العربان في القاموس هم من أهل البادية وسكانها من القبائل العربية، وعبر أزمنة التاريخ الإسلامي هاجرت بعض قبائلهم إلي مصر وانتشروا بالقرب من أطرافها وحدودها ثم تنقلوا تدريجيا منتشرين في سيناء ومدن مصر من جهة الشرق والساحل الشمالي وحدود مصر الغربية ثم إلي مدن الصعيد والجيزة وبعض مدن الوجه البحري كالبحيرة وكفر الشيخ ودمياط وكان قد جلبهم الخليفة العباسي لإحداث الفوضي والقلاقل داخل الدولة الفاطمية للعمل علي إرباكها وإدخالها في منازعات وفتن وثورات داخلية علي غرار ما يحدث في مصر الآن بسبب الأيادي الغادرة والمتآمرة التي ترتكب في حقها نفس الممارسات، وقد استقرت أشهر قبائلهم من قبيلة جهينة وبني هلال في صعيد مصر ومناطق الوجه البحري وإقليم الجيزة، ولما جاءت دولة المماليك اكتشفت إجرام وتهديد هؤلاء لمصر في تلك الفترة ولهذا كان من أهم إنجازات المماليك هو تحقيق الأمن والاستقرار في مصر فخاضوا حروبا كبيرة ضد العربان بعد أن أصبحوا مصدر للقلق والإرهاب والخروج علي الأمن والنظام وقطع الطرق والاعتداء علي قوافل الحجيج ونهب المصريين في الصعيد والجيزة وتهديدهم، وقد لعب العربان عبر التاريخ أدوار مسيئة ومنها علي سبيل المثال أنه في وقت مجيء الحملة الصليبية السابعة علي مصر 1249م ميلادية تسببوا في احتلال دمياط بسهولة في أيدي الصليبيين بعدما وثق فيهم السلطان الصالح أيوب وأجلسهم بدمياط ليحموها من الأعداء إلا أنهم هربوا وتركوها بلا حماية فغضب عليهم وأعدم منهم عددا كبيرا، وعندما تقدم الصليبيين إلي المنصورة قام أحد العربان الخونة بإرشاد الصليبيين علي مخاض ' مسلك نهري ' في بحر أشموم طناح فاستطاعوا أن يعبروا منه ويصلوا إلي المعسكر المصري ويهجموا عليه ويقتلوا فخر الدين يوسف القائد العام للجيوش المصرية وكانوا علي وشك احتلال مصر لولا بسالة المماليك وشجاعة أهل المنصورة في تلك الفترة عندما دحروهم وأسروا ملكهم وهزموهم شر هزيمة، وفي عهد السلطان عز الدين أيبك 1250 م كانت العناصر العربية من العربان مصدر تهديد لأمن مصر لكن أيبك تعقبهم في حملات في مدن الوجه البحري وقضي علي كبرائهم وحد من جرائمهم وأعمالهم الفوضاوية، ويحكي المقريزي عن ذلك بقوله ' وأمر المعز بزيادة القطيعة علي العربان بزيادة الضرائب والمكوس المأخوذة منهم ومعاملاتهم بالعسف والقهر فدلوا وقلوا '. وفي أواخر عهد الدولة المملوكية استطاعت الدولة العثمانية الغازية أن تدخل مصر عام 1517م بعد هزيمة طومان باي في موقعة الريدانية وعندما تقهقر طومان باي بالأهرامات بالجيزة رافضا التسليم والمساومة مع العثمانيين فلجأ إلي البدو العربان لتنظيم صفوفه إلا أنهم خانوه وقيدوه بالسلاسل وقدموه إلي السلطان سليم الأول واقتادوه من منطقة بولاق إلي باب زويلة وتم إعدامه وانتهت الدولة المملوكية بخيانتهم. لقد لعب العربان في العصر المملوكي دورا خطيرا في إشعال الفتن السياسية والصراعات العسكرية التي كانت تحدث في البيوت المملوكية وأحيانا وبسبب خياناتهم كانوا يقومون باستخدام قوتهم وحيلهم لترجيح كافة فريق مملوكي علي آخر وعند قدوم الحملة الفرنسية إلي مصر استطاع الجينرال كليبر أن يغدق علي بعض القبائل بالنعم حتي لا يتحالفوا مع مراد بك في الصعيد فلعبوا دورا خطيرا في الفتن والمؤامرات أبان الحملة الفرنسية علي مصر. وفي عهد الثورة العرابية استطاع رجال محمد سلطان باشا أن يجند الكثيرين من عائلات العربان بالشرقية بمنطقة الصالحية وأبو كبير والقري القريبة من قرية هرية رزنة بلد الزعيم أحمد عرابي وعلي رأسهم سعود الطحاوي الذي كان من شيوخ العربان وصديق حميم لعرابي لأنه كان بلدياته وكان يسهر معه، ووثق فيه عرابي وكان يعرف منه الأخبار الهامة دون أن يدري وينقلها إلي محمد سلطان باشا الذي ينقلها بدوره للإنجليز، ولهذا فمن المعروف أن الخيانة بكل أنواعها كانت سببا في هزيمة عرابي أمام الإنجليز الذين تمكنوا من احتلال مصر سنة 1882، أما العرب الطحاوية في تلك الفترة فقد وعدهم الإنجليز ببرميلين مليئين بالعملة الذهبية وبعد الخيانة أعطوهم بالفعل البرميلين ولكن بعد أن وضعوا العملات الذهبية علي السطح ووضعوا في الأسفل العملات النحاسية المزيفة جزاء الخيانة، وقد لعب الطحاوية وغيرهم من قبائل العربان الذين كانوا يسكنون الكثير من المناطق الممتدة علي مدن القناة وصولا إلي الكثير من المناطق بمحافظة الشرقية تحت إمرة سعود الطحاوي، غير أن جيش عرابي والفلاحين الآمنين في قراهم لم يعرفوا أن في صفوفهم خونة من العربان الذين لم يخلصوا للمكان الذي احتضنهم وآواهم لأنهم لا يؤمنون بمفهوم الدين الصحيح ولا بمفهوم الدولة والحدود والوطن أو حتي حق العشرة والمواطنة عندما باعوهم وسربوا أخبارهم بسعر التراب لعسكر الإنجليز، وكان من بينهم من هو مستعد للخيانة بأكثر من ذلك والدليل أن الكابتن ' جيل ' أحد ضباط الجيش البريطاني قدم قائمة مكتوبة بخط يده عن أشهر مشايخ العربان وذكر منهم مسعود الطحاوي في الصالحية الذي كان يستخدمه عرابي بنيته الطيبة مرشدا له ولا يعرف أنه كان جاسوسا عليه وكان مسعود يقبض مقابل أتعابه من الجانبين وذكر أيضا اسم محمد البقلي في وادي الطميلات وأيضا محافظ السويس الذي انضم لمعسكر الخديوي توفيق وأخبره بأنه يمكنه شراء البدوي الواحد بجناهين من الذهب، وقد أكد ذلك ما ذكره إدوار هنري بلمر الذي عرف باسم عبد الله أفندي بأنه يستطيع شراء خيانة 50 ألف عرباني في تلك الفترة ب25 ألف جنيها، وطبقا لأرشيف البحرية الإنجليزية فإن خيانة مسعود الطحاوي شيخ العربان في تلك المنطقة كان السبب الرئيسي لانكسار الجيش المصري في معركة التل الكبير، بل وكما يقول ' ولفردسكاون بلنت ' في كتابه السري لاحتلال الإنجليز مصر أن الطحاوي من أوائل من ثبتت خيانته العظمي وأنه كان دائب علي الخيانة منذ انتقال الجيش المصري من كفر الدوار إلي التل الكبير وأنه كان جاسوس للإنجليز ونقل لهم أدق المعلومات عن الجيش المصري، ويشار أيضا إلي أن الطحاوي ورجاله من العربان نقلوا إلي الإنجليز أن الجيش المصري ينام نوم الأبرار في ليلة المعركة كما أقسم الطحاوي في نفس الوقت لعرابي أن الإنجليز لن يهاجموه إلا خلال أسبوع وفي نفس الوقت سهل للإنجليز معرفة تجمع وإقامة الجيش المصري حتي فاجئوا عرابي وهجموا عليه وعلي جيشه وهم نائمين بالخيام فكانت الخيانة أحد الأسباب الرئيسية وراء الهزيمة ولولاها لكان قد تغير مجري التاريخ كله. ونحن هنا لا نتهم العائلات المنتمية إلي العربان جميعها لأن منهم الكثيرين من المخلصين والمنتمين لهذا الوطن، ولكن نتهم البعض منهم بالإصرار علي الخيانة والتآمر عبر الظروف والمحن التي تتعرض لها مصر وبخاصة في الكثير من المناطق الحيوية والإستراتيجية التي يسكنوها لأنها تتناسب مع أهوائهم وعاداتهم وطبائعهم وتوجد الكثير من الأدلة والبراهين التي تثبت تورطهم وتآمرهم علي الوطن ومنها الحروب التي تعرضت لها مصر وآخرها حرب 1967 وبخاصة في سيناء ومنطقة القناة وما روي من قصص عن وقائع الخيانة لجنودنا ولم نصدقها، وبعد حرب 1973 ظلت تلك القبائل تعيش في تلك المناطق دون أن تتعرض لها الدولة بأي أذا يذكر رغم خصوصية تلك الأماكن ولم تحملهم الدولة أيضا وفي كثير من الأحيان مسئولية ما يتعرض له الوطن في تلك المنطقة من أخطار ورغم ذلك فإن الأذي يأتي من تلك المناطق وما تشهده من اعتداءات متكررة علي جنودنا وهي جرائم متعددة ولا يمكن السكوت عنها أو أن نقول أن كل تلك العائلات في تلك المناطق منها براء، كما توجد الكثير من تلك العائلات في كثير من المدن المصرية ومنها ما هو بالقرب من الحدود الغربية لمصر وبعض مدن الصعيد بالمنيا وأسيوط والفيوم والجيزة والتي تحتوي علي الكثير من العناصر والقيادات الإجرامية التي مازالت تمتهن التخابر والتآمر والعنف والبلطجة وبيع الأراضي وفرض الإتاوات والتهريب وإيواء الإرهابيين ومساعدتهم في تنفيذ مخططاتهم الغادرة تجاه الوطن، كما أنهم علي علاقات قوية بالتنظيمات الإرهابية تدخل في نطاق علاقات النسب وتلاقيهم في الميول الفكرية والإجرامية علي رأسها عدم الإيمان بفكرة الدولة والحدود والوطن، ولهذا توجد انتماءات وصلات قرابة لكثير من قيادات الإخوان بتلك العائلات التي تتواجد بكثرة في منطقة الجيزة ككرداسة ومحيطها وأبورواش ودهشور، والفيوم، والمنيا وأسيوط بالصعيد، وبكثرة في سيناء ومرسي مطروح والسلوم، وكلها مناطق مصدرة للإرهاب وتكثر بها حوادث الاعتداء المتكرر علي جنودنا من قوات الجيش والشرطة وغيرها من الجرائم الكبري التي تهدد الأمن القومي المصري، وقد شهدت مصر في الآونة الأخيرة وبخاصة بعد تخلصها من الحكم الإخواني في الثلاثين من يونيو الكثير من العمليات الإرهابية من جانب هذا التنظيم الذي يتعامل مع تلك العائلات التي توفر له الدعم اللوجيستي في كل عملياته وتسهيل مهماتهم واعتداءاتهم التي تستهدف جنودنا الآن مما يستوجب علي الدولة أن تضرب بيد من حديد كل من يثبت إدانته بالتآمر والتخابر وإيواء الإرهابيين أو التورط معهم في كل ما يحدث من إجرام كما نطالب قواتنا المسلحة بأن تدقق النظر من جديد في تواجد تلك العائلات والعمل علي ترحيلهم من الأماكن العسكرية في سيناء وغيرها إلي أماكن أكثر أمنا بما يتلاءم مع ما تحدده المصلحة العليا للوطن حفاظا علي الأمن القومي المصري، كما نطالب الدولة بالتدقيق والبحث والتحري عن أسماء القيادات الإخوانية والإرهابية ممن تم القبض عليهم وممن جاري البحث عنهم للكشف عن مدي انتمائهم العرقي والفكري والجغرافي بتلك العائلات المنتشرة بالمناطق التي يكثر بها الإجرام والعمل علي كشف وتحديد تلك العلاقة بينهما حتي نتمكن من دحر الإرهاب في جحوره والكشف عن المخططات التي تحاك ضد مصر وتقوم علي التآمر والتخابر والخيانة بهدف سقوط الوطن وانهياره. بقلم / صالح أبومسلم