الانفجار الدموي الإرهابي في محيط مديرية الأمن، الذي أزهق أرواح الأبرياء، مخلفًا وراءه جرحي سيدفع بعضهم ثمن تلك الجريمة البشعة لما تبقي من حياته، تلك الكارثة لم تترك وراءها فقط بشرًا مضرجين في دمائهم وإنما تركت أيضًا مبني المتحف الإسلامي ودار الكتب والوثائق القومية في حالة مؤسفة، وكأننا أمام طعنة مزدوجة نالت من البشر والحجر في آن واحد، فهذا المبني العريق الذي يضمهما هو في حد ذاته أثر تاريخي تم إنشاؤه في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني وافتتح عام 1903، حيث أصبح هذا المبني بعد انتهاء ترميمه وتطويره أكبر متحف إسلامي في العالم وأصبحت دار الكتب والوثائق القومية أحد المعالم الحضارية الضخمة التي تضم بين جنباتها أخطر وأهم المخطوطات والخرائط التاريخية التي حفظت ذاكرة مصر والعالم العربي. وكان أحدث ترميم وتطوير للمتحف قد انتهي عام 2010 دون أن تدفع الآثار للمقاول الذي نفذ التطوير كامل مستحقاته التي تبلغ 107 ملايين حتي الآن لعدم تسلمها المتحف تسلمًا نهائيًا، حيث سيتعين تطويره وترميمه بمبالغ طائلة هذا المتحف الذي دمرت بالكامل بنيته الأساسية من كهرباء وتكييف وشبكة مياه كما اكد المسئولون، وأثيرت حول تكلفة ترميمه الشبهات في زمن الملايين التي أهدرها قطاع المشروعات برئاسة علي هلال مدير القطاع الذي لم يحاسبه أحد حتي الآن علي عشرات المشروعات التي تمت فترة توليه منصبه ونشرت الصحف مستندات بشأنها تشيب لهول ما بها رؤوس الولدان، وإذا كان المتحف الذي لا تملك وزارة الآثار دفع باقي مستحقات مقاول ترميمه بينما دفعت مؤسسة أغاخان ل'أدريان' الذي جاء من اللوفر ليصمم العرض المتحفي حيث أهدر بمفرده 2 مليون يورو ثمن أوراق البيانات التي توضع بجوار الأثر لتعطي الزائر معلومات عنه والتي اكتشف أن ما بها من معلومات خاطئ وهو ما أدي إلي عدم استخدامها، باختصار يمكن بسهولة إدراك أن القيمة الفعلية لما انفق علي المتحف قد تفوق بكثير ما ذكر من مبالغ، وإذا كان من قام بتفجير السيارة مجرمًا فإن اغتياله لمقتنيات المتحف التي دمرت هو فعل ضد كل الأعراف والقوانين الدولية لحماية التراث الإنساني. كان المتحف الذي ينتظر معاينة معمارية للتأكد من صلاحيته معماريا هو أهم متحف للفنون الإسلامية في العالم بينما يأتي في المرتبة الثانية بعده المتحف التركي وإذا كان ما حدث من انفجار قد أدي إلي انفجار شبكة المياه فأتلفت ثلاثة برديات في دار الكتب والوثائق القومية وتركت مقتنيات أخري مخربة لكنها قابلة للترميم كما أجبرت حالة المبني علي نقل المحتويات إلي دار الكتب بكورنيش النيل، إذا كان الأمر كذلك مع دار الكتب والوثائق القومية فإن الخسارة أفدح في متحف الفن الإسلامي الذي سقط سقفه المعلق وكان ضمن محتوياته مشكاوات زجاجية ترجع للسلطان حسن، وأوانٍ فخارية ومقتنيات أخري خشبية وزجاجية تلف بعضها إلي غير رجعة بينما تحتاج بعض القطع المتضررة إلي الترميم لإعادتها إلي الحياة، ويحتوي المتحف علي ما يقرب من مائة ألف قطعة لا يعرف مصيرها حيث لم تعلن الآثار حتي الآن عن حجم التدمير الحقيقي في مقتنيات المتحف الذي قدمت له ايرينا بوكوفا المدير العام لمنظمة اليونسكو دعما فوريا قيمته مائة ألف دولار 'حوالي سبعمائة ألف جنيه مصر'' لحين إطلاق حملة تبرعات دولية لإعادة المتحف إلي الحياة. ويؤكد د.حجاجي إبراهيم الذي ظل لمدة طويلة عضو مجلس إدارة للمتحفين القبطي والإسلامي وقطاع المتاحف واللجنة الدائمة للآثار الاسلامية والقبطية أن المتحف الإسلامي يضم آثارا من العصور الأموية والعباسية والطولونية والفاطمية والأيبوبية والمملوكية والعثمانية وأسرة محمد علي وتنوعت الآثار ما بين المشكاوات الزجاجية وتحف خشبية كمنابر ومحاريب خشبية متنقلة وبلور صخري وتحف من الرخام ومخطوطات ومنسوجات وعاج ومعادن من أهمها ما كان يعرف خطأ بإبريق مروان ابن محمد علاوة علي الخزف ذو البريق المعدني وخزف مدينة فيومة الذي عرف خطأ بخزف الفيوم علاوة عن ادوات فلكية كالاسطرلاب والكور السماوية وكذلك مجموعة هامة من المقالم والسيوف النادرة منها سيوف ذهبية مرصعة بالجواهر وشواهد قبور إلي آخره كما أن المبني نفسه مسجل في عداد الآثار الإسلامية، ويؤكد د.حجاجي أن الشركة التي قامت بالتطوير لم تأخذ مستحقاتها حتي الآن نظرا لوجود مخالفات تم اثباتها خالفت المقايسة التي وضعت للشركة المنفذة، كما أن شبكة التكييف بالمتحف كانت معطلة، مؤكدا أن المبني كان بناء أثريا ومع ذلك تمت إزالة حوائط حاملة لينفذ فيه تصور المدعو أدريان في العرض المتحفي مؤكدًا أن الأحمال الزائدة بدار الكتب كانت تشكل مشكلة، بينما هون د.أحمد الزيات عضو مجلس إدارة المتحف وعضو اللجنة الدائمة للآثار والمستشار بوزارة الآثار من شأن المخالفات، مؤكدًا ان الأزمة كانت في عدم وجود موارد مالية بالآثار، مؤكدًا أن المتحف به 3 محاريب خشبية متنقلة لا مثيل لها في العالم منها محراب السيدة رقية الذي تهشم في الانفجار، مضيفًا أن الواجهة الرئيسية للمتحف تضم قاعات 8 و9 و10 و11 وهي قاعات التراث المملوكي وأهم ما تتميز به تلك القاعات تحف معدنية منها كرسي الناصر محمد بن قلاوون، أما قسم الخزف فبعض الأطباق الخزفية به أصيبت بتلفيات، كما دمرت تماما الفاترينات الزجاجية الإيطالية وسيتم تشوين كل القطع تمهيدا لترميم التالف ولحين ترميم المتحف، مؤكدًا أن أحدا لم يدخل إلي المتحف إطلاقا بعد الانفجار لأن الأمن غطي البوابة الرئيسية التي حدثت بها تلفيات ولم يدخل أي شخص إلا عند وصول المسئولين، نافيا أي شائعات أكدت تعرض المتحف لسرقات بعد الانفجار، ويؤكد د.حجاجي ان الأثر بحاجة إلي الرعاية والاهتمام، موضحًا أن نتيجة جرد محتويات المتحف، ستظهر عاجلاً أو آجلاً، ولقد كانت المفاجأة التي فجرها الدكتور محمد الكحلاوي أستاذ الآثار الإسلامية بالهجوم علي مجلس إدارة المتحف مؤكدًا أنه قدم نوافذ للمتحف كانت ستحميه مما حدث!! حيث أكد الزيات رفضه لهذا الكلام جملة وتفصيلا مؤكدا انها نوافذ صنعت لشيء آخر غير المتحف وتتكون من سلك 'البقلاوة' الذي سيشوه واجهة المتحف وتضر بحركة زجاج النوافذ كما ستحتاج إلي تكسير في الحوائط لتركيبها وتقليل الضوء بنسبة 20% مؤكدًا أن الاستماع إلي الشائعات غير الموثقة وادعاء شخصيات للبطولة أمر غير مقبول في هذا الظرف الذي يجب ان تتضافر فيه الجهود خاصة ان اللجنة الدائمة للآثار تصدت لهذه النوافذ التي لا تمت للمتحف بصلة. وفي كل الأحوال سواء حدثت أخطاء في العرض المتحفي أو في قبول أدريانو الفرنسي لوضع تصور للعرض المتحفي بينما تدفع له مؤسسة الأغاخان راتبه وتملي عليه ما يفعله في العرض المتحفي لمتحف الفن الإسلامي حتي وصل به الأمر إلي عمل ثلاث قاعات لمقتنيات الفاطميين، وفي كل الأحوال علينا ان نقول ان واضع المتفجرات تسبب في طمس الحقائق داخل المتحف تمامَا كما تسبب في القضاء علي قطع اثرية نادرة في محاولة فاشلة لمحو ذاكرة أمة وإرهاب شعب من أعداء الحضارة حيث يري هذا المجرم الذي حاول اغتيال تلك الذاكرة أن العلم مجرد قطعة قماش بلا قيمة وأن أعظم آثار الوطن أصناما وكأنه أشد ورعا من صحابة رسول الله الذين اتوا إلي مصر فما كسروا تمثالا ولا دمروا أثرا.