إحياء مشروع البتلو يقلل الاستيراد بنسبة 26 ٪ ويوفر 50 ألف طن لحوم سنويا الغذاء.. أمن قومي.. وإذا كان الانتاج الزراعي المبني علي خطة تنمية ناجحة يمثل الشق الأول في معادلة الغذاء.. فإن الثروة الحيوانية تمثل الشق الثاني من هذه المعادلة . لقد أهملنا الأرض التي تمدنا بالخبز والاحتياجات اللازمة من الخضر والفاكهة »النظيفة« ووصل إهمالنا الي الماشية التي تزودنا باللحم واللبن. ورغم ذلك فالفرصة مازالت متاحة أمامنا للاصلاح وانقاذ ما يمكن انقاذه!.. فرصيدنا من الثروة الحيوانية لا يزيد علي 81 مليونا و997 ألف رأس ماشية.. وهو رصيد لا يكفي استهلاكنا من اللحوم بل يدفعنا للاستيراد الذي تزيد فاتورته يوما بعد يوم.. ورغم شكوانا في معظم المواسم من أزمة الاعلاف فاننا نهدر 02 مليون طن مخلفات زراعية سنويا ولا نستغلها في صناعة العلف!.. ثم أن مشكلة الاستيراد لم تقف عند حد سهولة التضحية بالعملة الصعبة فقط.. إنما جلب امراض متعددة الجنسيات للقطعان المحلية.. وقد تحالفت هذه الأمراض مع سوء عمليات التربية وتدهور الصفات الوراثية. »الأخبار« تناقش كيفية النهوض بالثروة الحيوانية في هذا التحقيق.. تشير البيانات إلي أن الإنتاج الحيواني المتاح حاليا في مصر لا يكفي الاحتياجات المطلوبة من هذا البروتين مما ترتب عليه وجود فجوة غذائية دفعت الدولة إلي التوسع في استيراد اللحوم المجمدة والحيوانات الحية بدلا من تبنيها خطة طموحة لتنمية موارد إنتاج البروتين الحيواني .. الدكتور عادل البربري أستاذ تربية الحيوان بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية ومستشار وزير الزراعة لمشروع تنمية غرب النوبارية يقول إن الطلب علي المنتجات الحيوانية وخاصة اللحوم الحمراء سوف يرتفع يوما بعد يوما لعدة أسباب منها الانفجار السكاني وزيادة الوعي الغذائي وكذلك المقدرة الشرائية للمواطنين .. مشكلة السلالات وأوضح أن أسباب قصور الإنتاج الحيواني في مصر يرجع إلي وجود معوقات كثيرة رئيسية منها ضعف التراكيب الوراثية للحيوانات الزراعية بسبب قلة العناية الغذائية والصحية لها ..حيث ان حوالي 70٪ من حجم الثروة الحيوانية في مصر يمتلكها المزارعون محدودو الإمكانيات ..وخاصة الأبقار والجاموس وهي الحيوانات ذات المصدر الأساسي في إنتاج اللحوم الحمراء والألبان حيث يمكن القول إن غالبية الحيوانات الزراعية ذات صفات وراثية سيئة مما يتطلب تدخلا لتحسين إنتاجية القطعان الحالية من الأبقار والجاموس عن طريق التلقيح الصناعي لسلالات أجنبية عالية الإنتاج وتسمين الذكور للوصول بها إلي أوزان مناسبة للتسويق تتراوح بين 400 إلي 500 كيلو جرام .. وأضاف أن ذبح العجول الرضيعة يأتي علي رأس قائمة المعوقات حيث تسبب الإقبال الشديد علي اللبن للاستهلاك الآدمي وبطء نمو الحيوانات وهي صغيرة خاصة خلال السنوات الأولي من أعمارها وصعوبة تربيتها خلال تلك المرحلة السنية.. وكذلك عدم توافر الأعلاف المركزة التي تشجع المزارعين علي التخلص من العجول الرضيعة وهي في أعمار صغيرة لا تتعدي 40 يوما وفي وزن يتراوح ما بين 60 إلي 80 كيلو جراما والتي غالبا ما يتم ذبحها وإنتاج ما يطلق عليه اللحم البتلو مما يؤدي إلي نقص كبير في كمية اللحوم المنتجة ولجوء الدولة إلي الاستيراد.. وكذلك ذبح الإناث بعد انتهاء موسم الحليب بتغذيتها بكميات من الأعلاف المركزة لتسمينها وينتهي الأمر ببيعها إلي الجزارين وهذا النظام من وجهة نظر المربي ذو عائد اقتصادي مجز.. لكنه يؤدي للقضاء علي أفضل إناث الجاموس علي المستوي القومي .. واستطرد قائلا أن ارتفاع معدلات النفوق بين الماشية يعد من أخطر هذه المعوقات والذي يرجع لعدم توافر الشروط الصحية في أماكن إيواء الحيوانات وعدم اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والعلاجية في تربية الماشية مما يعرضها للنفوق وتشير الدراسات إلي أن نحو 20 إلي 25 ٪ من الحيوانات تتعرض للنفوق في السنوات الأولي من أعمارها لتعرضها لأخطر أنواع الأمراض فتكاً وهو مرض الالتهاب الرئوي الذي يتسبب في نفوق نحو 70٪ منها سنويا .. بالإضافة إلي إتباع المزارع لوسائل التربية التقليدية وعدم استخدام التقنية الحديثة في تسمين الحيوانات وضعف الإرشاد الزراعي وإحجام المزارعين عن تسمين الحيوانات في مرحلة الفطام .. وحول الوضع الحالي للإنتاج الحيواني قال إنه طبقا لآخر إحصائية فأن مصر تمتلك من الثروة الحيوانية 4 ملايين و326 ألف رأس من الأبقار و 4 ملايين و104 آلاف رأس من الجاموس و5 ملايين و467 ألف رأس من الأغنام والماعز و4 ملايين و210 آلاف رأس والإبل 38.951 ألف رأس من الإبل باجمالي 18 مليونا و799 ألف رأس ماشية عام 2007 تبلغ قيمتها أكثر من 7 مليارات جنيه .. إستراتيجية للتنمية أما عن سبل تنمية الثروة الحيوانية في مصر أكد الدكتور عادل البربري أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم ليس أمرا صعبا إذا تم إتباع خطة عامة لحل مشكلة اللحوم من خلال استراتيجيتين .. الاولي آنية وتهتم بالبحث عن مصادر جديدة لاستيراد اللحوم لتلبية متطلبات السوق وإتباع خطة ثابتة في عملية الاستيراد سواء للحوم الحية أو المجمدة .. بينما تهدف الاستراتيجة الثانية إلي تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم خلال عامين فقط.. من خلال عدة محاور تتمثل في تحسين الصفات الوراثية للأبقار والجاموس عن طريق تلقيح إناث الأبقار المصرية بسلالات أجنبية وكذلك الانتخاب بين أفراد الجاموس ..والاهتمام بتربية البتلو بإتباع نظام الفطام المبكر في تنشئة العجول الرضيعة علي اللبن الكامل مما يحقق عدة أهداف منها توفير 200 كيلو جرام لبن من كل أم للاستهلاك الآدمي واحتفاظ المزارعين بالعجول الرضيعة لذبحها عند وزن 500 كيلو جرام مما يضاعف كميات اللحوم الحمراء المعروضة بالأسواق إلي نحو 5 إلي 6 أضعاف .. بالاضافة الي زيادة الموارد العلفية من خلال تحقيق أقصي فائدة من البرسيم عن طريق تجفيف الكميات الزائدة من البرسيم وتصنيع "الدريس" وتحميله ببعض الأعلاف الخضراء الشتوية وزيادة عدد "الحشات" بالتبكير في زراعته .. وضع خطة قومية تهدف إلي المحافظة علي أمهات الجاموس والأبقار والموجودة لدي منتجي الأبقار "الزرٍٍٍٍٍٍٍٍٍابة " بتجريم ذبحها .. وإمداد المزارعين بالوسائل الحديثة في تربية وتسمين العجول حيث يجب العمل علي رفع كفاءة جهاز الإرشاد الزراعي ثم وقاية وعلاج الحيوانات من الأمراض وإحياء مشروع البتلو وخاصة بعد إعلان الصندوق الاجتماعي للتنمية عن عودته قريبا والعمل علي زيادة عدد عجول البتلو المسمنة بزيادة اعتمادات المشروع وزيادة الفئة التسليفية للمرحلة الأولي من 600جنيه إلي 1000 جنيه والمرحلة الثانية من ألف جنيه إلي 2000 جنيه لمواجهة الارتفاع في أسعار مدخلات الإنتاج وتشجيع المربين في الاشتراك في المشروع وعدم ذبح ذكور البتلو الأقل من وزن 120 كيلو جراما في السلخانات والذي يمكن أن يغطي 50 ألف طن لحم سنويا ويوفر نحو 26٪ من الاستيراد وكذلك التأمين علي الحيوانات وتكوين رابطة للمربين هدفها تنمية واستغلال الحيوانات .. وأخيرا تنشيط صناعة الدواجن وتنمية الثروة السمكية للتخفيف من الضغط علي اللحوم الحمراء المخلفات الزراعية .وحول تأثير الأعلاف علي الثروة الحيوانية أكد الدكتور منير العدوي أستاذ تغذية الحيوان وإنتاج الألبان بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية أن نقص الأعلاف وعدم توافر مراع طبيعية في مصر تلبي احتياجات الحيوانات من الغذاء الأخضر السهل الهضم يعد من المعوقات الرئيسية لتنمية وتطوير الثروة الحيوانية في مصر .. حيث تشير الإحصائيات إلي أن المتاح من العلف المصنع سنويا نحو 1.7 مليون طن بينما المطلوب سنويا نحو 7 ملايين طن مما يدل علي أن الحيوانات المزرعية في مصر لا تحصل علي إحتياجاتها الغذائية اللازمة لإظهار طاقتها الإنتاجية .. وأضاف رغم أن الأعلاف تعد المحرك الأول في تحديد أسعار المنتجات الحيوانية حيث أنها تمثل 65 ٪ من تكلفة الإنتاج الحيواني .. الا انها غير المسئولة عن ارتفاع اسعارالبروتين الحالي حيث أن أسعار المكونات العلفية ثابتة ولم يطرأ عليها أي تغيير خلال الشهور الثلاثة الماضية حيث يصل طن كسب فول الصويا إلي 2600 جنيه والذرة يتراوح بين 1200 إلي 1400 جنيه والردة من 900 إلي 1110 جنيهات.. وطالب د. العدوي بضرورة إدخال مصادر غير تقليدية في تغذية الحيوانات حيث يوجد في مصر أكثر من 20 مليون طن مخلفات زراعية خضراء ذات قيمة عالية لكنها مهدرة ولا تستخدم ويتم حرقها مثل قش الأرز وعرش الفول السوداني وبنجر السكر وغيرها من المخلفات الحقلية التي يمكن تقديمها كغذاء للماشية سواء بطريقة مباشرة أو بعد معالجتها مما يرفع قيمتها الغذائية وتزيد من شهية الحيوان ..محذرا من أن الأعلاف يمكن أن تكون وسيلة لنقل الأمراض بين الحيوانات حيث تنقل الميكروبات بين الحيوانات المصابة وبعضها .. الامراض الوافدة ومن جانبه أكد الدكتور هاني يوسف وكيل كلية الطب البيطري بجامعة المنوفية فرع السادات أن الأمراض المستوطنة في مصر والوافدة تهدد تنمية الثروة الحيوانية وتسبب خسائر سنوية تقدر بمليارات الجنيهات .. مشيرا إلي أن الجهود المبذولة لمكافحة هذه الأمراض والحد من انتشارها لا تزال ضعيفة ودون المستوي المطلوب بسبب قلة المعامل والمختبرات البيطرية وضعف الإرشاد والتوعية البيطرية بالإضافة إلي عدم وجود برامج واضحة وثابتة للتحصينات وكذلك قلة مراكز البحوث البيطرية وعدم الاهتمام بتغذية الحيوان مما يجعلها عرضة للإصابة بالأمراض .. وأوضح أن الحمي القلاعية والحمي العابرة "حمي الثلاثة أيام " يعدان من أخطر الأمراض المستوطنة في مصر وغالبا ما تأتي في صورة وباء حيث تسبب ضعفا في إنتاجية الحيوان من اللحوم والألبان حيث تسبب ضعفا وهزالا للحيوان ونقص مناعته مما يعرضه للإصابة بأمراض أخري وغالبا ما تكون أمراضا بكتيرية مثل الإجهاض المعدي وهو مرض يسبب إجهاضا للحيوانات العشائر وخطورته تكمن في أنه مرض مشترك ينتقل من الحيوان إلي الإنسان عند طريق شرب اللبن غير المغلي أو تناول جبن أو ملامسة الحيوان المصاب.. كما أن تكلفة العلاج منه مرتفعة تصل إلي 300 جنيه للرأس الواحد.. ويكشف دكتور هاني يوسف أن استيراد رؤوس الماشية الحية المصابة بعدد من الأمراض غير المتواجدة في مصر أدي إلي ظهور "عترة جديدة" من الحمي القلاعية التي نقلت إلي مصر عام 2006 من خلال شحنة ..عجول حية مستوردة لم تذبح واختلطت بالعجول البلدية التي انتقل إليها المرض ..موضحا أن مصر مستوطن بها نوعان من الحمي القلاعية كانت المعامل تحصن الماشية ضدهما .. التغيرات المناخية ولفت إلي أن التغيرات الجوية والمناخية في الفترة الأخيرة أدت إلي زيادة ضراوة هذه الأمراض فحمي الثلاثة أيام كانت تصيب الماشية لمدة ثلاثة أيام فقط أما في الفترة من عامي 2006 إلي 2007 أصبحت تصيب الحيوان لمدة تزيد عن أسبوعين لتسبب نسبة نفوق عالية بين الحيوانات وصلت إلي 10٪ في عام 2008 وهي نسبة عالية بالمقارنة بفترة التسعينات التي لم تزد نسبة نفوق الحيوانات بهذا المرض علي 1٪ فقط .. و أن الأمراض المستوطنة في مصر تزداد ضراوتها في فترة الصيف حيث تنتقل عن طريق البعوض مثل حمي الوادي المتصدع والحمي القلاعية بالإضافة إلي الأمراض الطفيلية بجميع أنواعها وخاصة الديدان الكبدية وطفيليات الدم التي تنتقل بالقراض وقال أن عدم التدخل السريع والتشخيص والعلاج لهذه الأمراض يمكن أن يساهم في رفع نسبة النفوق بين الحيوانات .. وأوضح أن محافظة كفر الشيخ من أكثر المحافظات تأثرا بحمي الوادي المتصدع وحمي 3 أيام مما يؤدي إلي نفوق أعداد كبيرة من الماشية بقري وضواحي المحافظة خلال الشهر الأول من الولادة خاصة مع عدم اتباع الأساليب الصحية المعروفة لتغذية وإيواء هذه الحيوانات .. وأكد ضرورة اتباع الضوابط والشروط الصحية في الحجر البيطري وأن تكون مساحته مناسبة لحجم الشحنات التي يتم استيرادها في فترات متقاربة وألا تقل مدة حجز العجول الحية بها عن 21 يوما وهي فترة حضانة المرض مع ضرورة التطهير المستمر للعنابر .