المفروض أن الواحد منا يذهب إلي قريته أو مسقط رأسه في الريف، ليهدأ ويتخلص من إلتباسات ثرثرة المدينة ويبتعد قليلا عن ضوضاء السياسة وعذابات اليومي والراهن، ليتمتع بعذوبة القرية ووضاءتها فيتوضأ من ضوء عيونها. لكن أن تصبح هذه القرية أكثر ثورية من المدينة وأكثر حراكا وأكثر يقظة في مناقشة القضايا المتداولة الناشبة أظافرها، فهذا ما لم يكن في الحسبان وبهذا القدر العنيف والعفيف معا! صحيح أن القرية المصرية عبر التاريخ هي النبض والركض والثورة والثروة والقوة والعنفوان، ولذلك تخونها المدينة، لكنها الآن لا. لقد ذهبت إلي قريتي"سنهوت، أكبر وأقوي قري مركز منيا القمح محافظة الشرقية" آملا في قضاء بعض الوقت هادئا إلا قليلا لعل نفسي تكون كالصبح إذا تنفس، فإذا بي أشهد وأشارك في أكثر من ملتقي سياسي وتجمع ثقافي ومنتدي فكري، تتلاقي فيه كل الأطياف:من الإخوان والسلفيين والتبليغ والدعوة والقرآنيين واليساريين والوفديين والليبراليين والمتزمتين والمتطرفين والرافضين لكل هؤلاء، والفلاح الفصيح الذي يناورهم، والفلاح المثقف الذي يتجادل بعمق مع حملة الدكتوراه والماجستير وأهل الذكر أجمعين، كلهم في منظومة واحدة لكن ليست وحيدة. هذه هي القرية: الخلية الحية دائما في المجتمع المصري ومنها تكاثرت خلايا رموز مصر في كل الأرجاء معطرين بترابها، مضفرين بخيراتها ، مدثرين بخبراتها، منزلين بتجليات الوطن والمواطن والمواطنة، مؤصلين لكل أبناء مصر مع التحفظ علي التقسيم القسري فلم يعد بذي قيمة ولن يعود. قريتي نموذج يتكرر في كل القري، ثورة وثروة، رأيت الشباب يتوهجون بالفكر والإبداع العلمي والأدبي والتقني، وكانوا من فرسان ميدان التحرير، رأيت الشيوخ يخفضون جناحهم للأجيال الجديدة مؤكدين حكمة "أواه لو عرف الشباب وآه لو قدر المشيب" السياسة تجري في حواراتهم مجري الدم، رأيت النساء متحدثات في كل شئ سياسي رافضات المجالس العليا للنميمة، وعذابات الوطن تخترق حتي العلاقة بين المرء وزوجه،رأيت تلاميذ المدارس الإبتدائية والاعدادية يتظاهرون من أجل حقوقهم البريئة، فالذي يحدث الآن من شواهد ومشاهد في القرية هو القاعدة وما دون ذلك وما قبل ذلك كان الإستثناء! ليس فقط لأن "سنهوت" مسقط رأسي وليس فقط لأنها أنجبت رموزا في الصحافة والسياسة والاقتصاد والطب والهندسة والقانون والقضاء والعلوم والدبلوماسية بالألوف، بل أيضا لأنها تتكرر كثيرا في ريف مصر، ومن أشهر هذه الرموز تاريخيا السياسي العريق والصحفي الشهير "توفيق دياب" صاحب جريدة "الجهاد" قبل ثورة 2591 وما بعدها من تحولات ليستنسخ روحها بمهارة ابنه "د. كامل توفيق دياب" في الزميلة "المصري اليوم" وصلاح دياب الذي يغذيها باستقلالية الاستراتيجية الإعلامية، وتواصلت الأصداء في حفيد توفيق دياب : كاتب هذه السطور، وعشرات الشخصيات التي تتألق بالعطاء الثمين، د. أسامة عقيل استاذ الهندسة بجامعة عين شمس الذي شغل الدنيا بتطوير مرور القاهرة وقضية المقطورات ودخل في معارك شرسة من النظام البائد لأنه كان يريد انقاذ القاهرة، ود. خيري مقلد الطبيب السياسي الذي حالوا بينه وبين منصب وزارة الصحة مرات عديدة كما حالوا بينه وبين مجلس الشعب لأنه " شديد ودماغه صلبة" واللواء أسامة مقلد مدير النيابة الادارية في الشرقية وما أدراك ما النيابة الادارية، والمهندس حسن دياب الذي صارعه بلطجية الحزب باللامعقول ويتهيأ الآن لهم، هؤلاء بعضا من كل000000...