المصدر التشريعي لأي قانون هو الذي يحدد قوته الإلزامية ..كما أنه يحدد درجته بين القوانين ..فحينما يكون مصدر القانون هو الشعب كله كما يحدث في الإستفتاء مثلاً..فإن القوة الإلزامية لهذا النص المستفتي عليه تسمو علي سائر القوانين و تعلو عليها ..بإعتبار أن مصدرها هو الشعب نفسه و من هنا فتكون الإستفتاءات عادة علي النصوص الدستورية و علي الأمور ذات الطابع الجلل ...ثم يأتي بعد ذلك القانون الذي يكون مصدره البرلمان و يعد هذا القانون الذي يصدر من المجلس التشريعي ( البرلمان) هو المرتبة الأقل من حيث القوة الإلزامية ..فلا يجوز له أن يخالف الدستور ..ثم تأتي بعد ذلك اللوائح من حيث الترتيب التي يكون مصدرها الإلزامي هوإرادة الجمعيات العمومية للمؤسسة أو مجالس الإدارات المختلفة و بإنزال هذه المقدمة علي ما تم في إستفتاء 19 مارس بشأن بعض التعديلات الدستورية فإننا نقول أن هذه التعديلات قد إكتسبت القوة الإلزامية الناشئة عن إرادة الشعب مما جعلها في مرتبة الدساتير التي لا يجوز مخالفتها ...فألصقت هذه التعديلات بدستور 1971 و نصوصه من حيث القوة الإلزامية فكانت في مرتبة الدستور الذي لا يجب أن يخالفه أحد .. إلا أن المجلس العسكري و عقب هذا الإستفتاء مباشرة قام بإلغاء دستور 1971 كله بتعديلاته ثم عاد المجلس العسكري ليصدر إعلاناً دستورياً جديداً في 30 مارس 2011...تضمن بعض المواد المطابقة من حيث النص لما تم الإستفتاء عليه في 19 مارس و كان ذلك في 30 مارس 2011 ... فهل تكون القوة الإلزامية لهذه النصوص نابعة من مصدرها و هو المجلس العسكري أم تكون نابعة من الإستفتاء الذي تم عليها في 19 مارس 2011؟!.. ذلك أنه في الحالة الأولي لا تكون لهذه النصوص قدسية الدساتير و لا حصانتها أما إذا كانت هذه النصوص قد استمدت مصدرها الإلزامي من الإستفتاء فإنها تكون في حصانة الدساتير و قوتها الإلزامية.. وإنطلاقاً من ها المعني فإنه يجب التركيز علي عدة نقاط بشأن ما انتهي إليه إستفاء 19 مارس الذي أسفر عن ميلاد بضع نصوص دستورية جاءت تعديلاً للدستور المصري الدائم الصادر في عام 1971 ... فأما عن النقطة الأولي ..فإن التعديل الذي تم إستفتاء الشعب عليه إنما هو تعديل لنصوص بعينها تم النص عليها في دستور بعينه و هو الدستور الدائم الصادر في عام 1971... و ينبني علي ذلك أن إلغاء الدستور المشار إليه إنما يعني إلغاء التعديلات المرفقة و الملحقة بنصوصه .. النقطة الثانية وهي أن إعادة إدراج النصوص بذاتها و التي كانت من حيث الميلاد تعديلاً لنصوص دستورية وردت في دستور 1971 الذي تم إلغاؤه ,لا يعطي لها القوة الإلزامية الصادرة من الإستفتاء و لا يمنحها تميز النص الدستوري الذي وافق عليه الشعب كتعديل لدستور 1971 و إنما تكتسب هذه النصوص قوتها الإلزامية الجديدة من قوة سلطات المجلس العسكري في التشريع..و التي هي قابلة للتعديل أو الإلغاء حسب إرادة المجلس العسكري , و بحكم أنها سلطات إستثنائية يحق للمجلس العسكري إستخدامها بتفويض من الشعب .. النقطة الثالثة ..أنه و بناء علي ما سبق فلا يجوز الحديث عن المواد المستفتي عليها في 19 مارس إلا بحكم كونها تعديلات دستورية طرأت علي دستور 1971 و قد تم إلغاؤها بإلغاء هذا الدستور ثم أعاد المجلس العسكري إدراجها في الإعلان الدستوري..ولا يعد ذلك من قبيل الجدل الذي لا ينبني عليه العمل...بل إنه يترتب عليه عمل كبير لا سيما في إمكانية إلغاء أي مادة من هذه المواد أو الطعن عليها فهي بصدورها من المجلس العسكري و بالأمر العسكري إنما تعد من قبيل الدرجة الأدني من الدستور المستفتي عليه من الشعب و تعد أيضاً من تشريعات الضرورة التي يجوز الإعتماد عليها مؤقتاً بعد أن قام المجلس العسكري بإلغاء دستور 71 إستجابة للثورة و أما عن النقطة الرابعة فهي تدور حول إمكانية الطعن أو المطالبة بإلغاء كل أو بعض النصوص التي كان قد تم الإستفتاء عليها ثم ألغيت بإلغاء دستور 1971 ...كما يمكن الحديث عما أصاب الإستفتاء من عوار موضوعي كنا قد أشرنا إليه في أبحاث سابقة أما الآن فيمكن إلغاء تلك النصوص دون أن نتعرض لقوة الإستفتاء أو نصطدم بها...فعلي سبيل المثال فقد ورد في الإستفتاء نصوص متباينة إلا أن الشعب قد أجبر علي التصويت علي النصوص بطريقة الإجمال ..و هذا عيب دستوري خطير..إلا أن الأخطر من ذلك هو أن تشتمل النصوص المستفتي عليها علي نص يصطدم بالمستقر من القواعد الدستورية ذلك أن المادة 28 من الإعلان الدستوري والتي تمنح لجنة الإنتخابات الرئاسية وهي لجنة إدارية بالطبع -حتي ولو تكونت من قضاة- فيمنحها حصانة لكل ما تتخذه هذه اللجنة من قرارات ...حتي ولو كانت قرارات واضحة البطلان فهي نافذة رغم أنف الجميع ..ولهذه اللجنة صلاحيات واسعة..فلها أن تحدد مكان اللجان و عددها و طريقة التصويت ثم لها أن تستبعد من تشاء من المرشحين دون معقب ..ذلك أن إختصاصها يبدأ من تاريخ فتح باب الترشيح و حتي إعلان نتيجة الإنتخابات...وكل هذه الصلاحيات تم منحها لهذه اللجنة الإدارية دون أي رقابة من القضاء لقرارات اللجنة و قد استهدف من صاغ هذه المادة أن يجعل لها كل الصلاحيات حتي صلاحية الفصل في الإختصاص لنفسها..فهي تفصل في إختصاصاتها لصالح نفسها و كذلك لم يكلفها حتي مشقة إخطار المواطنين بالقرارات الصادرة منها ..فجعل قراراتها نافذة بذاتها دون أي إعلان ...ولا يمكن و الحال كذلك – وفقاً للنص- وقف تنفيذ قرارات اللجنة أو الطعن عليها أو حتي الإعتراض بأي صورة ..و من هنا فإن هذه اللجنة هي التي تحدد شخص رئيس الجمهورية وليس الشعب ..فإذا ماقامت اللجنة بإستبعاد من تراه ..بقرار باطل فإن الشعب كله لا يمكنه الطعن علي هذا القرار الباطل...و هذا النص المرفوض من الناحية الدستورية ولد مع الأسف مطابقاً لنص التعديلات الدستورية رقم 174 لسنة 2005 والتي كان الرئيس السابق محمد حسني مبارك حريصاً علي صياغتها بهذا الشكل المعيب حتي يضمن إستبعاد من يراه من المرشحين ...ثم تم نقل النص بعيوبه و بصياغة أسوأ من سابقتها في التعديلات الدستورية التي تم الإستفتاء عليها في 19-3 ..مما أسبغ عليها حصانة دستورية رغم تعارضها مع الشريعة الإسلامية التي لا تجيز تحصين أي قرار أو حكم قضائي من الطعن عليه فضلاً عن دستور 71 الملغي نفسه والذي نص علي عدم جواز تحصين القرارات الإدارية من الطعن عليها ... الخلاصة إذن و النتيجة المترتبة علي ذلك أنه بإلغاء دستور 71 يتم إلغاء المادة 28 المشار إليها بكل ما بها من عيوب ...وكذلك سائر المواد المستفتي عليها ..و يترتب علي إعادة إدراج هذه المادة بقرار عسكري في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 , إمكانية المطالبة بإلغاءها دون أن نصطدم بالإستفتاء المشار إليه .. النقطة الأخيرة أنه لا يجوز لأحد أن يتمسك بالإستفتاء الشعبي عند مواجهة الآخر عند الحديث عن المصدر الإلزامي للنصوص المستفتي عليها في 19 مارس 2011 ..ذلك أن الإستفتاء علي هذه المواد جاء كإستفتاء علي تعديل النصوص الواردة في دستور 1971 ...ثم قام المجلس العسكري بإلغاء هذا الدستور و تعديلاته ...فشمل الإلغاء تلك التعديلات التي كان مصدر الإلزام فيها الإستفتاء الشعبي طالما أن الإلغاء كان لاحقاً للإستفتاء و إذ يعود المجلس العسكري إلي إدراج هذه النصوص من جديد بمقتضي الإعلان الدستوري الصادر منه في 30 مارس 2011 ..فهو بذلك يجعل مصدر القوة الإلزامية للنصوص هي إرادة المجلس العسكري و ليست إرادة الإستفتاء الشعبي...حتي و لو تطابقت النصوص التي تم إدراجها في الإعلان الدستوري مع النصوص التي تم التصويت عليها كتعديل لدستور 71 و ذلك لأسباب عديدة منها : 1- أن الإستفتاء حينما يصدر علي تعديلات لدستور 71 فهو يكون مرتهناً بواقع و طبيعة هذه التعديلات وبحكم أنها تعديلات لدستور كان و مازال حياً...في ذلك الوقت...حتي و لو كان معطلاً و تكون النتيجة للتصويت العام مرتهنة بوضع أن الشعب قد وافق علي تعديل لنص رأي أن هذا التعديل هو الأفضل في ضوء ما تم عرضه عليه من معطيات الإستفتاء ..وفي ضوء أنها مجرد تعديلات مؤقته..أما أن يتم نقل هذه الموافقة المرتهنة بظروفها إلي واقع آخر أو إعتبارها تشريعاً أصلياً ..ثم يتم إستعارة ما تم من موافقة عليها بإعتبارها تعديلات لدستور سابق !! فهذا لا يجوز وفق الأصول الفقهية و القانونية . 2- أن التعديلات تلازم النص الأصلي وجوداً و عدماً فعلي سبيل المثال لو أصدر البرلمان تشريعاً بتعديل بعض مواد القانون المدني فإن هذه التعديلات تظل مصاحبة للقانون المدني الساري ...وفي حالة إلغاء القانون المدني الساري أو تغييره ..تفقد التعديلات صفتها الإلزامية كتشريع صادر من البرلمان ..ثم إذا حدث أن أصدر أحد الوزراء المختصين قراراً وزارياً يحمل نفس التعديلات التي قد تم إلغاؤها و بنفس نصوصها ..فلا تكتسب هذه التعديلات قوتها التشريعية البرلمانية لأن مصدرها الإلزامي هو القرار الوزاري و لا تنسب إليه قوة البرلمان الإلزامية ذلك أن القانون الذي تم إلغاء نصوصه و ما صاحبه من تعديلات يفقد صفة الإلزامية الناشئة عن البرلمان أي من جهة المصدر حتي ولو تم إعادة صياغته بنص مطابق صادر من درجة أقل , و هو ما حدث تماماً في الإستفتاء مختار نوح Web Site: www.mokhtarnouh.com E-mail: [email protected]