هذه المقالة تعبر عن وجهة نظري الشخصية، ولكنها في نفس الوقت قراءة من باحث متابع مدقق للظروف السياسية والاجتماعية، المحلية والأقليمية، وللرأي العام المصري في الداخل والخارج، وقد شرعت في كتابتها عقب إعلان المشير السيسي بشكل شبه رسمي يوم 4 مارس عزمه علي الترشح لرئاسة الجمهورية قائلا لا استطيع أن اعطي ظهري للشعب الذي يريدني ولكن التأخر له أسبابه لترتيب الأمور في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر.والسيسي صادق فيما قاله عن رغبة الجماهير، واستطيع أن اقول أنه الرجل الوحيد، منذ تأسيس مصر الحديثة علي يد محمد علي 1805 الذي طالبته هذه الجماهير الكاسحة بالتقدم للترشح للرئاسة، ولهذا اصبح الرجل بالفعل ظاهرة يمكن تسميتها ' السيسيسية أو السيسيزم '، ولكن بقراءة المشهد بتمعن نستطيع أن نذكر العديد من الأسباب التي جعلت الجماهير تدعمه وتطلبه حتي أن بعض الناس يترجوه بسرعة التحرك نحو المنصب، ومن هذه الأسباب الكثيرة نذكر: - 1-إذا كان الشعب المصري هو بطل مشهد 30 يونيه بلا منازع فأن السيسي هو قائد هذه الملحمة التاريخية، فهو الذي تجاوب بشجاعة وحنكة مع رغبة الشارع المصري في التخلص من حكم الاخوان متحملا المخاطرة ونتائج الفشل لو حدث.ونحمد الله أن ثورة 30 يونيه كان لها قائدا وطنيا شجاعا عكس ما حدث في 25 يناير مما جعل الاخوان يطمعون فيها ويخطفونها إلي الاتجاه الذي يريدونه علي عكس رغبة الملايين التي خرجت. ومن ثم فأن تأييد السيسي هو تأييد لثورة 30 يونيه ولخارطة الطريق ولأهداف هذه الثورة المجيدة. 2-تتمثل أولويات الشارع المصري حاليا في تحقيق الأمن والاستقرار، لأنه بدون ذلك تتحول الحياة إلي جحيم، وكذلك لا يمكن تحقيق أي تقدم اقتصادي بدون هذا الأمن والأستقرار، وهل هناك شخص أنسب لتولي هذه المهمة غير السيسي؟، فالذي قاد ثورة 30 يونيه عليه أن يكملها ويخلص مصر من بقايا الفوضي التي صنعها الاخوان وحلفاءهم. 3-بعد حالة الفوضي المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات في مصر هناك حاجة إلي رجل يضبط الأمور كما فعل بوتين في روسيا بعد فترة يلتسن المليئة بالفوضي، واعتقد أن عبد الفتاح السيسي قادر علي أن يسير علي خطي بوتين في ضبط الفوضي وإعادة الدولة إلي مسارها الصحيح بل وإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة. 4-إن عبد الفتاح السيسي علاوة علي أنه رمزا وطنيا دخل التاريخ كما دخل قلوب المصريين فأنه أيضا قائدا عسكريا مرموقا أعاد إلي الأذهان أسماء كبيرة في العسكرية المصرية مثل عبد المنعم رياض، وسعد الدين الشاذلي، وأحمد إسماعيل، وعبد الغني الجمسي، وفؤاد عزيز غالي، وعبد الحليم ابو غزالة، وهو أيضا حاصل علي تدريب وخبرة وتعليم عسكري متميز، فحصل علي ماجستير من كلية القادة والأركان المصرية عام 1987، وماجستير من كلية القادة والأركان البريطانية عام 1992، وزمالة كلية الحرب من أكاديمية ناصر العسكرية عام 2003، وزمالة كلية الحرب الأمريكية العليا عام 2006 5-هناك دعم قوي جدا من الجيش للسيسي وهذا سيسهل مهمته في الحكم، وهذا الدعم ليس فقط لأنه شخصية عسكرية، ولا لأنه وزيرا للدفاع قبل ترشحه، ولكن الأهم لأنه شخصية محبوبة جدا داخل الجيش لكفاءته وانضباطه وتعامله المحترم مع كل افراد الجيش من اصغر عسكري إلي أعلي رتبة، وحب أفراد الجيش له يعيد إلي الأذهان قائدا عسكريا كان محبوبا جدا وهو المشير محمد عبد الحليم ابو غزالة الله يرحمه. 6-عبد الفتاح السيسي وجه جديد غير محسوب علي أي من الرؤساء السابقين وغير ملوث بأفعال السياسة التي استفحلت في العقود الثلاثة الأخيرة، وهذا يجعله غير محسوب علي شلة معينة من الشلل التي توحشت في عهد مبارك، وحتي تشبيه البعض له بعبد الناصر لا يعني أنه محسوبا عليه، فعندما مات عبد الناصر لم يكن السيسي قد التحق بالكلية الحربية بعد. 7-يحسب للسيسي كذلك أنه انقذ مصر من حرب أهلية كانت متوقعة بين مليشيا اخوانية مسلحة وبين شعب أعزل بالملايين انفجر في وجه فسادهم واخونتهم للبلد، وتدخله اجهض هذه الحرب كما رجح كفة الشعب صاحب المصلحة الحقيقية. 8-نقطة هامة في شخصية السيسي وهي ايمانه بشعبه وبلده، فالقائد الناجح هو الذي يؤمن بشعبه وبقدرة بلده، عكس مبارك الذي كان هو وأسرته يحتقر الشعب ويتعالي عليه ويري نفسه الوحيد الصالح للحكم، في الوقت الذي كان اقرب مساعديه ورئيس مخابراته عمر سليمان أكثر ذكاءا وصلاحية للحكم منه، ولكن حوله السياسي جعله يري أن السادات كان محظوظا لأنه وجده في حين أنه لا يري شخص مثله يصلح نائبا، وهذا الحول السياسي جعله يترك مصر كلها وينظر لأبنه كوريث. 9-يري الشعب المصري في السيسي أنه وضع حدا للمؤامرات المحلية والأقليمية والدولية علي مصر، وأنقذ مصر من تحولها إلي دولة فاشلة ومسرحا للإرهابيين الدوليين الذين طمعوا فيها بعد حكم مرسي وبترحيب منه. 10-هناك صفات إيجابية كثيرة ظهرت في شخصية السيسي منذ 30 يونيه منها جديته وانظباطه، ومنهاشجاعته واقدامه، ومنها احساسه بالمواطن العادي، ومنها اريحيته واحترامه لكرامة المصري، كما أن شخصية بن البلد قد انعكست عليه من خلال نشأته في احد الاحياء الشعبية العريقة في القاهرة.وهناك أيضا سنه المناسب وحيويته كلها أمور رجحت كفته عند المصريين وجعلت التأييد الشعبي له كاسحا. 11-وكأحد المتابعين للشأن القبطي أري أن هناك اجماعا قبطيا علي دعم السيسي رئيسا مع اصطفاف الأقباط وراء المؤسسة العسكرية بقوة لم أراها من قبل. 12-وصول السيسي للرئاسة سيمنع الإزدواجية الموجودة في السلطة حاليا، فمعروف أن السيسي هو رجل الدولة القوي مما أدي إلي أنفصال بين السلطة والقوة، ووجود السيسي علي رأس الدولة مع موقع القائد الأعلي للقوات المسلحة، فعلا وليس أسما، سيجعل القوة والسلطة تجتمعات معا مما يسهل مسئولية الحكم ويجعله أكثر فاعلية. 13-علينا أن نكون صرحاء ونقول أن الجيش حتي هذه اللحظة غير مستعد أن يكون رئيس مدني هو القائد الأعلي للقوات المسلحة، ولن يعطيه هذه السلطة حقيقة حتي ولو حصل عليها نظريا بحكم موقعه الرئاسي، ووجود السيسي علي قمة السلطة سيحل بالتأكيد هذه المعضلة وسيتم تلافي سبب هذه الحساسية. 14-سيصوت الناس بقوة للسيسي كذلك لعدم وجود بديل له بين المرشحين والفجوة واسعة جدا بينه وبين الآخرين، فلا يوجد بين المرشحين شخص يمكن وصفه برجل الدولة وفقا للمعني المتعارف عليه لرجل الدولة، فهناك هوجة من التطلعات حدثت بعد ثورة 25 يناير جعلت كل من هب ودب يري نفسه جديرا بحكم مصر، طبعا من حق كل مواطن الترشح والتطلع للمنصب ولكن عند التقييم يظهر الغث من الثمين، وقد وجد الناس غثا كثيرا علي الساحة فاقبلوا علي السيسي. 15-وأخيرا سندعم السيسي للرئاسة لأن هذا يصب في مصلحة مصر وليس في مصلحته شخصيا، فالسيسي كان من الممكن أن يظل وزيرا للدفاع ويبقي في مخيلة الناس كبطل تاريخي إلا أنه فضل الدخول إلي معترك السياسة التي سيطوله شرورها ونقدها ورذاذها، خاصة بعد تفاقم المشكلات وأرتفاع سقف تطلعات الناس لدوره المقبل، ومن هنا فأن العمل السياسي عبئا عليه ولكن في صالح مصر بالتأكيد في ظل هذه الفترة الصعبة المضطربة. وجب التنويه أن التنظيم الدولي للاخوان يصور السيسي للعالم علي أنه بوينشيه آخر، في حين يريده الإسلاميون نسخة من ضياء الحق يعمل علي أسلمة الدولة والجيش، ويري فيه الناصريون روح عبد الناصر المستنسخة ، أما نحن فنريده رجلا من طراز إيزنهاور وديجول وتشرشل، هؤلاء الرجال العظام الذين انتصروا لبلادهم في الحرب وفي معركة بناء دولة ديموقراطية عصرية حديثة. إن السيسي بلا شك يمثل رئيس مرحلة الخوف، الخوف علي مصر من الفوضي وعدم الأستقرار ومن المؤامرات ومن تفكك الدولة ومن الإرهاب ومن الإنهيار الأقتصادي ومن خطر وشر الإسلاميين المتطرفين، ولكن نأمل أن يتحول من رئيس مرحلة الخوف إلي رئيس مرحلة الآمل، ولكي يحدث ذلك ولكي ينجح كرئيس فأن هذا يتوقف علي البعد عن كل الأمور التي تفسد الرؤساء والملوك، عليه البعد عن المنافقين الإنتهازيين الآفاقين الذين يصفون برجال كل العصور، وهم يمثلون الخطر الأكبر علي أي رئيس. عليه أن يأخذ مسافة بعيدا عن السلفيين برؤيتهم المنغلقة وأجندتهم المتخلفة الغارقة في الماضي ولا تري المستقبل.عليه كذلك البعد عن الشلل السياسية التي تلتف حول كل رئيس وتصبح مثل طبقة الكلسترول الردئ التي تعزله عن الشعب حتي تغلق شرايين الحكم فيموت بالسكتة القلبية.عليه أن لا يجامل رجال الأعمال الفاسدين علي حساب مصالح المواطن الغلبان، نعم يشجع رجال الأعمال الملتزمين المجتهدين ولكن في نفس الوقت يحاسب بقوة الفاسدين.عليه إغلاق ما يسمي ملف المصالحة تماما، فمن يرغب في العمل السياسي عليه أن يخضع لشروطها المدنية، أما جماعة الاخوان ومكتب الإرشاد والسعي للخلافة فهذه أمور ابعد ما يكون عن العمل السياسي الصحيح. عليه أن يراعي العدالة الأجتماعية قولا وفعلا وليس كما كان يكرر مبارك. عليه كذلك تبديد مخاوف المصريين من عودة الحكم العسكري الذي كان يحشو المؤسسات بضباط الجيش والشرطة مما يحرم الكفاءات من قيادة الدولة. علي السيسي دورا مهما في ترميم الوحدة الوطنية والمواطنة من أثار عصري السادات ومبارك. عليه أن يراعي كرامة وحقوق المواطن المصري ولا توهمه الأجهزة الأمنية أن أنتهاك حقوق البشر شئ ضروري للمحافظة علي حكمه كما أوهموا من سبقوه. عليه أن يبعد الدين عن السياسة وشرورها وأن يكون هناك خطا فاصلا بين الروحي والسياسي وبين ما لله وما للبشر. إن هذا التأييد الجماهيري الكاسح للسيسي مهم جدا ولكنه غير كاف لنجاح مهمته كرئيس، فعليه أن يتبع كتالوج النجاج ومسار التقدم الذي سلكته الدول الناجحة، وأن يختار فريق عمل كفء وعلي مستوي المسئولية، وقتها سينجح السيسي في أحداث نقلة نوعية لمصر ستدخله التاريخ كما دخله بحروف من نور بعد ثورة 30 يونيه.