن مداولات البرلمان المنتخب. وتفترض الفكرة الحديثة عن الديمقراطية أن الشعب نفسه يعرف ما هو الأفضل بالنسبة له ولمجتمعه، وبالتالي يمكن النظر إلي الديمقراطية كأداة تسمح للمواطنين بتحقيق رغباتهم في الحياة الكريمة من خلال المشاركة غير المباشرة في عملية اتخاذ القرار. ويعد اختيار الشعب لممثليه من خلال الانتخابات إحدي الخطوات الرئيسية ولكن الديمقراطية الحقيقية تتطلب أيضا مشاركة مدنية قوية تمتد إلي ما بعد الانتخابات. في الحكم الديمقراطي تقتصر سلطة الحكومة علي الشق التنفيذي فقط ولا يمكنها أن تصدر القوانين حيث أن البرلمان المنتخب هو الذي يمرر القوانين طالما احترم الدستور والحقوق الأساسية التي ينص عليها. ويتمتع القضاء المستقل بسلطة علي كل من البرلمان والحكومة حيث يجب علي جميع الجهات الفاعلة طاعة القانون. ويعد استقلال كل من فروع السلطة وآليات الرقابة المحددة – ما يسمي بالضوابط وتحقيق التوازن بين القوي – ضروريا لضمان شرعية الحكومة. تسمح الانتخابات الدورية بتداول السلطة. ولكل من النظامين الرئاسي والبرلماني آليات مختلفة للرقابة. عادة ما يساعد وجود محكمة دستورية مستقلة وقوية المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية علي تعريف حدود السلطتين التنفيذية والتشريعية.