رغم اليقين الكامل من الجميع، إسلاميين وغير إسلاميين من اتخاذ الإخوان والسلفيين للدين كمطية للاستحواذ علي أغلبية مقاعد مجلسي الشعب والشوري، إلا أنه في النهاية يجب علي الجميع الرضوخ للنتيجة والرضاء بها لأنها عبرت فعلا عن رأي الأغلبية - حتي لو كانت حالة الفقر والجهل التي تسيطر علي الأغلبية قد ساهمت هذه المرة كما ساهمت في المرات السابقة في جعل أصوات الناس تباع وتشتري، لكن هذه المرة أوهموا الناس بأنهم باعوا الدنيا بالآخرة. وقد كنت ومازلت من الرافضين لدخول الدين في السياسة لأسباب كثيرة، أهم سببين منها هو أنك لو عارضت رأياً لأحد الذين دخلوا مجلس الشعب تحت شعار »تطبيق شرع الله« فمن السهل اتهامك بأنك تعارض شرع الله، وقد يصل الأمر إلي تكفيرك، وسوف يستعينون علي ذلك بالآيات والأحاديث وهذا يقودنا إلي السبب الثاني لرفضي إقحام الدين في السياسة وهو أن تلك الآيات والأحاديث تستخدم وتؤل بطرق مختلفة في المواضع المختلفة دينية كانت أو دنيوية، وقد لمسنا ذلك اثناء الثورة في قضية الخروج علي الحاكم حيث قضي الأمر إلي رأيين مختلفين تمام الاختلاف، الرأي الأول أفتي بعدم شرعية وحرمانية الخروج علي الحاكم المسلم حتي لو كان ظالما، أما الرأي الثاني فقد أفتي بوجوب الخروج علي الحاكم الظالم حتي لو كان مسلما، ومن لم يفعل ذلك كان آثما.. وقد تكرر هذا الأمر في جمعة الدعوة إلي العصيان المدني والتي ظهر فيها بوضوح صعود الخطاب السياسي علي المنبر أو قل هبوط المنبر إلي الخطاب السياسي، حيث رفض معظم أئمة المساجد دعوة العصيان ومنهم إمام المسجد الذي صليت فيه حيث رفضها استنادا إلي فتوي شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية كما ذكر بعض مواد القانون التي تجرم العصيان المدني، أي ان من يدعو إلي العصيان يجب ان يسجن في الدنيا وفي الآخرة هو من الخاسرين. ولما استفز الكلام بعض المصلين وحاول أحدهم مقاطعة الخطيب متحدثا عن حقوق الشهداء ودمائهم ومشيرا إلي تواطؤ المجلس العسكري هب البعض الآخر بالهجوم عليه بحجة عدم جواز مقاطعة الخطيب، ثم بعد الصلاة تعالت الأصوات بين المصلين وبينهم المؤيد والمعارض لكلام الخطيب لينتهي الأمر بأن يمسك شيخ بالميكروفون ويعلن أن ما يحدث الآن حرام وأن المسجد ليس المكان المناسب للمجادلة، ثم أغلق المايك وأسكت الناس، وانتهي الأمر، وخرجت من المسجد متعجبا ومتسائلا: إذا كان الكلام في القضايا السياسية داخل المجلس حراما، فلماذا هو حلال علي رجل الدين أو إمام المسجد؟ وهل هذا معناه أننا أصبحنا في عصر الإخوان والسلفيين وأن علينا أن نتلقي الفتاوي السياسية والاجتماعية من الإخوة أصحاب اللحي علي المنابر وفي مجلسي الشعب والشوري دون أن يحق لنا معارضتها أو حتي مناقشتها، وهل أصبح هؤلاء أوصياء علي الدين والدنيا أيضا- وأن قراراتهم فتاوي مقدمة تتبع ما قاله الله تعالي وما قاله الرسول صلي الله عليه وسلم، وهل يكون هذا هو بداية الطريق إلي ولاية الفقيه وإحياء دولة الخلافة في مصر وهو الأمر الذي ينادي به السلفيون.. ربما؟ لكن الغريب والعجيب في الأمر أنهم يعتقدون ويروجون أن ذلك هو قمة التقدم والنهضة، رغم أنهم يدعون بكل صراحة ووضوح للعودة إلي الوراء.