بالنسبة للمؤشر الثالث للاجابة عن السؤال الاول بالنسبة للمملكة السعودية - المتمثل في البحث في العوائق التي تأسر الصراع الاجتماعي العام من اقامة اتصال مدني فعال بين الدولة والمجتمع- مرتبط بقدرة العمليات السياسية الحالية علي تفادي الاجبار علي التغيير الشامل غير المرغوب من وجهة القوي المحافظه نقول بالتالي: 1- يتم تفادي الاجبار علي التغيير الشامل في الثقافة السياسيه السعودية من خلال ثلاث آليات: أولاها، الترويج لفكرة ان النظام السياسي يعمل علي هئية الطاغي الرحيم، ثانيتها، الترويج لفكرة السيطرة علي مفاصل الحياة في الدولة والمجتمع من خلال بناء نظام من العمي الثقافي المختار، ثالثتها، الترويج لفكرة ان واحدا من اهم عمليات التفاعل بين النخبة والشعب هو بناء ميكانيزمات للصمت المدني ، 2- النظام السياسي السعودي هو نظام في محصلة الامر يحاول الجمع بين متغيرات تاريخية وموقفية وظرفية متناقضة في هيكل سلطوي واحد. فالتنوير لا يجب ان يتمثل إلا في زياده القدرة علي فاعلية الاتصال المدني، الامر الذي يقول لنا ان هذه العملية تستدعي التغيير المستمر في النظم لقواعد العملية السياسية ناحية زياده الاتصال بين الشعب والنخبة السياسية. وإذا كنا في المقال السابق قد حددنا ان هناك في المملكة العربية السعودية هيكلا نخبويا طبقيا وفئويا جديدا متمثلا في التحالف المتين بين قوي رجال الاعمال والمهنيين في سياق وظل سيطره نظامية من جانب الاسرة الحاكمة ورموز من رجال الدين الوهابي فإن هذا الاتصال ليس في حقيقة الامر اتصالا مغلقا بل اتصال مفتوح بقدر الا يجري التغيير بشكل يصير منفلتا، فيمسي الاتصال المدني ، الذي هو جوهر التنوير، ويصبح مصدرا للفوضي وعدم الاستقرار بدلا من ان يكون مؤشرا علي القدرة علي الانتقال والانفتاح المدني المتفاعل والتدريجي بين عناصر الدولة وعناصر المجتمع، 3- فالعوائق اذن في سياقنا هذا تتمثل في القدرة علي توافر وتجمع مصادر واليات لعدم الاتصال المدني الفعال ، 4- الالية الاولي تتمثل في الترويج لفكرة ان النظام السياسي يعمل علي هئية الطاغي الرحيم، وهذا بمعني ان النظام السياسي يتم تصديره للمواطنين في صورة انه لا يعمل في صورة الاجبار المنظم كأي مجتمع منظم حديث، ولكن صورة التضافر المجتمعي القائم المروج للهيمنة الجديدة، وهذا التضافر بستدعي ضرورة تنظيم مكانيزمات مؤسيسة عامه تسمح بالاتصال الفعال تتسع علي المستوي المحلي وقضاياه وتضيق كلما ارتفعنا الي قمه النظام السياسي، 5- بعباره اخري، آلية الطغيان الرحيم تتطلب من النظام السياسي ان تصبر علي ما تعتبره القوي المحافظة شذوذا تحديثيا، وان تحتمل قوي الحداثة مظاهر اساسية رجعية في النظام السياسي وفي المجتمع. فهذه ليست سلطوية رحمية ولكن طغيان رحيم حيث ان الاولي تعني القدرة علي اجبار النظم في اطار تفعليل عناصر الاجماع في الدولة والمجتمع، بينما الثانية تعني القدرة علي بناء تضافر بين عناصر الدولة وعناصر المجتمع من اجل الترويج لنمط الهيمنة الاجتماعية الجديدة. هذه الصورة الجديدة للدولة السعودية تعني ان الدولة تخلق روحا مدنية جديدة لها، اي ان السعودية انتقلت من المدنية الدينية الي الدولة البيروقراطية الحديثة وتشكل الان روحا مدنية حديثة لها، 6- والالية الثانية تتمثل في الترويج لفكرة السيطرة علي مفاصل الحياة في الدولة والمجتمع من خلال بناء نظام من العمي الثقافي المختار، ونقصد بمفهوم العمي الثقافي هو ان اي نظام سياسي له نظام من الاوليات الثقافية التي يري من خلالها تحدياته ويعمل علي تسيد هذه الاوليات في المجتمع والدولة. في المملكة العربية السعودية شد وجذب مجتمعي حاد علي تحديد الاوليات الثقافية ، وفي كثير من الاحيان تختلف الاوليات الثقافية، التي تخلق السموحات والمحرمات الثقافية والمفهومية، وفق التطور الثقافي للجهات والمناطق في المملكة، 7- واحد من الجوانب الهامة لهذا الشد والجذب يأتي في عدم اتساق الرؤية الثقافية الكلية للمملكة، بمعني ان المملكة تتشدد وتتسامح وفق مدي التعقد الديني والمذهبي للموضوعات المطروحة علي الرأي العام ، ويمكن اعتبار ذلك مظهرا من مظاهر بزوغ التجريب الثقافي المدني المختار في المملكه، 8- الالية الثالثه وتتمثل في الترويج لفكرة ان واحدة من اهم عمليات التفاعل بين النخبة والشعب هي بناء ميكانيزمات للصمت المدني، ونقصد بالصمت المدني عدم التصريح بالرأي والفعل بسبب الاثار الجانبية والعكسية المتوقعة، فالصمت المدني يخلق الية للترميز المجتمعي الجديد، فيلاحظ في السعودية انه تجري عمليات واسعة النطاق لخلق هويات رمزية متعددة تلوح اكثر مما تصرح. الامر الذي يقول لنا ان التنوير في السعودية يمر بعملية مخاض وخلق جديدة صعبة غير محدده النهايات. ويستمر التحليل.