هذا التراث الإنساني الجميل، الذي تركته لنا إرثاً مصرياً خالصاً، شاركنا فيه كل الشعب العربي، والناطق للغة العربية، والفاهم للموسيقي الشرقية هذا الإرث العظيم، تركته أم كلثوم ورحلت عن عالمنا في «3 فبراير 1975»،ولكن هذا الإرث العظيم، وهذا التراث الخالد، يجوب في وجدان الأمة، صوتاً ولحناً وكلمات مختارة بعناية، يجوب هذا التراث كل مناسباتنا العاطفية والوطنية، وربط هذا التراث العقل بالقلب، وأشع وما زال يشع بالإيمان حين تطرقت بفنها بمدح الرسول عليه الصلاة والسلام، لقد عاشت أم كلثوم في وجدان الشعب فاستحقت لقب «فنانة الشعب»، وعاشت ساطعة في الشرق كله فاستحقت لقب «كوكب الشرق». أم كلثوم، هذه الإنسانة البسيطة كيف أتقنت فنها، وكيف احترمت عملها، وكيف استطاعت أن تكون رمزا من رموز هذا الوطن، نفخر بها ليس من باب التباهي فقط، ولكن لتحفظ في ذاكرة الأمة، لكي تبقي علي الجذوة التي اشتعلت حيناً، فأضاءت العالم، وتوارت برحيلها ولكنها أبدا لم تنطفئ. أم كلثوم تغنت بالحب والوطن وبالدين، فرسخ الحب في قلوب العاشقين، وقادت الوطن في كل محنه وانتصاراته - وشغفت القلوب بمديحها للرسول الكريم وولادة الهدي في العالمين. ولعل وصف «أحمد شوقي» أمير الشعراء لها: «ما كلام الأنام في الشمس ألأنها الشمس ليس فيها كلام» وقال فيها الأديب «عباس محمود العقاد»: «معاني الكلثوم في العربية متعددة ومنها الحرير الذي يوضع علي رأس العلم - أم كلثوم إذن هي راية متوجة بالحرير» وقال فيها «توفيق الحكيم»: «أم كلثوم كانت هي الإتقان، فقد كانت تؤدي كل قصيدة وكل أغنية وكل لحن ونغم، الأداء الكامل المجيد، فما شعر سامع قط أن أداءها في حاجة إلي مزيد - إنها صنعة «الفنان الأصيل». وقالت فيها مجلة «التايم الأمريكية»: «في الشرق الأوسط شيئان لا يتغيران ولا ينال منهما الزمن، «أم كلثوم والأهرامات» «أما فيفيان لي» فقالت عنها «إنها معجزة من معجزات الدنيا». استوقفتني أم كلثوم في مقالي هذا، حزناً علي حاضر ومستقبل غير مأمول في الغناء والطرب والموسيقي، وسعادة غامرة وإحساسا بالغناء بما نملك من تراث، تتفاخر به الأمة بجانب آثارها وزعمائها ورموزها الفكرية والأدبية والفنية والسياسية. رحم الله أم كلثوم، ورحم الله هذا الزمن الجميل.