انتهت لجنتي الخبراء والخمسين - بعد عملٍ متواصلٍ واداءٍ متميزٍ وجهدٍ مخلصٍ - من إعداد مشروع دستور مصر 2013, وتحدد يومي 14، 15 من هذا الشهر للإستفتاء الشعبي عليه, وانطلقت أجهزة الاعلام الوطنية المتنوعة, للتعريف بالدستور وشرح مواده وحث المواطنين للمشاركة بكثافةٍ وإيجابيةٍ في الاستفتاء المنتظر الذي يرقبه العالم كله, بإعتباره حدثاً تاريخياً في دولةٍ محوريةٍ تمثل ثقلاً ملموساً في حركة التاريخ واتجاهات السياسة الدولية. وفي واقع الامر, فإن كثيراً من أجهزة الاعلام جانبها الصواب في كيفية تناولها لهذا الموضوع, حيث راح البعض يروج للدستور كمجرد أنه بديلٌ لدستور جماعة الاخوان الارهابية التي لفظها المجتمع, وهذا قولٌ وإن كان فيه شئٌ من الوجاهة, إلا أنه لا يصلح بذاته فقط ليكون مبرراً لقبول الدستور الجديد, كما ان المتحدثين به كثيراً ما تتغلب نوازعهم الشخصية وكراهيتهم للجماعة, علي موضوعية الحوار, بما ينعكس أثره علي المتلقي بنتيجةٍ سلبيةٍ, وهو امرٌ في غاية الخطورة يجب الانتباه اليه, وإدراك الموروث الثقافي المتأصل في الشخصية المصرية. أما البعض الاخر من أجهزة الاعلام - وخاصةً قنوات التلفزيون المصري - فقد انتهج سبيل السرد لمواد الدستور, تارةً بشرح ساذج لها, لا يليق بألقاب المتحدثين به, ولا يجدُ قبولاً او احتراماً لدي المتلقين من المتخصصين ونخبة المهتمين بالشأن العام, وتارةً اخري يكون السرد مجردَ قراءةٍ لنص المواد وترديدٍ مسموعٍ لها, دون إدراكٍ من المتحدث لمعني النص الدستوري ومبرره واثره العملي ومدي تميزه عن مثيله من النصوص الدستورية السابقة, فيصيرُ الحديث حينئذٍ وكأننا في أحد كتاتيب القرية القديمة. وفي جميع الاحوال, فإن الاستغراق في مجرد سرد مواد الدستور علي هذا النحو, بغُيةَ الترويج له وابراز جوانبه المضيئه, يمكن أن يصيب عامة المواطنين وخاصتهم, بقدرٍ من التشويش أو التخبط, مع قدرٍ من الصدود أو الملل. أعود بعد هذه المقدمة, الي حقيقتين لا أعتقد أن أحداً يختلف عليهما, الاولي أن أيَّ عملٍ بشري لا يمكن أن يكون كاملاً من جميع النواحي لأن الكمال لله وحده تعالي شأنه. والثانية أن تلك الوثيقة الدستورية التي نحن بصددها, ومهما كانت جودتها وبراعة القائمين بإعدادها, فإنها لن تظل دائمةً لفترةٍ طويلة, وإنما ستكون حتماً محلاً للتعديل بعد بضع سنوات, شأنها شأن دستور 2012, وذلك لسببٍ بديهي بسيط, وهو أنها وليدة مرحلةٍ طارئة مضطربة, ومن ثَمَّ فإن طبائع الامور ستفرض افراز دستورٍ جديدعند تعافي الدولة واستقرارها وانتظام حركتها الإجتماعية والسياسية. تأتي بعد ذلك الرؤيةُ الموضوعية - من وجهة نظري - للإستفتاء القادم بإذن الله, والذي لا أراه إستفتاءً علي الوثيقة الدستورية, بقدر ما هو إستفتاءٌ علي وعي وإرادة الشعب وثورته الرائده التي فجرها في 30 يونيو 2013. فقد استطاع في ذلك اليوم, وبقدراته الوطنية الخالصة, أن يوحد إرادته, ويحتشد باغلبيته الساحقة, وبكل اطيافه وطوائفه, ليصنع ثورةً حقيقيةً بكل المعاير السياسية والتاريخية, فكانت بحق ثالث الثورات في تاريخ مصر الحديث بعد ثورتي 19 ويوليو 52. إن هذه الثورة التي زلزلت العالم بأسره, وفرضت إعادة النظر في موازين القوة, ومراجعة اعتبارات التوازن بين مختلف القوي الاقليمية والعالمية, وهي الثورة التي لا ينكرها إلا جاهلٌ او حاقدٌ او عدوٌ او خائنٌ, ورغم أنها عبّرت عن نفسها بجلاء بالطوفان الجماهيري المؤيد للسلطة الحاكمة يوم 26/7/2013, إلا انها ظلت في حاجةٍ الي توثيقٍ رسمي لإرادة هذا الشعب العظيم, وهنا يأتي الإستفتاء القادم علي الدستور, لتكون الموافقة عليه بمثابة التوثيق الرسمي المطلوب للثورة, والرد الدامغ علي اعدائها, والدرع الواقي للوطن ضد كل اصناف التآمر عليه. إن الإستفتاء القادم, سيكون في حقيقته إستفتاءً علي ثورة يونيو والاستمرار في طريق تحقيق أهدافها وأهمها ما يلي: '1' اسقاط المخطط الامريكي - الصهيوني لتدمير وتقسيم الدولة المصرية. '2' التحرر من كل اشكال الهيمنة والتبعية, وتأكيد الاستقلال الوطني من خلال إعادة تقييم ومراجعة وتقنين كل علاقتنا الدولية. '3' القضاء علي كل أعوان وأذناب وأدوات القوي المعاديه داخل الوطن. '4'المحافظة علي أمن الوطن وسلامة اراضيه, ومحاربة الارهاب واقتلاع جذوره, والتصدي بقوةٍ وحسم لكل ما يهدد الأمن القومي. '5' إستعادة الهوية المصرية وتعضيد أواصر الوحدة الوطنية وترسيخ دعائم الإنتماء الوطني. '6' تأكيد وتفعيل إنتماء مصر لعالمها العربي والاسلامي وإستعادة الرياده المصرية في محيطها الاقليمي. '7' إعلاء قيم الحرية وإقامة حياة ديمقراطية صحيحة. '8' محاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية. أعود فأكرر أن الاستفتاء القادم في جوهره سيكون علي ثورة مصر من أجل استقلالها وإعلاء كرامتها وبناء مستقبلها المشرق المنشود, ولذا فإن أعداء الوطن يحشدون لمنع الاستفتاء او للتصويت علي الدستور بالرفض, ولكن ابناء الوطن المخلصين يعرفون طريقهم الصحيح, ويملكون من الوعي والاراده ما يدفعهم بالتصويت بنعم لمستقبلهم الواعد بالامن والخير والتقدم والازدهار.