أهمية أن يكون الفنان والفن مسيسا.. التسييس لا يعني بالضرورة احتراف الفنان للسياسة.. يمشي في الشوارع يصرخ بالهتاف، يرفع اللافتات اعتراضا وعدم رضاء عن واقع معاش، يسعي فيه للإصلاح، وللتغيير بوسيلته الخاصة القائمة علي العلم والمعرفة.. ومن الطبيعي ألا يكون وحده، إنما ضمن فريق يعتنق ذات فكره.. وسيلتهم إلي التغيير الكاميرا والكلمة والفرشاة والقلم، وكشف زيف سياسة التبعية والاعلام الموجه المضلل.. ومسخ الشخصية.. كثر من فناني الغرب. مهمومون بقضايا بلدهم ومشكلات شعوبهم.. الفن عندهم من أجل حياة أفضل، وطن حر رحب، يتسع لكل الافكار، وان اختلفت معه في الوسيلة، إنما الأهداف واحدة.. فن لإذكاء الوعي لا التغييب.. فن الحفاظ علي كرامة الانسان، وإشاعة ونشر قيم العدل بينهم.. الفنان طبيب النفس البشرية، يصلحها.. يعينها بالكوميديا بالتراجيديا، بالموسيقي بالأغنية، بالقصة القصيرة والروائية، بقصيدة الشعر أو الباليه، ليعظم قيمة العمل والإنتاج. في حوار بين جواهر لال نهرو رئيس الهند، رفيق حركة عدم الانحياز مع الزعيم جمال عبد الناصر، حوار كان فيه رأي لجواهر لال نهرو، له وجاهته، عظيم القدر سياسيا، رأي حرك مشاعر كثيرة للمواطنين عندهم وفي دول العالم الثالث قاطبة.. يقول نهرو لمحدثه 'نحن محاصرون في منافسة بين قوتين امريكيتين، واحدة شريرة غامضة، تستعمل للتطويع والاخضاع، هي وكالة المخابرات المركزية الامريكية.. والثانية براقة وخداعة، تستعمل للغواية والاغراء وهي هوليوود، عاصمة السينما الامريكية.. مشكلتنا انه إذا فازت وكالة المخابرات المركزية الامريكية، أصبحت حريتنا مهددة، واذا فازت هوليوود تصبح ثقافتنا مهددة' كلمة عميقة المعني عظيمة المضمون تحمل مغزي سياسيا بعيد المدي.. قالها الزعيم نهرو، غير متأثر بنظرية المؤامرة، الحجة الشهيرة عند البعض في التشكيك لرفضنا وكشفنا لكل فعل امريكي يريد بنا السوء. فنوننا الحديثة من مسرح وسينما وتليفزيون، يقع اكثرها في دائرة تهديد صناعة الثقافة الأمريكية، لثقافتنا العربية والقومية، تماما كما تنبأ نهرو بالهجمة الشرسة علي ثقافتنا، وتقاليدنا وعقيدتنا، تؤكدها وتكشف نواياها، الفضائيات الغربية والعربية وما تعرضه من فنون استوديوهات هوليوود، وأفلامها المصنعة خصيصا، لغزو ونشر الثقافة الاستعمارية الإمبريالية بين دول العالم الثالث. أفلام ومسلسلات المقاولات المشبوهة فكرا وتمويلا، المصنوعة خارج جدران الاستوديوهات العربية بالشقق المفروشة والشوارع والكباريهات.. أكثر افكارها متأثرة بالثقافة الامريكية، والتناول الهوليوودي، مقلدة للسينما الصهيوأمريكية الشريرة وسطوة المخابرات المركزية الامريكية.. ثقافتنا العربية، تضرب في جنبيها بكلتا القوتين.. حمايتها لن تكون إلا بتسييس الفن والفنان العربي.. فيلم شاهدته وحاش لله ان اظلم أو أتهم صناعة، بسوء القصد والنية، لكني اعزو ما حدث فيه لغياب المفهوم الثقافي السياسي للفن. بعد أحداث 11 سبتمبر، اغلقت أمريكا جامعاتها وقاعات الدرس عندها في وجه الاشقاء العرب، ولم يعد لهم ملجأ إلا القاهرة بتاريخها الثقافي والتعليمي لأكثر من الف سنة، والذي بدأ بصحن الأزهر الشريف، وايوانه الذي اتسع لطلاب العلم من المشرقيين والمغربيين.. فيلم تدور أحداثه بمغامرة لضابط صغير يتتبع عصابة مخدرات داخل إحدي الجامعات الخاصة، والجامعات هذه وان كانت في واقعها مشروعا استثماريا، فهي ايضا مشروع نهضوي تعليمي، وليست مكانا للافساد والفساد وتناول المخدرات، ولحظات العشق والغرام بين طلابها، أوهي مكان تتستر خلفه مافيا المخدرات بكل الوانها، من برشام وبودرة وطوابع مخدرة ولا هي مخازن لها، بالمشاركة مع شركات السياحة المصرية، انتظارا لتوزيع تجارتها من المخدرات علي النوادي والتجمعات الشبابية، هكذا يقول الفيلم المثل.. مقبول النقد إن كان واقعا، مرفوض تماما تشويه ومسخ شخصية اساتذة الجامعات، والسياحة ولواءات الشرطة، ممن ليس لهم وجود في واقعنا، الا في عقول من غابت عندهم الثقافة السياسية، خدمة لمفاهيم واهداف ثقافة هوليوود والمخابرات المركزية الامريكية، مما تصدقه وتؤكده مقولة الزعيم جواهر لال نهرو.. حريتنا وثقافتنا باتتا مهددتين، مرة من جهاز المخابرات الامريكية، وأخري من سينما هوليوود.. هذه واحدة عن أهمية ان يكون الفنان مسيسا واعيا، تؤرقه قضايا الوطن قبل جمع الاموال والنجومية.. ولكم في فانيسيا ريدجريف وشارلي شابلن وميلينا ميركوري وكثر غيرهم أسوة حسنة، لكن.. كيف يصلح العطار ما أفسده الفن المقلد للسينما الأمريكية السيئة السمعة، والمسلسلات التركية عديمة الموضوعية والقيمة الفنية.. ولا عزاء للشاشتين الفضية والصغيرة في وفاة الأفلام والمسلسلات الجيدة الصنع، عظيمة الأهداف الاجتماعية، والثقافية والسياسية.