قبل سنة.. جاء الرئيس الامريكي الجديد »باراك اوباما« الي جامعة القاهرة ليلقي خطابا موجها الي العالم الاسلامي. اتذكر في ذلك اليوم، وانا استمع اليه في قاعة الاحتفالات بالجامعة العتيدة، انه كان هناك جو من التفاؤل يسود الحاضرين، وخاصة عندما قال اوباما انه جاء الي القاهرة »للبحث عن بداية جديدة«. ووجد الرئيس الامريكي صدي قويا في القاعة وهو يستعيد كلمات الامريكي العظيم »توماس جيفرسون« الرئيس الثالث للولايات المتحدة »1081-9081«: »انني اتمني ان تنمو حكمتنا بقدر ما تنمو قوتنا، وان تعلمنا هذه الحكمة درسا مفاده ان القوة ستزداد عظمة كلما قل استخدامها«. وبرهنت أحداث عام كامل علي ان استخدام القوة الغاشمة يزداد علي ايدي ادارة اوباما وطفلها المدلل »اسرائيل«. ورغم ان اوباما أكد في خطابه بجامعة القاهرة ان القوة العسكرية وحدها لن تكفي لحل المشاكل في كل من افغانستان وباكستان.. الا ان لغة القوة هي السائدة هناك، ويتكاثر يوما بعد يوم عدد ضحاياها من المدنيين الأبرياء.
وعلمنا من خطاب اوباما الشهير ان »أحداث العراق« كان من شأنها »تذكير امريكا بضرورة استخدام الدبلوماسية وبناء الاجماع الدولي«. ولكننا لم نسمع اية ادانة من ادارة اوباما لعمليات القتل الجماعي للسكان المدنيين في قطاع غزة خلال الحرب الاسرائيلية ضدهم. ولم ينفذ اوباما وعده بمنع استخدام اساليب التعذيب منعا باتا، ولم يصدر أوامره باغلاق معتقل جوانتانامو في مطلع هذا العام، كما وعد في خطابه. كما ان التصعيد العسكري مستمر في كل من افغانستان وباكستان ومازال الاحتلال مستمرا في العراق. ومن فقرات خطابه بجامعة القاهرة، التي صفق لها الحاضرون كثيرا تلك التي يقول فيها: »ان الولاياتالمتحدة لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الاسرائيلية. لقد آن الاوان لكي تتوقف هذه المستوطنات«. وكلنا نعلم ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو رفض وقف الاستيطان، وان اوباما استسلم لهذا الرفض، وبدلا من ان يضغط علي اسرائيل لوقف هذا الاستيطان، فانه شرع في الضغط علي الجانب الفلسطيني لكي يقبل التفاوض في ظل استمرار الاستيطان!!
وقال اوباما في خطابه بجامعة القاهرة انه لا يمكن إنكار ان الشعب الفلسطيني.. قد عاني في سعيه الي اقامة وطن له.. وقد تحمل الفلسطينيون آلام الاقتلاع علي مدي اكثر من ستين سنة، حيث ينتظر العديد منهم في الضفة الغربيةوغزة والبلدان المجاورة لكي يعيشوا حياة يسودها السلام والآمن.. ويتحمل الفلسطينيون الاهانات اليومية.. الناجمة عن الاحتلال.. وليس هناك شك في ان وضع الفلسطينيين لا يطاق«. وقال اوباما ايضا ان امريكا »لن تدير ظهرها للتطلعات المشروعة للفلسطينيين، وهي تطلعات الكرامة وتوفير الفرص ودولة خاصة بهم«. ورغم ان اوباما علي يقين من ان حكومة اليمين القومي والديني العنصرية - الفاشية المتطرفة في اسرائيل ترفض -عمليا- قيام دولة فلسطينية.. فانه مازال يهدر الوقت في الحديث عن مفاوضات عتيمة وعبثية تواصل اسرائيل خلالها المزيد من الاستيطان والتهويد وهدم منازل الفلسطينيين ومصادرة اراضيهم وبناء الجدار العنصري العازل. وكان اوباما قد أشار في خطابه بجامعة القاهرة الي الأزمة الانسانية المستمرة في غزة، والتي تصيب الأسر الفلسطينية بالهلاك..« كما اشار الي ان ذبح الابرياء - في البوسنة ودارفور- يسبب »وصمة لضميرنا المشترك«.. ومع ذلك، فان موقف الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن هو التستر علي المجزرة التي ارتكبتها اسرائيل ضد »قافلة الحرية« في المياه الدولية.. وبسبب الموقف الامريكي، صدر »البيان الرئاسي« من مجلس الأمن فجر يوم أول يونيو الحالي هزيلا.. مكتفيا بالاعراب عن الأسف العميق والمشاعر الحزينة لزهق الأرواح والاصابات التيترتبت علي استخدام القوة خلال العملية العسكرية الاسرائيلية«. دون اية اشارة الي اسرائيل أو من الذي يتحمل مسئولية هذه الخسائر في الأرواح! وعندما طالب كل من لبنان وتركيا بان يحتوي البيان علي دعوة للأمم المتحدة للقيام بتحقيق مستقل حول الاعتداء الاسرائيلي.. رفضت الولاياتالمتحدة ذلك بقوة، كما رفضت ان يتضمن البيان عبارة تدعو اسرائيل للتقيد بالتزاماتها وفقا للقانون الدولي والقانون الانساني. كذلك رفضت امريكا الاشارة الي الحصار المفروض علي غزة باعتباره »غير مقبول« واكتفي البيان بالقول بان الموقف »لا يمكن استمراره«! واكد المندوب الامريكي »اليخاندرو وولف« ان بيان مجلس الأمن لا يدعو لتحقيق مستقل، واعرب عن ثقته في قدرة الاسرائيليين علي القيام بتحقيق »مستقل« حول الهجوم الدموي الذي شنوه علي قافلة الحرية!! وخلال المناقشات في دهاليز مجلس الأمن، كان مندوبو الدول العربية وغير المنحازة يتحدثون عن ضرورة ادانة اسرائيل، بينما المندوب الامريكي يتحدث عن المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين!!
وفي تلك الاثناء، كانت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون تطلب -سرا- من زعماء الدول الأخري تخفيف الانتقادات الموجهة الي اسرائيل وتهدئة الخواطر.. لاحتواء الادانة العالمية لاسرائيل ورفضت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الامريكي »ديمقراطية من اتباع اوباما« ادانة الحصار الاسرائيلي علي غزة. بل ان »جوزيف بايدن، نائب الرئيس الامريكي، اشاد باسرائيل لهجومها علي قافلة الاغاثة الانسانية. وقد هللت منظمة »ايباك« -اكبر لوبي يهودي في امريكا- لتصريحات بايدن المساندة لاسرائيل. وتسابق المشرعون الجمهوريون والديمقراطيون الامريكيون لاعلان الولاء لاسرائيل غداة القرصنة الدموية الاسرائيلية في مواجهة غضبة عالمية عارمة ازاء الجريمة. وتناسي اوباما انه قرأ علينا بجامعة القاهرة أية قرآنية: »من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا«.. اليس هذا ما فعلته اسرائيل؟ لماذا لم يطبق مضمون الآية الكريمة علي جرائم الاسرائيليين؟ واين حديثه عن معاناة الفلسطينيين من الاحتلال وعن »وصمة ذبح الأبرياء« في اماكن أخري، وعن الازمة الانسانية المستمرة في غزة؟ وأين حديثه عن سعي امريكا من أجل عدم امتلاك أي من الدول للاسلحة النووية، وهو الذي يمتنع، حتي الآن عن مطالبة اسرائيل بالانضمام الي المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي؟! الكلمات والوعود التي جاءت في خطاب اوباما بجامعة القاهرة.. تبخرت في الهواء بسرعة.. ولم يبق سوي وجه امريكا المعروف والتقليدي، وهو وجه معادي للفلسطينيين ومنحاز للعنصرية - الفاشية الاسرائيلية وللتوسع الاسرائيلي ولجرائم اسرائيل ضد العرب »والآن ضد كل الشعوب الأخري« ولارهاب الدولة الصهيونية.. وهو وجه كان.. ومازال - قبيحا«.