هذه الأيام تمر ذكري ميلاد سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي اجتمع عليها كل عشاق الغناء في الوطن العربي بالاقبال لحضور حفلاتها وللاستماع لصوتها من خلال الراديو ويعتبرها الكثيرون حالة ثورية موسيقية ارتقت بفن الغناء. في البداية يقول الدكتور "وليد شوشة" رئيس قسم النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون: هي حالة موسيقية ثورية استثنائية استطاعت أن تقوم مقام بوتقة ينصهر فيها مصادر الفن المصري والعربي كالشعر والموسيقي والغناء والإبداع الجماعي عن طريق تأسيسها لمؤسسة فنية سميت أم كلثوم. وبوصفها ثائرة من ثوار الإبداع الفني المصري والعربي علي مدار نصف قرن من الزمان والتي غيرت من وضع شكل المبدعين في مجال الموسيقي والغناء وارتفعت بدور المطرب والمبدع الموسيقي علي وجه العموم مشيراً وفي عالمنا العربي المعاصر ومهدت الطريق نحو آفاق موسيقية كان من الممكن استثمارها لغرض واقع موسيقي مصري عربي يساهم في مواجهة روافد الموسيقي الحديثة ومواجهة اثار العولمة السلبية التي من شأنها أن تذيب الموروث الموسيقي الثقافي المصري وتمحي جانبا من أهم الجوانب الثقافية المسئول عن تشكيل وجدان الشعوب. ومن ثم نحن أمام واقع ثقافي من شأنه أن يحدث تضافرا للجهود الثورية في شتي المجالات وبخاصة الموسيقي باعتبارها مشكلة لوجدان الأمة مستفيدين بأيقونة الغناء المصري الثائرة أم كلثوم. الجدير بالذكر ان د. وليد شوشة كان مديرا لمتحف أم كلثوم حتي وقت قريب. ويشير الدكتور محمد عبدالستار أستاذ الغناء العربي بالمعهد العالي للموسيقي العربية: استمرت في الغناء لأن الله حباها بمساحة صوتية كبيرة جداً بالإضافة إلي قوة الصوت واستخدامها لصوتها بشكل علمي ويرجع ذلك لأنها من مدرسة كبيرة وهي مدرسة المشايخ ومنهم أبوالعلا محمد وزكريا أحمد وأحمد صبري النجريدي ومحمد القصبجي والسنباطي. أضاف بجانب اختيارها لكلمات أغنياتها بشكل جيد وفعال بما يتلاءم مع ثقافتها واختيارها أيضاً للألحان بشكل أكثر من رائع بجانب اضافاتها لبعض الجمل اللحنية وهي تعد أعظم من تضئ بموسيقانا العربية لأنها غنت بجميع القوالب العربية الغنائية وكانت تتفنن بإضافة بعض "العُرب" الصوتية والحليات الملائمة للجمل اللحنية حتي لا يحدث ملل لدي مستمعيها أثناء الأداء. بالإضافة لغنائها في بيئة سمعية مناخها صحي يعتد بفن الطرب. ويؤكد د. زين نصار أستاذ النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون: احتلت أم كلثوم مكانة فريدة في تاريخ الغناء العربي بما تمتعت به من موهبة فريدة وصوت نادر. وكان لنشأتها الأثر الكبير في حياتها الفنية وقد بدأت رحلة الغناء بالغناء الديني الإسلامي الذي يتميز أداؤه دون مصاحبة للآلات الموسيقية ليتم تدريب صوتها تدريبا قويا ساعدها كثيرا عندما انتقلت للأداء الدنيوي فغنت في جميع الموضوعات العاطفية والوصفية والوطنية بجانب الغناء الديني وكتب كلمات أغنياتها كبار الشعراء ولحنها لها عظماء الملحنين مضيفا وقد استمر تربعها علي عرش الغناء علي مدي ما يزيد علي 50 عاما حيث كانت تقدم 3 وصلات غنائية في الأسبوع الأول من كل شهر في موسمها الغنائي "5 ساعات" وكانت حفلاتها تمثل عيدا في الوطن العربي كما كان عشاق فنها يأتون بالطائرات لحضور تلك الحفلات ويغادرون القاهرة في اليوم التالي مشيرا. وقد حرصت أم كلثوم علي أن تغني لشعراء من الوطن العربي وهم الأمير عبدالله الفيصل ونزار قباني وجورج جرداق والهادي آدم وللشاعر الباكستاني محمد إقبال ولقيت العديد من مظاهر التكريم ومنحت من الأوسمة والنياشين الكثير وفازت عام 1968 بجائزة الدولة التقديرية وتبرعت بقيمتها المادية لصندوق معاشات الموسيقيين. وأشار: ولا يفوتنا التنوه بالدور الوطني الذي قامت به بعد حرب 1967 بجولاتها الفنية لدعم المجهود الحربي ذاكرا وبعد 25 عاما من رحيلها قدم عنها مسلسل كوكب الشرق تأليف محفوظ عبدالرحمن ومن إخراج إنعام محمد علي وفيلما يحمل اسمها من إخراج محمد فاضل وفيلما تسجيليا فرنسيا عن حياتها وقد رحلت عن عالمنا عن عمر يناهز 77 عاما تاركة لنا تراثا غنائيا فيما يعتبر مدرسة كبري لكل من يريد أن يتعلم فن الغناء أو التلحين أو العزف علي آلات الموسيقي العربية. أما الدكتور أحمد سعد الأستاذ بقسم الغناء بمعهد الموسيقي العربية يقول: تعتبر أم كلثوم قيمة فنية كبري والأمة العربية فهي التي أشعلت العاطفة الوطنية والقومية والعاطفية في سمو ورقي وهي من حيث القيمة لا تعوض ولا تقدر بثمن. نرجو من الزمان أن يجود بمثلها لأنها تعتبر الصوت القوي المتمكن من كل أدواته الفنية لامتلاكها القدرات الهائلة في الصوت من حيث الأداء والتعبير والمساحة والدرجات الحادة "السبرانو" والقرارات وهي الطبقات الغليظة "الكونترالطو" موضحا. وقد ساعدها في تمكنها من الأداء حفظها للقرآن الكريم بجانب حفظها للتواشيح الدينية علي يد الشيخ "عبدالرحيم المسلوب" وقد تتلمذت علي يديه ومشايخ آخرون حيث كانت تجوب النجوع والقري بريف مصر وهي طفلة وتغني بغير ميكروفونات مما ساعد في أن يكون صوتها قوي لكل الحضور لغنائها وقد تطور الأداء لديها بما واكب العصر وتعانق صوتها مع ألحان محمد عبدالوهاب وأطلق عليه لقاء السحاب وكان ذلك بتوصية من الزعيم الخالد جمال عبدالناصر. ويروي د. صلاح قنصوة أستاذ علم الجمال بالمعهد العالي للنقد الفني جانبا من الذكريات وكيف ارتبط بحضور حفلاتها: "أسعدني الحظ بحضور حفلاتها بدار سينما قصر النيل ومسرح الأزبكية بداية من عام 1967 وأنا صغير وكان سعر التذكرة لحفلها جنيهان وكنت أجلس في الصف الثالث بجنيه وأحيانا كنت ألتقي بها بين الوصلات الغنائية للسلام عليها وكان السلام عليها عادة تقبيل اليد ويذكر كانت تربطها صداقة حميمة بحماتي وكنت أراها تغطي عينيها بنظارة سوداء فترة الاستراحة بين وصلاتها الغنائية وأول مرة أراها خارج مسرح الأزبكية اندهشت كثيرا لضآلة جسمها ويدها صغيرة جدا وكان هذا عكس تصوري قبل رؤيتها مضيفا. وكانت أم كلثوم بالنسبة لنا تمثل أحد المقررات الدرامية لكل مواطن مصري وحاجة اجتماعية نحرص علي سماعها يوم الخميس الأول من كل شهر. وتري الدكتورة ماجدة سعدالدين الفنانة التشكيلية والشاعرة والأستاذة بأكاديمية الفنون: أحبت فنها وأخلصت واجتهدت ولكونها ريفية تعمق بداخلها الشخصية المصرية بكل أبعادها. مشيرة وأعتقد أن الذي كان وراء تفردها واعتلائها عرش الغناء هذا الشموخ والسمو في وقتها لاختيار كلمات أغنياتها وملحنيها مما جعلها في مكان الصدارة دائما حتي بعد رحيلها عن عالمنا ومدرسة يتعلم منها كل من له صلة بفن الغناء والسمو الفني!