'أُعلن عن انتهاء خدمتي بالجيش، وعزمي الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.. ' قالها المشير عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، مساء الأربعاء الماضي، قاطعًا الشك باليقين في ملف الانتخابات الرئاسية المصرية، الذي تجاوز اهتمام المصريين إلي المنطقة العربية، والعالم. تعلقت الأنظار بالرجل الذي بات 'دون تزيُّد' محطَّ أنظار العالم، عبر الدور الذي لعبه طوال مسيرته، قبل أن يتصدر المشهد عقب انحيازه لثورة الشعب المصري في 30 يونية، التي أنهت مخاضًا عسيرًا، علي خلفية الأخطاء السياسية التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها الحاكم 'الحرية والعدالة' عقب ثورة 25 يناير 2011. كما هي العادة، لم يبذل 'السيسي' مجهودًا كبيرًا وهو يوجه خطابه الأخير 'بالزي العسكري' لجموع المصريين، بعدما اعتادوا منه علي حديث 'من القلب للقلب'.. وفيما كان الحزن يخيم علي المؤسسة العسكرية 'عبر الأجواء التي أحاطت باجتماع المجلس العسكري'، الراغبة في استمرار بقاء قائدها، فقد انحازت المؤسسة مجددًا للشعب المصري الراغب في رئيس قادر علي استكمال المسيرة ومواجهة التحديات. كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة، قد انعقد بكامل هيئته، بحضور رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور، لبحث عدد من الملفات المهمة يتصدرها ملف استقالة المشير السيسي.. أكد القادة للرئيس جهوزية القوات المسلحة، واستعدادها المستمر لتحمل مسئولياتها العسكرية وأي مسئوليات وطنية تلقي علي عاتقها، مع الاستمرار في تطوير كفاءتها القتالية، والتأهيل المتواصل لعناصرها. جدد المشاركون في الاجتماع 'الذي انعقد بمقره الدائم بالأمانة العامة لوزارة الدفاع'، التأكيد علي انتصارهم الدائم لمصر وشعبها مهما كان الثمن.. هكذا شدد الفريق صدقي صبحي 'قبل إبلاغه بقرار الترقية إلي فريق أول، ووزيرًا للدفاع'، وباللهجة والحمية نفسها تحدث باقي قادة المجلس 'قائد القوات البحرية، الفريق أسامة الجندي.. قائد قوات الدفاع الجوي، الفريق عبد المنعم التراس.. قائد القوات الجوية، الفريق يونس حامد المصري.. أمين عام وزارة الدفاع، اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي.. مساعد وزير الدفاع لشئون التسليح اللواء أركان حرب محمد العصار.. مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية والدستورية اللواء ممدوح شاهين.. مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، اللواء أركان حرب محمود حجازي.. اللواء أركان حرب أحمد إبراهيم قائد قوات حرس الحدود.. رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، اللواء أركان حرب محسن الشاذلي.. رئيس هيئة التنظيم والإدارة، اللواء أركان حرب أحمد أبو الدهب.. رئيس هيئة التدريب، اللواء أركان حرب أحمد وصفي.. رئيس هيئة الإمداد والتموين، اللواء أركان حرب جمال إسماعيل.. رئيس هيئة التسليح، اللواء أركان حرب عبد المحسن خليفة.. رئيس الهيئة الهندسية، اللواء أركان حرب طاهر عبد الله طه.. رئيس هيئة الشئون المالية، اللواء أركان حرب محمد أمين.. رئيس هيئة القضاء العسكري، اللواء مدحت غزي.. قائد الجيش الثاني الميداني، اللواء أركان حرب محمد الشحات.. قائد الجيش الثالث الميداني، اللواء أركان حرب أسامة رشدي عسكر.. قائد المنطقة المركزية العسكرية، اللواء أركان حرب توحيد توفيق.. قائد المنطقة الشمالية العسكرية، اللواء أركان حرب سعيد عباس.. قائد المنطقة العسكرية الغربية، اللواء أركان حرب محمد المصري.. قائد المنطقة الجنوبية العسكرية، اللواء أركان حرب يحيي الحميلي.. مدير إدارة شئون الضباط، اللواء أركان حرب مصطفي الشريف'. مؤكد، قبل اللحظات التي سبقت بث الخطاب التليفزيوني للمشير السيسي، كان قادة المؤسسة العسكرية المشاركون في اجتماع المجلس العسكري يسترجعون شريط الأحداث، لاسيما حالة الاحتقان السياسي-المجتمعي، التي كانت سببًا في خروج الشعب المصري في 25 يناير مطالبًا بفكِّ الارتباط بين الثروة والسلطة، ومطالبة من احتكروا مصر، ومن يسيرون علي نهجهم بالرحيل.. وهو ما حدث بالفعل. ثمة مياه كثيرة جرت في بحر الحياة قبل أن يقول 'السيسي' جملته الافتتاحية في خطاب الوداع العسكري 'قررت إنهاء خدمتي وزيرًا للدفاع، حيث أقف أمامكم لآخر مرة بالزي العسكري'، خاصة الفترة التي سبقت 12 أغسطس 2012 'تاريخ تعيين السيسي وزير الدفاع، خلفًا للمشير طنطاوي'. كان 'السيسي' يراقب عبر المواقع القيادية التي تقلدها 'رئاسة فرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع، ثم إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، أقوي جهاز استخبارات عسكرية في الشرق الأوسط' خيوطَ المؤامرة الدولية، التي تستهدف تفتيت المنطقة العربية، تمهيدًا للحصول علي الجائزة الكبري.. مصر. كان يراقب ويتابع الملابسات التي فتحت الأبواب علي مصاريعها للمؤامرة 'إقليميًّا، ومحليًّا'، لاسيما تجبُّر الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، وتسلط جماعات المصالح المرتبطة بها 'ماليًّا، وسياسيًّا.. '. لم يكن بمقدور 'السييسي' وجهازه 'أو حتي كل أجهزة المعلومات في مصر' أن يوقف الطوفان القادم، بعدما تخلت الدولة 'بفعل فاعل' عن مسئوليتها الاجتماعية تجاه الفقراء ومحدودي الدخل، وعندما سلّمت استثماراتها ومصادر ثرواتها للرأسمالية 'عبر دمج الاقتصاد المصري دون حسابات وطنية في الاقتصاد الدولي'، وسط حالة من التبعية منقطعة النظير! كان 'السيسي' أصغر أعضاء المجلس العسكري سنًّا، عندما تردد اسمه للمرة الأولي كأحد أعضاء هذا المجلس، لكنه أكثر شعورا بالكارثة المقبلة علي مصر، بحكم الفترة التي أمضاها في الدراسة العسكرية بالولايات المتحدةالأمريكية، تحديدًا الفترة عام 2006، عندما أمضي عامًا أكاديميًّا للحصول علي 'زمالة كلية الحرب العليا الأمريكية'، حيث كان دائم التشكك في كل ما تقوله أمريكا عن كيفية تأسيس الديمقراطية في المنطقة العربية، تحديدًا بعد التجربة العراقية. عندما أعد 'السيسي' دراسته البحثية المهمة 'الديمقراطية في الشرق الأوسط' خلال الفترة من 2005- 2006، حمّل فيها القوي الخارجية مسئولية استمرار الاستبداد في الشرق الأوسط.. معتبرًا أن الموارد الطبيعية العربية كانت السبب المباشر في تكالب القوي الدولية علي المنطقة، وهو ما عبَّر عنه السيسي بقوله 'في ضوء احتياطيات النفط والغاز الطبيعي الهائلة فإن الشرق الأوسط يواجه ضغوطًا مستمرة لتلبية أجندات دول متعددة قد لا تتفق مع احتياجات أو متطلبات شعوب الشرق الأوسط'. وكأن 'السيسي' عندما كتب دراسته 'البحثية.. الأمنية.. العسكرية' كان يقرأ من كتاب المؤامرة الأمريكية-الغربية التي تقترب من مصر، عبر توظيفها لمزاعم وشعارات براقة تتصدرها قضية ترسيخ الديمقراطية. أكد 'السيسي' في دراسته 'وبوضوح' أن 'الصراع العربي-الإسرائيلي، والغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان يقوِّض من احتمالية ظهور ديمقراطية حقيقية في المنطقة'. قال بحسم: 'يجب تسوية الصراع والتوترات الحالية حتي تقبل شعوب المنطقة الديمقراطية'. وبينما الاتهامات الممنهجة تنهال علي المؤسسة العسكرية المصرية، والزعم بأنها تابعة ومنقادة لواشنطن 'نتيجة للشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والمعونة الأمريكية التي تحصل عليها مصر، فضلًا عن التسليح، والتدريب الامريكي' كان أحد قادة هذه المؤسسة 'السيسي' يحاكم واشنطن في عقر دارها.. قال في دراسته البحثية آنذاك 'يمكن للمزايدين الاطلاع علي نسختها الأصلية الموجودة في واشنطن': 'إن السياسة الخارجية الأمريكية هي السبب في تشكك شعوب الشرق الأوسط في الديمقراطية'! ليس هذا وفقط، لكن 'السيسي' ضرب في قلب المصالح الأمريكية عندما أكد أن 'الحرب العالمية ضد الإرهاب ما هي إلا قناع فعلي لتأسيس ديمقراطية غربية في الشرق الأوسط'. حذَّر 'بشدة' من أن الديمقراطية الغربية كمنتج علماني تتعارض مع التوجهات للشعوب العربية والإسلامية. قال أيضًا: 'لا يمكن فهم الديمقراطية في الشرق الأوسط بدون فهم مفهوم الخلافة الإسلامية عقب وفاة الرسول –صلي الله عليه وسلم- حيث نجحت علي مدار سبعين عامًا في ترسيخ قيم: الإنصاف، العدالة، المساواة، الإحسان.. ومن ثم فهذه الحقبة هي الآمال التي تراهن عليها شعوب الشرق الأوسط'. اقترح 'السيسي' مفهومَيْن إسلاميَيْن للتوافق المطلوب بين الإسلام والديمقراطية. الأول مدي قبول الدول الغربية -الكبري- بديمقراطية في الشرق الأوسط تقوم علي المعتقدات الإسلامية، وثانيًا القبول بالمفاهيم الإسلامية في هذا الشأن لاسيما 'البيعة'، عملية الانتخابات لاختيار الخليفة- و'الشوري'، الهيئة الاستشارية الرقابية للخليفة. لكن لأن الأمريكان كانوا يراهنون علي حلفاء سياسيين من المعارضة 'العربية- الإسلامية'، ولأنهم كانوا يعتمدون علي طابور خامس 'في مؤامرتهم التي تستهدف بلادنا ومنطقتنا'، لم يكن مرتبطًا فقط ب'حنفية' التمويل الأجنبي منذ عام 1994، بل منذ اتجهت مصر غربًا عام 1974، عندما أصبح الرئيس الراحل محمد أنور السادات علي قناعة بأن 99% من أوراق اللعبة في يد واشنطن، لذا فإنهم شرعوا في تنفيذ مخططهم الاستراتيجي الذي استهدف تأميم المنطقة العربية، اعتمادًا علي قيادات محلية جري ربطها بمنظومة المصالح الأمريكية في كل القطاعات والمجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية.. راحوا يمهدون الطريق للغزو الناعم بعد فشل القوة العسكرية في حسم ساحات القتال المفتوحة في: الصومال '1993'.. أفغانستان '2001'.. العراق '2003'. المهم، حانت لحظة المواجهة بعد تحركات مشبوهة شهدتها قطر في مطلع فبراير عام 2006، حيث استضافت 'الدوحة' ما يسمي ب'منتدي المستقبل'، وبتمويل منها وتخطيط أمريكي، أشرفت عليه وكالة الاستخبارات المركزية 'CIA'، جري تنفيذ المشروع الأخطر في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، تحت عنوان براق هو مشروع 'مستقبل التغيير في العالم العربي'! وقد تولت واشنطن مهمة حشد القوي الليبرالية 'الحليفة' لمؤازرته، بينما تولت قطر 'إلي جانب التمويل'، إقناع القوي الإسلامية بتطبيق ما ورد فيه، وأوكلت لزوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوي 'د.هشام مرسي'، مهمة تأسيس ما يُعرف ب'أكاديمية التغيير' 'وما أدراكم ما جرائمها'، لتنفيذ الخطة الفكرية والسياسية عبر ما يسمي ب'النضال اللاعنفي' 'استنزاف، وتشويه أنظمة الحكم المستهدفة دون قتال مباشر'، حتي يتم تفكيك المؤسسات الوطنية وإسقاط الدول لاحقًا.. والشواهد المحلية والإقليمية كثيرة. وفي مواجهة الحالة الرخوة التي شهدتها مصر طوال الأعوام الثلاثة الماضية، وفي ظل عوامل ومعطيات متباينة 'رمزية استقلال القرار الوطني.. التوجهات القومية-العروبية.. الكاريزما الشعبية.. الحسم.. الخلفية العسكرية'، فقد فسرت وكالة الأنباء الفرنسية أسباب تنامي شعبية 'السيسي' التي أرجعتها إلي 'هدوئه الدائم، الذي رأي فيه المصريون دليلًا علي الثقة بالنفس، تختبئ خلفه شخصية ضابط عنيد خاض من دون أن يهتز مواجهة دامية مع جماعة الإخوان المسلمين، التي ظلت لعقود طويلة الأكثر تنظيمًا في البلاد'، لاسيما بعد الخطوة التي أقدم فيها علي عزل الرئيس السابق محمد مرسي 'تلبية لإرادة الشعب، الذي نزل بالملايين إلي الشوارع يطالبونه بالتدخل لإنهاء حكم الإخوان'. تعترف الوكالة 'كما وسائل الإعلام الغربية' أن 'منافسيه المحتملين علي مقعد الرئاسة مثل حمدين صباحي يعترفون بأن شعبيته جارفة وأنه صار بطلًا شعبيًا'، و'خلافًا للزعامات التقليدية، لم يكتسب السيسي هذه الشعبية معتمدًا علي الخطب الرنانة أو اللهجة الحماسية، فهو علي العكس يتحدث دومًا بصوت خفيض وبنبرة هادئة، ويفضل اللهجة العامية البسيطة علي العربية الفصحي في أحاديثه الموجهة إلي المصريين، حيث يفضل مخاطبة عواطفهم، ولا يملُّ من تكرار أن الجيش المصري 'ينفذ ما يأمر به الشعب'. ورغم أن الرجل أمضي معظم سنيِّ عمره ال59 داخل ثكنات الجيش المصري، إلا أنه لم يكن في السنوات الأخيرة خصوصًا بعيدًا تمامًا عن السياسة. فعندما كان رئيسًا للاستخبارات العسكرية في عهد مبارك، وضع السيسي ما بات يُعرف الآن ب'خطة استراتيجية' لتحرك محتمل لمواجهة 'توريث الحكم' تحسبًا لترشح جمال مبارك للرئاسة، وبعد قيام ثورة 25 يناير التي أطاحت بمبارك وقطعت الطريق علي فكرة التوريث، كان السيسي مسئولًا عن الحوار مع القوي السياسية، بما في ذلك جماعة الإخوان، فتعرف إلي كل القيادات السياسية الموجودة علي الساحة. هل فعلًا ترشح 'الرئيس'؟ يتساءل مراقبون 'بحسن نية، وأكثرهم بسوء نية': هل ترشح الرئيس -السيسي- لانتخابات الرئاسة؟.. أصحاب سوء النية لديهم قناعة بأن الانتخابات حُسمت 'كرهًا' قبل أن تبدأ للمشير، وأنه لا داعي لإجراء الانتخابات لأنه الفائز بالفعل، بينما الفريق حسن النية يراها حُسمت 'طوعًا' ل'السيسي' بحكم التراكم الإيجابي والرصيد الشعبي الذي بات يملكه في قلوب الشعب المصري، وهذه الشريحة الكبيرة لا تشغل بالها كثيرًا بانسحاب شخص لم يترشح رسميًّا'!!'، أو تراجُع راغب في الترشح لأنه شعبيته لا تؤهله علي المنافسة علي مقعد في مجلس إدارة مركز شباب! وقد فرضت قواعد الانضباط التي تربت عليها قيادات عسكرية سابقة 'الفريق أحمد شفيق.. الفريق سامي عنان.. الفريق مراد موافي.. ' الامتناع عن الترشح 'رغم وجود حملات شعبية بمبادرة من محبيهم تطلب خوض المعركة الانتخابية'، أما المرشح الأقوي بعد المشير السيسي في سباق الانتخابات، حمدين صباحي، كان واضحًا وحاسمًا عندما أكد أن 'نتيجة الانتخابات ليست محسومة حتي الآن، وأن استمراره في المعركة يعني أن هناك منافسة ترسيخ للقيم الديمقراطية'. لماذا تأخر في القرار؟ تبارت الصحف ووسائل الإعلام 'المحلية، والإقليمية، والدولية' في استباق قرار المشير السيسي بالترشح، وإعلان مواعيد وتوقيتات زمنية 'كذَّبتها الأحداث'، وأعطي الجميع لأنفسهم حق الحديث باسم القوات المسلحة، وقائدها العام. وأمام سيل المعلومات والتوقيتات 'غير المؤكدة' اضطر المتحدث العسكري، العقيد أركان حرب أحمد محمد علي، لإصدار بيان يرجو فيه الإعلاميين والسياسيين عدم الحديث باسم المؤسسة العسكرية، أو نيابة عنها، مؤكدًا 'عدم دقة ما يتم تداوله من معلومات في وسائل الإعلام، بشأن المستقبل الوظيفي لكبار قادة المؤسسة العسكرية، بعد تفويض المجلس العسكري المشير عبد الفتاح السيسي الترشح للرئاسة، والاستقالة من منصب وزير للدفاع'. وأشار إلي أنه 'عند إجراء أي تعيينات أو تغييرات وظيفية لأي من قادة القوات المسلحة، سيتم إعلام جموع الشعب بها، عن طريق المصادر الرسمية بالقوات المسلحة'.. مطالبًا وسائل الإعلام بتحري الدقة والمصداقية، والرجوع إلي المصادر الرسمية فيما يتعلق بهذه المعلومات، 'لما لها من تأثير سلبي علي المؤسسة العسكرية'. والحقيقة أن ملف تأخر 'السيسي' في إعلان قراره بالترشح عبَّر عنه إجمالًا في حفل انتهاء فترة الإعداد العسكري والتدريب الأساسي لطلبة الكليات والمعاهد العسكرية 'الدفعات: 110 حربية.. 68 بحرية.. 83 جوية.. 55 فنية عسكرية.. 45 دفاع جوي.. الدفعة رقم 19 من المعهد الفني للتمريض إناث'، مطلع مارس الجاري، حيث أكد أنه 'لا يستطيع أن يدير ظهره عندما يجد الغالبية تريده أن يترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة'، لكنه في الوقت نفسه أضاف أن 'عبء الوظيفة العامة قد يمنع أحيانًا صاحبه من أن يصرح بما يريد وقتما يريد، علي عكس غيره من المرشحين'.. بمعني أصح: بمقدور أولئك الذين لا توجد لديهم مهام رسمية ومسئوليات الإعلان متي شاءوا وكيف شاءوا عن رغبتهم في الترشح، أما أصحاب المسئوليات فقرارهم يجب أن يكون مدروسًا'. لم يُغرق 'السيسي' حضورَ الاحتفال 'من كبار رجال الدولة والمسئولين والشخصيات العامة، ووسائل الإعلام' في التفاصيل التي جعلته 'كمسئول عن المؤسسة الأهم في مصر' يؤخر قراره، لكنه أجملها في عدة رسائل سريعة 'الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، الخطر المحدق بالأمن القومي المصري، الأمر الذي كان يتطلب قبل أي خطوة إعادة تأهيل وتدريب وجهوزية القوات المسلحة، وتوفير جميع الإمكانات التسليحية الحديثة لها.. تحديد الأهداف والمهام الاستراتيجية في ضوء المخاطر الجديدة والمحتملة.. تحديد حجم وشكل القوات المسلحة وتركيبها التنظيمي والتطور المستقبلي.. الاستعداد القتالي للقوات المسلحة.. إقرار سياسة تدريب القوات المسلحة وإجراء المناورات والتدريبات المشتركة.. إقرار سياسة تجهيز مسارح العمليات الحربية في ضوء الأخطار الإقليمية والمستجدة بعد يناير 2011.. '. *** الآن، لا وساطة بين الشعب ورغباته 'وخياراته' الانتخابية.. هذه حقيقة مؤكدة بعد عقود عجاف.. في الطريق إلي الاستقرار الدائم الذي نحلم به 'رغم الحالة الضبابية المصنوعة في دهاليز وأروقة أجهزة استخبارات معادية'، تزداد وتيرة العنف والتخريب.. يتساقط شهداء.. تُخضب الأرض بدماء زكية.. هي فاتورة طبيعية لتجديد روح ووطنية شعبنا الصابر- القارئ جيدًا لما يحدث 'محليًّا، وإقليميًّا، ودوليًّا'، بعدما صارت نظرته للأحداث أكثر وعيًا، وعمقًا، وإدراكًا لخطورة اللحظة وتحديات المشهد. ثمة خطوط عريضة وملامح رئيسة يجب أن يضعها الرئيس المصري المقبل نصب عينيه، كي يخرج ال90 مليون مواطن مصري من دائرة السلبية 'التي عاشوها طوال ال40 عامًا الماضية' لمرحلة التضحية وتوظيف الطاقات، شريطة أن يكون الإطار الحاكم علي النحو نفسه من التضحية، والفداء، والعمل الدؤوب. مؤسسيًّا، غاب الأداء الجماعي، بعدما تمددت 'الشخصنة'، وفردية القرار في كل المؤسسات، ومن ثم غابت الرؤية 'محليًّا، إقليميًّا، ودوليًّا'، فباتت مصر لا تري خارج حدودها، لكن في ضوء التحديات التي نواجهها اليوم فالضرورة والحتمية تفرضان علي مؤسسات الدولة تكامل الجهود حتي تعود بلادُنا لمكانتها الطبيعية.. الرائدة. المحطة الأهم، أقصد فرسان السباق الذين سيخوضون معركة الرئاسة، فالمطلوب قبل البرامج، وآليات تنفيذها 'وهي مهمة بالطبع' أن تكون هناك معايير 'وطنية.. سياسية حازمة، وحاسمة' للترشح لرئاسة مصر، فخطورة اللحظة وضخامة المؤامرة 'ومن يقفون خلفها'، تفرض علينا ترشيح أفضل العناصر، واختيار أكثرها قدرة علي تنفيذ ما يعد به، حتي لا يكون 'عرش مصر' جائزة لمغامر جديد!! بالقطع، لم يتغير 'السيسي' منذ أدي اليمين الدستورية وزيرًا للدفاع، حيث كان في نظر خصومه وأعدائه الحاليين 'جماعة الإخوان' 'وزيرًا بنكهة الثورة' والرجل الذي 'سيصحح مسار الجيش'، فالجماهير المؤيدة له في محافظات مصر تقدر جيدًا تلقائيته والنبرة العاطفية 'التي لا تخلو من حسم' في حديثه، لاسيما أنه مد جسرًا بينه وبين فقراء وبسطاء الوطن، وأنه رغم مكانته وقامته العسكرية التي يتحدث عنها العالم تغرورق عيناه بالدموع وهو يتحدث عن آماله وطموحاته لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، حتي لا تضطرهم الظروفُ الصعبة لشراء الهياكل العظمية للدجاج، لأنهم لا يستطيعون شراء الدجاج نفسه.