حددنا السؤال الاول في استراتيجتنا البحثية في البحث في العوائق التي تأسر الصراع الاجتماعي العام من اقامة اتصال مدني فعال بين الدولة والمجتمع . وللإجابة علي هذا السؤال صممنا ثلاث مجموعات من المتغيرات يتم الاستعلام عنها، أولاها مرتبطة بثقل التاريخ علي حياة الافراد والجماعات، وثانيتها مرتبطة بحجم القوي المحافظة الساندة للنظام السياسي والتي تعطي له سمت الاستقرار والاستمراريه، وثالثتها مرتبطة بقدرة العمليات السياسية الحالية علي تفادي الاجبار علي التغيير الشامل غير المرغوب. بعبارة اخري ، الفرضية الاساسية ان الحاجه المجتمعية للتنوير ينبع من القدرة علي الاتصال المدني الفعال بين قوي الدولة وقوي المجتمع. والمقالات السابقة عن الحالة التونسية نصبت في اغلبها علي الاجابة علي تساؤلات مجموعة المتغيرات الاولي المرتبطة بثقل التاريخ علي حياة الافراد والجماعات. الان ننتقل الي التساؤل عن حجم القوي المحافظة المساندة للنظام السياسي التي تعطي له سمة الاستقرار والاستمرارية. افتتاحا للقول دعنا نقول ان القوي المحافظة علي الاستقرار والاستمرار للنظام السياسي تدخل في سياق تراثين اولهما ، »التراث الدستوري« وثانيهما »تراث الفكرة النقابية«. بالنسبة للتراث الدستوري هناك اجماع في البحوث التونسية من أن هذا التراث لم ينشأ بمجرد اعلان أول دستور للبلاد في اول يونيو من عام 1959 بقدر ما كان مرتبطا أساسا بحركة الاصلاح التي قادها مفكرون مستنيرون منذ أواخر القرن التاسع عشر، طبعوا لاحقا الذاكرة الثقافية في البلاد بفكرة الدستور سواء في مراحل النضال او خلال تأسيس الدولة الحديثة وتطويرها.