دوام الحال من المحال، وسبحان مغير الأحوال.. بعد أن ظل النمل 'حرامي الحلة'، الأشهر بين الحرامية، ومضرب الأمثال في السرقة لأنه مجتهد بيسرق بواقي الأكل التي هي غالبًا أكبر من حجمه أزاحه 'حرامي المقال' أو باسم يوسف، الثلاثاء الماضي محققًا شهرة أكبر وأوسع. لم أشغل نفسي يومًا بما يقدمه 'باسم يوسف' وإن كنت قد تابعت بعض حلقات برنامجه، بحكم انتمائي للعمل الصحفي الذي يفرض عليَّ متابعة الصحف والفضائيات.. كما كنت أتابع أحيانًا بعض اسكتشات 'سما المصري' علي قناة 'فلول'. وكلاهما يستخدم الأسلوب الأسهل في جذب الجمهور.. التركيز علي الشخصي والبعد عن الموضوعي، باستخدام 'حركة غير مقصودة' لسياسي أو إعلامي ما أو 'لازمة معينة' في كلامه، بالإضافة طبعًا إلي الغمز واللمز والإيحاءات الجنسية والألفاظ القبيحة وحركات الجسد.. هز الوسط والتمايل ولعب الحواجب ومصمصة الشفايف، وغيرها.. والمسألة هنا لا تختلف كثيرًا بين المرأة والرجل أو سما المصري وباسم يوسف، فلكل منهما جمهوره ومريدوه. الأولي تجذب المراهقين، والثاني له محبوه أو أمثاله ممن يعانون الكبت الجنسي.. وعلي رأي المثل: 'كل فولة ولها كيال'، فما تراه أنت 'مقزز ومقرف' قد يراه البعض 'لذيذ وممتع'!!. انتشرت الظاهرة في السنوات الأخيرة، بل إن هناك قنوات تم إنشاؤها بالأساس لهذا النوع الرخيص الذي يحقق مكاسب كبيرة، فهذه القناة تخصصت في الرقص، وهذه للمسابقات، وأخري للأغاني المثيرة، وكلها تستخدم العبارات والإيحاءات الجنسية لتحقيق الأرباح السريعة، شأنها شأن برنامج 'أيوة بقي' لمقدمته اللولبية سما المصري أو 'البرنامج' لمقدمه اللولبي باسم يوسف. ورغم أن سما المصري خريجة كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية عملت لفترة ما في كباريهات شارع الهرم، منحتها القدرة علي التحدث بوجه مكشوف، وأكسبتها خبرات كبيرة، وطلاقة لسان في استخدام الكلمات الخادشة للحياء دون خجل، تفوق عليها باسم يوسف في الابتذال والردح، وحقق شهرة أكبر كمروج للألفاظ والكلمات القبيحة، ربما لأنه سبقها في هذا المجال، وربما لأنه يؤمن بأهمية العمل الجماعي.. فإلي جواره فريق عمل ضخم يعاونه في اجتزاء العبارات والفيديوهات، في حين تعتمد 'سما' علي نفسها فقط. كنت أتابع هذه البرامج أو القنوات ولم يخطر ببالي يومًا أن أكتب عنها، أو أمنحها أي قدر من الاهتمام، فكل ما هو مبتذل مصيره معروف، قد يجذب قطاعًا من المشاهدين بعض الوقت لكن سرعان ما ينفضّ الناس من حوله، وأي متابع لسما المصري أو باسم يوسف يعرف أن مستوي المشاهدة انخفض بشكل كبير، وإسرافهما في الابتذال واستخدام العبارات القبيحة والخادشة للحياء ما هي إلا محاولة أخيرة لاستعادة جمهورهما. لكن ما دفعني للكتابة عن هذا النوع من البرامج هو قيام بعض الصحف المرموقة، ومنها 'الشروق' التي أكن لها ولرئيس تحريرها كل احترام وتقدير باستخدام جماهيرية برامج بعض هؤلاء، وتخصيص المساحات لهم لكتابة مقالات، دون أن يستحقوا أن تُخصص لهم هذه الأبواب أو الأعمدة، وهو ما تكشَّف بعد مقال باسم يوسف الأخير، المسروق. فللأسف تحول باسم يوسف من مجرد مهرج أو منولوجست، يستخدم أرخص الأساليب لجذب الجمهور، إلي كاتب مقال ومفكر سياسي ومحلل استراتيجي!!. ولأنه 'ما بيعرفش'، لجأ باسم في فضيحة مدوية لسرقة مقال صحفي بريطاني صهيوني يدعي 'بن جودا'.. وستثبت الأيام أنها ليست المرة الأولي، وأن 'سرقة المقالات' عند باسم، عادة وربما 'عبادة'!!. وفي تقديري أن السقطة هنا تُنسب ل'الشروق'، وليس لباسم يوسف، فمنذ أن تابعته وهو 'يسقط'. فقد نشرت 'الشروق' الثلاثاء الماضي مقالا لباسم عنوانه: 'لماذا لا يهتم بوتين؟'.. تبين أنه مسروق بشكل شبه كامل من مقال منشور بمجلة 'بوليتيكو' في 2 مارس الجاري، للصحفي الصهيوني 'بن جودا'، بعنوان: '، Why Russia No Longer Fears the West' ونشره أيضا موقع 'ساسة بوست' بالعربية تحت عنوان: 'لماذا لم تعد روسيا تخشي من الغرب؟'. ليس هذا فقط بل حاول باسم أن يخفي معالم سرقته، فصاغ عبارات 'بن جودا' صياغات عامية في غير موضعها، تُذكرنا بالفنان الراحل عبد الفتاح القصري الذي راح يتحدث بالفصحي في غير موضعها، عندما كان يترافع أمام هيئة المحكمة في فيلم 'الأستاذة فاطمة'. كما أدخل باسم ب'خفة يد' أو عقل تعديلات شوهت المقال الأصلي فأضاف مقدمة تنم عن جهل مطبق بوقائع التاريخ، خلط فيها بين 'أزمة الصواريخ الكوبية'، و'أزمة خليج الخنازير'.. وهو ما اعتذر عنه علي 'تويتر' وتم تصويبه في النسخة الإلكترونية. وهو أيضًا ما دفع 'بن جودا' للسخرية من باسم لقيامه ب'القص واللصق' من مقال كاتب صهيوني كما وصف بن جودا نفسه وكتب في تغريدة له علي 'تويتر': 'لماذا نسخه؟!.. لعله أعجب به؟.. لا تفعل ذلك مجددًا.. هذا يعد اتصالا مع الكيان الصهيوني!!'. محاولة تزييف الحقيقة وإخفاء معالم السرقة لم تتوقف عند الصياغات العامية أو تعديل المقدمة، بل أضاف باسم أو بالأحري المفكر الألمعي والمحلل الاستراتيجي بعد ذلك سطرين للمقال المسروق قال فيهما: 'لمحاولة فهم زاوية جديدة للصراع في 'القرم' استعنت بعدة مقالات من بن جودا بموقع 'بوليتيكو'، وتيموثي سنايدر ب'نيويورك ريفيو' إضافة إلي ما نقل في وسائل الأنباء'!!. ثم علق باسم علي سخرية 'بن جودا' وخاطبه: 'لماذا لم يذكروا إشارتي إليك كمصدر في آخر المقال؟.. لا أحد يقرأ المقال إلي النهاية'!!. المشكلة كما حاول أن يصورها باسم ليست في سرقة المقال، لكن في القراء الذين لم يقرءوا مقاله للنهاية!!. وهنا أقول لمن راحوا يطنطنون ب'أخلاق باسم العالية' و'ثقافة الاعتذار': من تدافعون عنه حاول مرة واثنتين أن يخفي معالم جريمته، ولم يعتذر إلا بعد أن كشف مدير قسم الترجمة والبحوث في موقع 'ساسة بوست' الحقيقة، وتداول النشطاء علي 'تويتر' صورًا من المقال قبل وبعد التعديل يظهر فيها ساعة تعديل المقال، إضافة إلي تداول صورة من النص المنشور للمقال في صحيفة 'الشروق' الورقية بدون السطرين الأخيرين. حتي بعد تضييق الخناق عليه وافتضاح أمره، اعتذر باسم اعتذارًا مراوغًا، من باب 'ذر الرماد في العيون' وكتب عبارات ساذجة متهافتة وركيكة قال فيها: 'يوم الثلاثاء هو أصعب أيام الأسبوع بالنسبة لفريق البرنامج، حيث يتم فيه إنهاء كتابة الحلقة وتحضير الضيوف لليوم الثاني، ولذلك يحدث في بعض الأحيان أن يسقط سهوًا بعض من النقاط من مقالتي الأسبوعية في الشروق، وفي آخر مقال قررت أن أجرب النقل عن موقع سياسي أجنبي، وانتبهت في الصباح الباكر إلي خطأ في أول المقال، فقمت بتصحيحه، ولكن للأسف سقط مني سهوًا آخر سطرين المذكور فيهما اسم كاتب المقال الأساسي ولم أتنبه للخطأ إلا متأخرًا، بسبب ضغط العمل، وقد تم التصحيح في النسخة الإلكترونية للجريدة، واعتذرت علي حسابي الشخصي علي 'تويتر'، بعد التنويه عن المصدر'!!. وهنا أوجه كلامي لمن راحوا يتغزلون في 'شجاعة باسم الأدبية'، ولم ينتبهوا لحقيقة ما قاله، فأي صحفي مبتدئ أو حتي قارئ مبتدئ يعرف أن عدد أي صحيفة تصدر يوم الثلاثاء، تتم طباعتها ظهر الاثنين.. بالبلدي كده باسم عايز يفهمنا أنه كتب المقال يوم الثلاثاء وهو مشغول بإعداد البرنامج.. لكن لأن 'آفة الكذاب النسيان'، نسي باسم أن عدد يوم الثلاثاء للشروق الورقي كان موجودًا بالأسواق في العاشرة من مساء الاثنين!!. وأخيرًا وبعد خمسة أيام من التضليل والمراوغة والمكابرة، اعترف باسم في 'الشروق' أمس أن ما حدث خطأ مهني، وأن طريقة الاعتذار خطأ يقصد محاولات 'الطرمخة' علي 'السرقة' وقال إنه قرر الامتناع عن 'الكتابة!' لبعض الوقت.. وكنت أتمني أن يسمي الأمور بمسمياتها، ويقول إنه سيمتنع عن 'سرقة المقالات' لبعض الوقت.. مراهنًا علي 'نعمة النسيان'!!. المشكلة كما قلت من قبل ليست في باسم يوسف لكن في صحيفة مرموقة سمحت له بكتابة مقال، بوصفه كاتبًا ومحللا وخبيرًا، في حين أنه لا يملك سوي ترديد العبارات القبيحة وهز الوسط!!. أتمني أن ينتبه السادة رؤساء تحرير الصحف وكلهم أساتذتي، إلي أن 'المهيصة' وحدها لا تكفي لكتابة مقال، وإلا سنجد سما المصري كاتبة سياسية قريبًا.