عندما زرت مدينة مبارك العلمية، وجدت أن الباحثين، في كل المعاهد، توصلوا الي حلول للعديد من المشاكل التي نعاني منها، وخاصة ما يتصل بالتلوث البيئي الذي يهدد صحتنا، بل حياة الكثيرين. أكثر من مادة لتنقية مياه الصرف الصحي والصناعي. وقد اندهشت أن العلاج موجود، ومعلن.. ومع ذلك فهو لم يخرج من المعامل الي المواقع التي تحتاج اليه، ما الذي يبقي هذه المواد نائمة في حضن الباحثين.. بينما مياه الصرف الصحي والصناعي تفسد مياه الشرب في أماكن تتسع كل يوم. وتفسد الاراضي الزراعية التي يضطر الكثيرون الآن لري زراعاتهم بها، وتنتج عنها محاصيل نأكلها، والنتيجة هي المزيد من مرضي الفشل الكلوي والسرطان. والأمر لا يتعلق بمضادات التلوث فقط، وإن كنت اعتبر هذه المضادات بالغة الحيوية.. فإن الباحثين انتجوا، فعلا، الأنسولين، مطابقا في جميع مواصفاته وفعاليته للانسولين الموجود في السوق.. وإنما يتميز بأنه من انتاج علمائنا.. أي أنسولين مصري.. ومع ذلك فهو حبيس المعمل، لم يأخذ طريقه الي التصنيع الواسع، لكي يستفيد منه مرضي السكر.. بسعر أرخص طبعا، وغيره.. وغيره. لما سألت رئيس مدينة مبارك العلمية الدكتور محمد السعدني، عرفت أن التطبيق الواسع مرهون بقرارات جهات كثيرة.. حسب خصوصية المنتج. وأن ذلك يجعل المؤسسات العلمية في موقف غريب: تركز علي البحث وحل مشكلات التنمية. أم تجري وراء جهات القرار، وجهات التطبيق!؟ إنها اشكالية أساسية لابد من حلها، إذا أردنا فعلا أن ينطلق البحث العلمي في بلادنا، ويؤدي دوره المنشود. فما قلته عن مدينة مبارك العلمية، ينطبق علي جميع مراكزنا العلمية وجامعاتنا. ونحن الصحفيين نقابل كل يوم باحثين. في مختلف التخصصات، لديهم علاجات لمشاكل مهمة، وهم باحثون جادون. وننقل منهم في صحفنا. ولا أحد يهتم، مجرد الاهتمام، بهم أو بنا. ولذلك، فمصر لا تعاني من نقص البحث العلمي.. بل تعاني في الحقيقة من فاقد في البحث العلمي، أبحاث ونتائج يمكن أن تحل مشكلة.. نهدرها بالاهمال وعدم الاكتراث، مما يصيب الباحثين والمخترعين، بالإحباط.. ونحن معهم. لأن هناك حلقة مفقودة بين البحث والتطبيق. لذلك، أعتقد أنه يكفينا ما ضاع.. ونقترح انشاء جهاز مهمته حصر نتائج البحث العلمي، وتصنيفها، ومخاطبة الجهات المعنية باتخاذ القرارات.. أو المفترض من اختصاصها بالتطبيق - التصنيع. وفي مجال التصنيع، يمكن لجهاز تحديث الصناعة أن يقوم بهذا الدور. جهاز يمركز نتائج البحث العلمي.. ويوزعها. ويتابع التنفيذ مع المراكز العلمية.. ومع جهات التطبيق. ويعمم نتائج عمل علي المعنيين.. علي الرأي العام.. حتي تكون الرقابة مجتمعية. وكفانا هذه الهلامية.. وهذا التشتت.. وهذه الشيزوفرينيا بين العلم والمجتمع.