جمعتني أكثر من جلسة ساخنة مع شرائح من أهل قريتي (سنهوت مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية) وقد غلب علي تلك الجلسات الطابع السياسي مع أن الغاية كان تبادل التهاني بالعيد. أجمع المشاركون في الجلسات التي لا تعرف الهدوء ولا تعترف به في "ملتقي حسن دياب" حفيد الصحفي الكبير الراحل "توفيق دياب" علي أن الفرز الحقيقي للمشهد الانتخابي لن يتصدي له الا الناس والشعب والجماهير، وليس قانون العزل السياسي، إن صدر، ولا قانون الغدر، إن صح، الوعي فقط هو القادر علي الفرز، ذلك الوعي الذي ارتفع مؤشره كثيرا كثيرا طوال عامنا هذا. ما من أحد يتحذلق أو يتشدق بالمصطلحات السياسية الفضفاضة والتعبيرات الخطابية الرنانة، من المترشحين للبرلمان المنتظر، إلا ويجد من يجادله حتي يفحمه، ويسقطه في جب التناقضات بانتزاع الأقنعة الملتصقة بالوجوه واللحي، التي تتكالب هذه الأيام علي البسطاء من الناس، وماهم ببسطاء، ولكن المروجين لأنفسهم بالتمسح في الدين لا يبصرون. رأيت عمليات الابتزاز التي تتم عبر المساجد في خطبة الجمعة، وهي محتشدة بجموع المصلين، ترويجا لمرشحي ما يسمي- وهما وتجاوزا - بالجماعات الاسلامية، لكن هذا الابتزاز لم يعد ينطلي علي أحد، إذ وصل الأمر بأحد المصلين وهو عبد العزيز عقيل، مدرس وشاعر، أن يقطع علي الخطيب خطبته في" مسجد دياب" لحظة أن تفوه وقال إنه لا بديل لنا الا الإسلام، وأن انتخاب هؤلاء المرشحين الاسلاميين واجب شرعي، فإذا بالرجل الثائر يخرج عن السائد والمألوف ويطلق اعتراضه علي الشيخ أشرف خطيب وزارة الأوقاف"!" قائلا له وجها لوجه وسط الخطبة إنك ضال ومضلل، وتسئ استخدام منبر رسول الله وتسخره لمآرب أخري، وفي أول ايام يوم العيد نصحه السلفيون "خليك معانا تدخل الجنة" فرد عليهم "موش عايز الجنة معاكم" ورآه أحد قيادات الاخوان وهو يصيد السمك فقال له تريد سمكا وفيرا قل استغفر الله العظيم يخرج لك السمك جماعات بدون مجهود، فرفض الصيد. ملمح آخر تستقطره الجلسات العفوية، هو عدم التسليم بما يقوله من يسمون أنفسهم ب"السلفيين" إذ وقف خطيب مسجد الشيخ علي الفارس ليعلن علي الملأ- في خطبة الجمعة - ردا علي ما يعتبره هجوما إعلاميا عليهم:" نحن السلفيين في المرتبة الثانية بعد الأنبياء" انه نوع غشيم من الاستعلاء علي خلق الله، وتنصيب أنفسهم وكلاء عن السماء، وما ان انتهت الخطبة فإذا بالمصلي جمال دسوقي يستوقف الخطيب معترضا علي ما تفوه به مستوضحا في دهاء، فاتهمه الخطيب السلفي بأنه من هؤلاء الإعلاميين المشوهين، مع أنه موظف فندقي، وهرب من المواجهة أمام جموع المصلين في المسجد. وحين يقف الشيخ عبد الله عبد المطلب ليعلن أن الله تعالي يقول "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" ولم يقل ولا تموتن الا وأنتم ليبراليون أو شيوعيون، يفاجأ بمن يتصدي له في هذا الخطاب المثير للاستفزاز، وهو مما يرفضه الجميع ضمن ما يرفضون من سوء استغلال الدين في السياسة، وتغليب فقه الرواية علي فقه الآية. في الثالثة صباحا تبينت في الظلام المختلط ببعض من الضياء أربعة في الشارع من اصحاب اللحي والجلاليب القصيرة يطبعون علي الجدران ملصات لحزب النور وحزب الحرية العدالة، سألتهم لماذا في الظلام؟ لم يردوا، قلت من انتم؟ رددوا اسم الحزبين معا وقالوا "في الحالتين إحنا الكسبانين والناس تختار هذا أو ذاك فلا خيار آخر" هكذا يتوهمون، أو هكذا قيل لهم، والله أعلم!. بالمناسبة مثل هذه الحوارات والجلسات تتكرر كثيرا في أنحاء الجمهورية، هكذا قال لي العديد من الزملاء والأصدقاء.