بقلم :عاصم عبدالمحسن [email protected] أسرفنا في استخدام اللفظ قبل أن نستقر علي معناه فأصبح كل من هب ودب - حقيقة لا مجازا - يطلق علي نفسه اسم "إعلامي". معاجم اللغة العربية كالوسيط والمنجد خالية من اللفظ وكلمة "إعلام" في المنجد تنصرف الي المعني القانوني وهو "صورة الحكم الذي يصدره القاضي في الدعوي" كإعلام الوراثة مثلا. أما كلمة "أعلم" في الوسيط فتعني بين أشياء أخري "أخبر". الأصل هو كلمة "العلم" بمعني "إدراك الشيء بحقيقته" ومن هنا جاء الحديث عن أجهزة الإعلام التي يفترض أنها تنقل الشيء بحقيقته الي جمهور المتلقين واشتقاقا من أجهزة الإعلام ونسبة إليها برز لفظ أو مسمي إعلامي بعد أن تعددت الأجهزة التي تقوم بالإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون وشبكة عنكبوتية (النت) وهو ما يشار اليه باسم الميديا.. والميديا أو الميديوم في قواميس اللغة الانجليزية وبينها اكسفورد تعني "واسطة الاتصال" أو "وسيلة التخاطب والتفاهم." ولأن ثمة قاسما مشتركا بين هذه الأجهزة كلها هو "إعلام" المتلقين فقد شاع تعبير "إعلامي" دون أن يدرك كثيرون ممن يستخدمونه وكثيرون ممن يلصقون أسماءهم به المعني الحقيقي للكلمة. لكن لأنه ليس هناك ضوابط تحكم أو قواعد تحدد - باستثناء نقابة الصحفيين فيما يتعلق بأعضائها - من هو الإعلامي وماالذي يتوجب عمله لاعداده لممارسة هذا العمل فقد أصبحت الساحة سداحا مداحا أمام كل فرد سمحت له أمواله أو مكنته وسائله أو الإثنان معا من تبوؤ مقعد يهرف فيه بما لا يعرف ويفتي فيما لا علم له به والحجة أنه إعلامي. ولعل ما سبق وصاحب وأعقب مباراتي مصر والجزائر نموذج علي بعض ما يحدث علي الساحة الإعلامية. لكن الأمر ليس مقصورا فقط علي ما يتعلق بالرياضة ولو كان كذلك لكانت المصيبة مقدورا عليها لكنه يتخطاه الي الجليل من الأمور التي يتطلب التعامل معها علما ومعرفة وإحاطة أولا ثم دقة وأمانة في العرض والتناول ثانيا. بدل العلم والمعرفة والإحاطة حلت الفهلوة والاستخفاف والاستظراف وبدلا من الدقة والأمانة أصبح السطو علي أعمال وأفكار الآخرين أو خطف كلمتين من النت دون التحقق من الدقة والصحة عدة بعض ممن يستحلون لأنفسهم بغير حق لقب إعلامي. الكلمة مسئولية ومتي انطلقت سواء أكانت مكتوبة أو منطوقة فإنه لا يمكن استعادتها وكأنها لم تكن.. ولكن هذا الاحساس بالمسئولية غائب عند كثيرين ممن يتصدرون الساحة لأنه لم يجر في الاساس إعدادهم وتهيئتهم لهذه المسئولية. كانت الوكالات قد درجت علي وصف المؤتمرات التي يتحدث فيها مسئولون الي الصحفيين بأنها »مؤتمر صحفي"press conference « علي أساس أن كلمة »press« تنصرف الي الصحافة الورقية المطبوعة. لكنها في الثمانينات قررت تحويل الوصف الي »مؤتمر إخباري news conference« إذا جازالتعبير بعد أن أصبح الاذاعيون والتليفزيونيون يشتركون في التغطية ولم يعد ذلك مقصورا علي الصحفيين. لست طماعا بحيث أطالب الوافدين علي مهنة الإعلام من غير أهلها أن يصلوا الي هذا الحد من الدقة والأمانة وإنما أرجوهم فقط أن يسعوا الي التعلم .. والعلم نور.