يواكب هذا اليوم الموافق الثالث من فبراير ذكري رحيل سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم لتصبح الذكري رقم 39 لرحيلها عن دنيانا في فبراير عام 1975، وتأتي تلك الذكري العطرة ومصر تمر بأدق وأصعب مراحلها لتكوين شعبها بإرادة صلبة دولته الجديدة وبمساندة وطنية من كل مؤسسات الدولة وعلي رأسها المؤسسة العسكرية التي أحبتها أم كلثوم وأخلصت في العطاء لأجلها وأجل الوطن وأجل العروبة من خلال أغانيها الوطنية التي عايشت الشعب في أصعب لحظاته وثوراته، بل ولا ننسي سفرها خارج مصر للدول العربية والأجنبية للاستقواء بتلك الدول من أجل القضايا المصرية. ومن أجل رفع اسم مصر عاليا ومجمعه أيضا ومساندة بالمال والجهد والعرق لدعم المجهود الحربي لدعم قواتنا المسلحة المتمثلة في قائدها الرئيس الراحل عبد الناصر ومن ورائه الرئيس السادات ورموز مصر الوطنية فاستحق أن يكون هذا الصوت العظيم مخلدا كخلود الأهرامات لأن صوتها يعبر عن مجد وشموخ كل الحضارات المتعاقبة علي مصر ويعبر عن عاطفة شعبها وشموخ وعزة أبنائها وقدم نيلها ولهذا كانت درسا في الغناء والطرب والموسيقي وملهمة للمشاعر وعواطف النفس الإنسانية. كما اختصت في أغانيها المصريين بنزاعات عاطفية خاصة تميزهم بطبيعة أدائها من خلال حفلاتها الغنائية عن غيرهم من الشعوب الأخري ولا يمكن أن ننسي لها وهي تطل علينا الآن بذكراها ونحن نتطلع لرسم خطانا للمستقبل وتحدي الخارجين من خوارج الوطن دورها المثالي والبطولي في الوطنية المصرية وتبرعها بحفلاتها ومصاغها وكل ما تملك وتطويعها للكلمات والأداء الحماسي من أجل مصر التي لا يمكن أن ينكر جاحد ما فعلته تلك السيدة المصرية العظيمة لأجل وطنها. وإذا ما نظرنا لها كمطربة نجد أنفسنا أمام نمط متميز وفريد لظاهرة موسيقية لم يسبق نظير لها لصوتها القوي بطبقاته الصوتية التي لم يصل إليها أحد، ففي أغانيها الوطنية طوعت صوتها المليء بالمشاعر والأحاسيس الجياشة فاستطاعت أن تنفذ إلي قلوب المصريين والعرب كما ينفذ رصاص المعارك إلي الأعداء حتي أمدتهم بالشحنات المعنوية والإرادة الصلبة التي جعلتهم ينتصرون في مواقفهم الصعبة علي الشدائد، وفي أغانيها التراثية أجادت في التغني بالتراث الحضاري المصري وأهم معالمه فشحذت في النفوس وملأتها بالعزة والكرامة والشموخ التي جعلت المصريين يتحلون بها. وفي أغانيها الدينية المختلفة التي عبرت من خلالها عن الذكريات والأعياد والمناسبات الدينية شحذت في النفوس المؤمنة الورع والتقوي والتمسك بالشعائر الدينية والتقرب إلي الله ورسوله وبخاصة أغانيها المتفردة في المديح والإنشاد الديني التي تعتبر ملاذا ومخرجا للمصريين وعلاجا من كل ضيق وألم وصولا إلي حالة من الغبطة والفرج. وفي أغانيها العاطفية أجادت وأكثرت وعبرت في مجمل تلك الأغاني عن كل نزاعات النفس الإنسانية ومن كل أنواع المواقف والمشاعر العاطفية فتفوقت علي شكسبير وكثير من كتاب وأدباء العالم الذين اهتموا في إعمالهم لإبراز تلك المشاعر حتي صارت كل أغنية لأم كلثوم أوبرا متميزة في حد ذاتها. ولم لا وهي التي كانت تختار كلماتها فغنت لكبار الشعراء المصريين والعرب وغيرهم من فطاحل شعراء الدول المختلفة فأشهرتهم، ويرجع حبها للكلمة واختيارها لها بسبب حبها وانطلاقها من حفظها للقرآن الكريم وقراءتها الكثيرة لدواوين الشعر الشهيرة التي أعطاها لها أحمد رامي في حينه حتي امتلكت محصلة لغوية كبيرة ويأتي الشعر عندها في المرتبة الأولي حتي جاء السنباطي فاهتم أيضا بأهمية لحن الكلمة قبل الجملة فتوافقت عبقريته مع عبقرية أم كلثوم وحققت أغانيها وقصائده نجاحا منقطع النظير. لقد كانت أم كلثوم للمصريين السلوي والسعادة في الصبح والمساء وجمال لياليها وحفلاتها الموسيقية التي كانت تملئ مصر بالمرح والبهجة داخل الأسر المصرية وتحدث رواجا فنيا وتجاريا وثقافيا منقطع النظير كما جمعت بحفلاتها جميع أفراد الشعب وجمعت كل الطبقات حولها وأعطتهم جميعا حقهم الإنساني في الاستماع وساعدت بذلك علي بث روح وثقافة التذوق الفني والتربية الموسيقية بداية من الطبقات الدنيا وصولا إلي الطبقات البرجوازية، كما ساعد وجودها بتلك القوة في الساحة الغنائية خروج الكثير من المواهب الغنائية المتعددة التي تمسكت بتلك القوة وحققت نجاحات تسببت أن يسمي عصرهم بعصر الغنائي الذهبي دون أن ينازعها أحد، أما القوات المسلحة علي الجبهة فكان لهم من أم كلثوم العطاء الوطني الكبير طوال فترات صمودهم ضد الأعداء. إن أم كلثوم ستظل تعيش بيننا ولن ننساها دوما لأننا نتذكرها أو لنقل أنها دائما ما تكون بيننا في كل مواقف حياتنا ننهل من كنزها الغنائي وقتما نشاء ولا ننسي أنها كانت معنا بأغانيها طوال فترات الثورة. رحم الله أم كلثوم التي رفعت وارتقت بمصر عاليا في مجال الموسيقي والطرب والتذوق الفني الذي يميز المصريين عن غيرهم من الشعوب