حددنا الاسئلة والقضايا المهمة التي تسبب تشتت التنوير وتمزقه وانحرافه في العالم العربي، هذا بعد عرض اولي لتوجهات التنوير وحالته العامة في في كل من تونس والسعودية وسوريا.. في التالي: 1- البحث في العوائق التي تعيق وتأسر الصراع الاجتماعي العام من اقامة اتصال مدني فعال بين الدولة والمجتمع. 2- البحث في ابناء الفرص التاريخية لاصلاح العلاقة بين الدين والسياسية بحيث لا يتم استعمال احدهما كشرط للآخر او مبرر له. 3- البحث في اعادة تأهيل قوي الدولة لنزع الصفة السلطوية عن منطق الدولة وممارساتها، وبالتالي تجد الدولة مصادر جديدة لقوتها غير التسلط والقهر.. قبل الدخول في البحث المتعمق والاجابة عنما تثيره هذه الاسئلة والقضايا دعني احدد طريقة قياس التنوير، وهي في تصوري لها سبعة مؤشرات، من خلال هذه المؤشرات يمكن معرفة مدي عمق عملية التنوير في بلد ما، وهذا بالطبع مختلف عن استراتيجيات التنوير التي عرضناها في المقالات الاربع الاولي. الفرق بين مؤشرات التنوير واستراتيجيات التنوير ان الاول يقيس مدي نجاح الثاني. فالثاني يعبر عن فنيات وديناميات التنوير بينما الاول يعبر عن مستوي التنوير. وهنا نفترض ثلاثة مستويات للتنوير مفهومية مستمدة من الخبرات المقارنة: المستوي الاول، وهو الذي يصل فية التنوير الي اكتمال جميع استراتجياته حتي يصل الي الحداثة، المستوي الثاني، عندما يثبت علية التشتت وعدم القدرة علي التراكم والاكتمال، والمستوي الثالث، ينحصر في السمات التكوينية والاولية لعملية التنوير. العالم العربي في الراجح يقع في المستوي الوسيط، وهو مستوي، فق فهمي، قلق وربما تعرض لخطر التدهور ظهوربعض ملامح من المستويين الثالث والادني. اما بالنسبة لمؤشرات التنوير فهي: المؤشر الأول: التنوير في العالم العربي لا يعاني من الانسداد التاريخي للتنوير او تلاشي او انقضاء التنوير، كما قلنا في مكان اخر، وانما يعاني من سمات الاختلال التاريخي للتنوير. ويقصد بالاختلال: عدم اتساق وتساوق للعمليات الثلاث التالية. اولا: زرع عقلانية تعمل علي تنمية السلوك القصدي والاستهدافي بين المواطنين، ثانيا: العمل الثقافي علي قلع وقمع ثقافة الخوف العام، وثالثا: تنمية وتعظيم التوجة النفسي والمعرفي ناحية طرح التساؤل العام بين الجمهور بمختلف انماطه. عند توافر هذة المعايير الثلاثة جميعها بشكل متواز ومتراكم يتم تطوير التنوير وتعميق وتوسيع المستفدين منها علي المستويين الفردي والجامعي، المؤشر الثاني يظهر ويتجسد من خلال التنوير العربي في اربعة مظاهر كبري: اولها، الفصل بين القيم والسلوك، ثانيها، الفصل بين البيروقراطية والتنفيذ، ثالثها: الفصل بين المشاعر تجاه السلطة والمشاعر في تجاه الوطن، ورابعها، الفصل بين المحلي والعالمي. المؤشر الثالث يتمثل في تفاعل هذه المفاصلات الاربع مع بعضها البعض بشكل يسبب انحراف وتشتت التنوير، هذا رغم انتشار الفهم الزائف بين الكثير من المثقفين والمهتمين بالشأن العام في الوطن بان منطق المفاصلات يأتي كتعبير عن قدرة علي الاستمرار الاجتماعي تحت الضغوط التاريخية وكاستراتيجية للبقاء المجتمعي المتماسك، وليس كتعبير عن ازمة مجتمعية. اننا نعلم ان المنطق التنويري السليم يقول إن الثانئيات المفصولة فيما بينها ولا تخلق جدلياتها، تعكس ازمة وليس علامه صحة واستمرار، المؤشر الرابع ويتمثل في عدم اعتبار ثقافة السلطة كآلية رئيسية للتماسك الوطني والاجتماعي، بعبارة اخري، هناك الكثير ممن يطلق عليهم "العناصر الوطنية" دعاة للتنوير كثقافة مضادة لمفاهيم السلطة المتحورة حول تكلس مفاهيم "عناصر السلطة الوطنية"، او في قول اخر، كلما زادت الدعوة للتنوير. كلما شعرت هذه العناصر التي تتصور نفسها مرتبطة بتقاليد الوطن والمجتمع وهذا وفق تعريفها لنفسها وبسبب سيطرتها علي مقاليد السلطة بالتعبئة وبضرورة التحرك المضاد ضد التنوريين والحركات التنويرية وان اي تحالف سياسي بين الطرفين هو مؤقت بشكل تاريخي عام ، المؤشر الخامس، بناء ثقافة الاختلاف والتمايز. والمسألة هنا تتعلق بقدرة المجتمع والدوله علي ادارة الاختلاف بشكل يسمح بالتحصين القانوني والاجتماعي للاختلاف. وهذا التحصين لا ينصرف باي معني الي تشجيع الانعزال والعزلة الثقافية والاجتماعية واعتبار ذلك فضيلة، فلا تحصين للعزلة والانعزال، هناك فقط تحصين للمشاركة العامة رغم الاختلاف. من يشارك يحصن. والتحصين يفترض القدرة بين الاطراف في الوصول الي نقاط وسط من خلال التفاعل والتفاوض الاجتماعي. وللاختلاف مستويات اربعة: المستوي الاول: الاختلاف في النوع او العنصر، الثاني: الاختلاف في الدين، الثالث: الاختلاف في المذهب، واخيرا، والرابع: الاختلاف في الايديلوجية والرأي. المفترض ان الاختلاف الاقصي يتمثل في الاختلاف من المستوي الاول ، بينما الاخف والاهون هو الرابع. ويستمر التحليل في عرض المؤشرين السادس والسابع في المقال القادم.