منذ بداية ثوره 25 يناير العظيمة ونحن في حالة حراك سياسي لن أتحدث عن سلبياته أو إيجابياته وعما إذا كان هذا الحراك وليد مرحلة اللاوعي السياسي التي تمر بها البلاد عقب الثورة بسبب الفراغ السياسي الذي عاشت فيه مصرنا الحبيبة في ظل النظام البائد مما أصبح معه رجل الشارع المصري بغالبية طوائفه لا يعنيه في المقام الأول سوي قوت يومه أم أن هناك أسبابا أخري لهذا الحراك السياسي!! كما أسلفت فلن أقف أمام ذلك الأمر فهو ليس موضوع مقالنا بل دعونا نتوقف قليلاً لمخاطبة أهل المحروسة بالدستور الذي ظل منذ اندلاع الثورة حتي تاريخ يومنا هذا هو محور الأداء السياسي بداية من الاستفتاء بنعم أو لا بتاريخ 19 مارس سنة 2011 علي تعديل لبعض المواد بدستور 1971 ثم الإعلان الدستوري الذي تضمن عدد ثلاث وستين مادة دستورية من بينها المادة 60 التي تضمنت الإشارة إلي إجتماع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشوري في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولي إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ويعرض المشروع خلال خمسة عشر يوماً من إعداده علي الشعب للاستفتاء في شأنه ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء !! ثم طرحت وثيقة الدكتور علي السلمي والتي تضمنت بين طياتها معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد.. وأيضاً يثار الكثير من التساؤلات هل يتم انتخاب الرئيس قبل وضع الدستور أم العكس ؟ ثم يثار أيضاً الصراع حول من الذي يضع هذا الدستور وممن يتم تشكيل الجمعية التأسيسية ؟ ثم أخيراً ما هو نظام الحكم الأمثل لمصر هل هو النظام الرئاسي والذي يستحوذ فيه رئيس الجمهورية علي كل السلطات كما هو الحال في دستور عام 1971، أم هو النظام البرلماني والذي ينتخب فيه رئيس الجمهورية من قبل البرلمانين ويكون منصبه شرفياً ؟ أم النظام الرئاسي البرلماني وهو نظام خليط بين النظام الرئاسي والبرلماني يكون به رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكين في تسيير شئون الدولة ؟ وأمام هذا الزخم الهائل من الأسئلة التي تطرح نفسها كان لزاما علينا أن نكتفي بهذا القدر من اللاوعي القانوني والذي أوقعنا في مغبة هذا التخبط السياسي!! فالأمر لا يحتاج كل هذا وذاك فنحن أمام أبواب أربعة من دستور 1971 شديدة العبقرية لن يلحقها أي مساس ولو فعلت لما احتاج الشعب المصري لأي ثورات فأنا أدعوكم جميعاً إلي قراءة نصوص هذه الأبواب الأربعة والتي تحدثت عن نظام الدولة والمقومات الأساسية للمجتمع وكيف أن المجتمع يقوم علي التضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمقومات الاقتصادية سواء فيما يتعلق بزيادة الدخل القومي وعدالة التوزيع ورفع مستوي المعيشة والقضاء علي البطالة وزيادة فرص العمل وربط الأجر بالإنتاج وضمان حد أدني للأجور ووضع حد أعلي يكفل تقريب الفروق بين الدخول!!.. ثم حدث ولا حرج في الباب الثالث من دستور 71 عن الحريات والحقوق والواجبات منها المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة!!.. والحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس !! ثم الباب الرابع في هذا الدستور الذي تحدث عن سيادة القانون كأساس للحكم في الدولة!! ألم يكن جديراً بنا أن يكون دستورنا الجديد منطلقاً من هذه الأبواب الاربعة ثم يكون مقام الحديث في الدستور الجديد عن نظام الحكم وإن كنت أري من وجهة نظري الشخصية أن النظام الأمثل في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصرنا الحبيبة هو النظام الرئاسي البرلماني .ثم دور السلطة التشريعية (مجلس الشعب) ثم السلطة التنفيذية من رئيس جمهورية وحكومة والمجالس الشعبية المتخصصة والتي تُشكل للتعاون في رسم السياسة العامة للدولة في جميع مجالات النشاط القومي ومدي الحاجة إليها في ظل الدستور الجديد وإن كنت أري من وجهة نظري أن هذه المجالس في ظل دستور سنة 71 كانت بمثابة ديكور فهي تابعة لرئيس الجمهورية يملك بموجبها تكريم من أحيل للتقاعد ومن لا عمل له!!.. ثم أيضاً دور السلطة القضائية والمحكمة الدستورية العليا والقوات المسلحة والشرطة وأخيراً مجلس الشوري وسلطة الصحافة. ويجب أن يعلم القاصي والداني بأن مصرنا الحبيبة لديها رجال قضاء عظماء وأساتذة قانون دستوري يشار إليهم بالبنان والجميع لديهم ثقافة الإحساس بالوطنية ويعلمون جيداً بالنصوص الدستورية القادرة علي قيادة البلاد إلي بر الأمان والوصول بها إلي مصاف الدول المتقدمة!!.. ولكن ليس ذلك كافياً ولن يكون كافياً دوما مع الأيام سوي تطبيق النصوص الدستورية علي أرض الواقع، فما الفائدة من نصوص عبقرية لا تطبق بل تنتهك فالشعب يريد السلوك الذي يقود النصوص الدستورية والقانونية إلي التطبيق الأمثل. فقد يكون هناك نص قانوني ظالم ولكن يقف حائلاً دون تطبيقه قاض عادل!! وفي النهاية " دعونا نقرر بأن العبرة ليست بالألفاظ والمباني ولكن بالمقاصد والمعاني "