طالما تندَّر الناسُ- ويتندَّرون- بأصحاب الدعاوي العريضة، التي يدَّعيها مَن يفتقر إلي العقل السليم، ممن يتعالمون، ويشمخون، ويستطيلون علي خلق الله، بالأصوات المبحوحة، والحركات البهلوانية، وسِباب جميع الرموز، من الأولين والآخرين! والحق أن هذا عبثٌ، لا يُسكَت عليه أبداً، خاصةً أمام شخصٍ لم يكتب صفحةً إلاَّ وهو يتعالم علي الناس، بدعوي التحقيق، والتصحيح، والفهم النافذ، والعقل الرجيح! أو كما يقول الأستاذ/ العقّاد: 'وليس يحتاج الناسُ إلي التحذير من أحدٍ كما يحتاجون إلي التحذير من إنسانٍ يتطاول ويتعالي باسم الأسانيد والمراجع والتاريخ، وهو بهذه الجرأة علي ما يجهل، وبهذه الجرأة علي ما يعلمه من جهله الجهول، يستطيل علي الحق والحقائق بالتبديل والتحريف'! وهو يرفع سبّابته إلي المثقفين قائلاً: أيكم انتهي إلي ما انتهيتُ إليه، أو له رُبعُ ذكائي وألمعيتي! ومن الحقائق المروية ضمن سلسلة الثقات من علماء الجرح والتعديل من أهل العلم والعالمين ببواطن الأمور وظواهرها، أن الدكتور/ محمد الجوادي.. قضي نحو ربع قرنٍ، وهو يكتب ويشطب، ثم يشطب ويكتب، فيما يسميه تاريخاً تارةً، وفيما يسميه تحليلاً اجتماعياً ونفسياً تارةً أخري! ثم يُجهِد نفسه، بل يلهث حتي يبلغ به الإعياءُ والعطشُ منتهاه، وهو يُفَبْرِك رواياته، وخرافاته، ويقول بزهوٍ وشموخٍ: 'أين مِن كتاباتي وآرائي وتاريخي الأشهر.. تاريخ الطبري، وابن كثير، والمقريزي، والسيوطي، والجبرتي؟! أنا فلتةُ الزمان، ولسان المكان، وترجمان اللحظة والأوان، وأنا أفضل الإنس والجان'! بل إن الجوادي ينضح من صلعة رأسه حتي سيور حذائه كِبراً وغروراً، ففي كل كلامه، وآرائه، لا تجد إلاَّ تأكيده الذي يقول فيه: 'أنا التاريخ، أنا التوثيق، أنا الموضوعية، أنا الحُجَّة، أنا الحقيقة، أنا العلم، أنا العلماء، أنا محكمة التاريخ، أنا جبهة الضمير، أنا الشعب، أنا الإنُّ، والإنُّ أنا'! ومن أمارات فخر الجوادي، واعتداده علي الناس وتعاظمه، إدِّعاؤه ذات مرَّةٍ في حديثٍ صحفي: 'أنه سليل أسرةٍ عظيمة، يرجع تاريخها إلي جبل الجُوديّ المذكور في القرآن الكريم، في قصة الطوفان، عندما استوت السفينة بسيدنا نوحٍ عليه السلام ومَن معه علي الجوديّ. بل إنَّ الجوادي زاد الأمر توضيحا، فقال: فأنا وعائلتي نُنسَب إلي هذا الجبل العظيم في مكة المكرمة'! ونَسِيَ صاحبنا الهُمام.. أنَّ اسمه الجوادي، وليس الجوديّ! فالاختلاف بينهما، كالاختلاف بين الثَّري والثُّريّا! ومن نوادره التي تُحكي عنه في مجمع اللغة العربية 'الخالدين' الذي دخله علي حينِ غفلةٍ من أهله وحُماته: أنَّه شارك في لجنة أصول اللغة مع جمهرةٍ من أعلام المجمع الكبار، وحدث أنْ ناقشوا كلمة 'حربول' وما أصلها؟ وما معناها؟! وهل هي عربية؟ وهنا انبري الدكتور/ الجوادي كعهده، فقال بلا تفكيرٍ: 'هذه الكلمة عبرية، ومعناها الحرب الطويلة، حيث كان اليهود يقاتلون القبائل الوثنية لمدةٍ طويلة، ومنها انتقلت إلي العربية، والحبشية والسريانية، ارجعوا إلي معجمي العربي العبري'! وعلي الفور، سأله أحد الدكاترة المتخصصين في اللغات السامية قائلاً: 'لكنها ليست عبرية! كما أنَّ اليهود لا يُقاتِلون إلاَّ في حروبٍ خاطفة وسريعة، ولا يعرفون الحرب الطويلة، ولا يقدرون عليها! ولكنْ هل لكَ بالفعل معجم يا دكتور جوادي'! عندئذٍ، بُهِتَ الجوادي.. وخَرِسَ إلي الأبد! وقديماً قال الشاعر: لا يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ ما يبلغُ الجاهلُ من نفسهِ! ومن أسفٍ، أنَّ أحداً من الإعلاميين والسياسيين.. لا يعرف أنَّ محمد الجوادي كان من أقطاب فلول عهد مبارك، وخُدّامه الكبار، فقد أكل وشَرِبَ علي موائد الحزب الوطني! كما تغنَّي بأفضال لجنة السياسات، وكان مثله الأعلي جمال مبارك! فممَّا لا يعرفه أصدقاء الجوادي، ولا أعداؤه، أنه ألَّف كتاباً قميئاً فجّاً في نفاق حسني مبارك! وأنه يتهرَّب من مجرد ذكر اسم هذا الكتاب الفاضح لصاحبه! الكتاب عبارة عن مجلَّد ضخم يقع في '800' صفحة من القطع الكبير، وتعلوه صورة مبارك! عنوان الكتاب هو 'مبارك.. صفحات من تاريخ مصر' وهو صادر عن مكتبة مدبولي عام 2001م! يقول الجهبذ محمد الجوادي- لا فض فوه- في كتابه هذا، الذي تسوَّل به علي موائد مبارك وعائلته، وحزبه، تحت عنوان 'السمات العشر في شخصية مبارك': 'يحظي الرئيس مبارك بدرجةٍ كبيرة من الإجماع المصري علي اختياره رئيساً للفترة القادمة، ربما لم يحظَ بها من قبلُ أيُّ رئيسٍ مصري سابق! وثمة عوامل كثيرة مكَّنتْ الرئيس مبارك من الوصول إلي هذه الدرجة، علي مدي '18' عاماً من رئاسته-هذا الكلام كان سنة 2000م- و24 عاماً من بقائه في الموقع المتقدم، نائباً للرئيس، ثم رئيساً. وبعيداً عن الأفكار النظرية الكثيرة، يمكن لنا أنْ ندرك بكل وضوحٍ، العواملَ التي مكَّنت مبارك من تحقيق هذه المكانة المتقدمة: - إحساس الجماهير بالإنجاز الحقيقي، وسنذكر أمثلةً سريعةً. المثل الأول: يري بعضُ المواطنين أن الأعمال المدنية التي استلزمتها محطة واحدة من محطات مترو الأنفاق، تُمثِّل إنجازاً هندسياً يفوق الإنجازات الهندسية في جسم السد العالي نفسه'! يا سلام.. انظروا إلي تفاهة، وسذاجة عقل الجوادي، وسطحية تفكيره! فالسد العالي الإنجاز الكبير غير المسبوق لا تراه عينُ الجوادي الكليلة الحولاء، التي لا تري الشمس في رابعة النهار إلاَّ كضوء مصباح صغير! - ولندعه يُكمل حفلته غير التنكرية في موسم النفاق الجوادي القمئ، فيقول وهو أصدق الكاذبين عن وصايا وخصال مبارك العشر التوراتية: 'تحرير المواطنين من المعاناة اليومية! - تجنيب الوطن المشكلات الكبري، فلم يعرف التاريخ المصري 'تاريخ الجوادي الذي قرأه ودرسه في كلية الطب' مَن استطاع أنْ يتغلَّب علي مشاعره الشخصية، علي نحوِ ما فعل حسني مبارك، حتي بعد ما تعرَّض هو نفسه للاغتيال في أديس أبابا.. وتميَّز حسني مبارك برؤيةٍ طويلةِ النظر تجاه مستقبل بلاده، دون أن يُعنَي بالمكانة التي أفني غيره حياتهم، وحياة أبناء شعبهم من أجل الحصول عليها'! إن الجوادي يقصد الزعيم/ جمال عبد الناصر، الذي لولاه ما تعلَّم، ولَما دخل المدارس المجانية! - ويواصل الجوادي العزف المنفرد لسيمفونية السداح مداح، وتصوير مبارك علي أنه مبعوث العناية الإلهية، فيقول بلسانه الذي يقطر سُمّاً زعافاً عن صفات مبارك المقدسة: 'الثبات الانفعالي العالي! - والبدء بالإحسان'! طبعاً إليك.. يا جوادي بالجوائز، والمكافآت، و مِنَح التفرغ في وزارة الثقافة لمن يهبرون من أموال الشعب الجائع الضائع! - ويقول الجوادي عن صفات مبارك: ' وغفران الإساءة، والروح المرحة، وتقدير الرجال، والامتنان للمسئولين السابقين'! وكأنَّ الجوادي لا يتكلم عن مبارك، الذي ما كان أحدٌ يستطيع أن يعارضه، أو يُبدي رأيه أمامه! - وآخر عنقود مسح الجوخ الجواديّ لمبارك، قوله: 'إنه يعرف ويُعلِن أنَّ اسمه حسني مبارك، ولا يسعي، ولا يقبل أنْ يكون له اسمٌ آخر'! يا سلام.. أطربتني يا فتي، فأبكيتني! ربِّنا يخرب بيتك يا جوادي في الدوحة، كما تخرَّب بيتك في القاهرة! هذا هو الجوادي الحقيقي.. بشحمه، ولحمه، وكلامه! فقد ظهر مُمالئاً للسلاطين الظالمين، والرؤساء الظالمين! ظهر آكلاً علي خِوان مبارك، كما أكل بعد ذلك علي خِوان المعزول/ مرسي العياط ! وكما هو يأكل الآن علي خِوان تميم بن حمد في قطر! هذا هو الجوادي، الذي يدَّعي الوطنية، والثورة، والبطولة العنترية، والتاريخ النضالي الكبير! فتاريخ الجوادي هو العمالة للحكَّام، علي حساب حق الشعب المسكين! هذه هي بضاعة الجوادي الحاضرة لكل مَن يدفع، والجاهزة بالمعلومات الملفقة، والعبارات العفنة! هذا هو تاريخ الجوادي التي يتيه علينا به! تاريخ الشؤم والندامة! تاريخ ما لم يره التاريخ من قبل، ولن يراه من بعد! هذا هو الجوادي.. نصير المال، وعبد الدولار! هذا هو الجوادي.. رئيس حكومة مصر العميلة في المنفي ضد ثورة 30 يونيو العظيمة، والمتحالفة مع إسرائيل، وواشنطن، وتركيا، وقطر، لمحاربة مصر، ومحاولة تمزيق جيشها، وتقسيم أرضها! وأختم بهذه الحكمة البليغة التي قالتها العرب: إذا لم تستحِ.. يا جوادي، فاصنعْ ما شئتَ!