لعل المراقب للشأن العام فى الظرف الراهن سينشغل حتما برصد الجدل الدائر فى الشارع السياسى المصري ما بين فريق ينشدن بخارطة البرلمان أولاً ثم الدستور أولاً ثم البرلمان ثم الرئيس.. ويصطف الإخوان والسلفيون وغيرهم من جماعات الإسلام السياسى والجانب الأول مؤيدين بالإعلان الدستوري الذى رسمه وجد ملامحه أولى الأمر علي هوي ومراد هذا الفريق يفعل فاعل منهم، بينما تجاهد القوى الوطنية والليبرالية واليسارية وائتلاف شباب الثورة فى الجانب الآخر يدعمهم فقهاء القانون الدستورى والسوابق الدستوريين فى دول العالم المتحضر والتي تفرض أن يكون الدستور أولا بحسب طبيعة الأشياء والمجري الطبيعى للأمور باعتباره العقد الاجتماعي الذى لا يصح إلا بتوافق الشعب بكل أطيافه ومكوناته دون إقصاء لأحد من أحد وبحسبان أن الدستور هو الذى ينشأ المؤسسات فلا يصح أن يكون وليداً لإحدي هذه المؤسسات حتي ولو كانت البرلمان.. وأيا ما كان القول بوجوب تقديم البرلمان على الدستور أو بتأخير الدستور إلى ما بعد نتخاب البرلمان فإن الحقيقة الأكيدة التى عمد البعض إلى إخفائها عن الشعب والتشويش عليها هى أن التعديلات الدستورية التى وافق عليها الشعب فى استفتاء مارس تقضى بوضوح وبلا خلاف بأن يكون انتخاب رئيس الجمهورية سابقا علي صياغة الدستور الجديد فقد وافق الشعب فى الاستفتاء الأخير علي نص المادة 189 مكررا والتي جالت فى إجراءات وضع الدستور الجديد إلى الفقرة الأخيرة من المادة 189 وقد نصت هذه الأخيرة علي أن يعرض رئيس الجمهورية مشروع الدستور خلال خمس عشرة يوماً من إعداده علي الشعب لاستفتائه في شأنه ومؤدى هذا النص ولازمه أن يكون رئيس الجمهورية قد تم انتخابه فعلا من قبل الشعب قبل إعداد الستور بل وحتي وبل تشكيل لجنة المائ{ المنتجة من أعضاء مجلس الشعب والشورى. وأنا أطرح هذا السوال علي كل ما قل رشيد إذا لم يكن انتخاب رئيس الجمهورية سابقا علي إقرار الدستور الجديد على نحو ما قضت به المادة 189 مكرراً سالف الإشادة إليها فلماذا إذن تم تعديل المواد 65 و66 و77 من دستور 1971 المعطل التي تحدد الشروط التي يتعين توافرها فى شخص المرشح لرئاسة الجمهورة وشروط الترشح ومدة الرئاسة؟ فإذا كان إعداد الدستور الجديد يسبق انتخاب رئيس الجمهورية فلماذا تم تعديل هذهخ المواد الثلاث واستفتاء الشعب عليها؟ والإجابة التى لا يمكن أن يختلف عليها العقل والمنطق هى أن هذه التعديلات إنما تقررت ليأتي الرئيس أولا وإلا فلو كان الدستور هو الأسبق فلماذا لم تترك هذه الم سائل جميعها لينظمها الدستور المرتقب مادام الدستور يسبق انتخاب الرئيس؟ والصحيح في الواقع والقانون أن مقتضى تعديل المواد أشار إليها وطرحها فى استفتاء عام على الشعب هو أن ينتخب الشعب رئيسه أولا وفق هذه المواد وقبل إعداد ادستور الجديد ؟؟؟؟؟؟؟؟ تعديل هذه المواد واستفاء الشعب علهيا لغواً ينزه عنه المشروع وهدراً للوقت والجهد والمال العام يسأل عنه من وعي إلى هذا الاستفتاء. والحقيقة أن الأمر لم يكن أبداً من قبيل العبث أو اللهو وإنما كانت هناك نية وإرادة حقيقية لدى الجميع بأن ينتخب رئيساً للجمهورية في زسرع وقت لينقذ البلادمن السقوط في الفوضى ويعبر بها إلى شاطئ الأمان والاستقرار لذلك تم تعديل المواد الخاصة بانتخابات الرئاسة واستفتى الشعب عليها للعمل توجيها فوراً.. هعلي أن يدعو رئيس الجمهورية المنتخب لاحقاً الشعب للاستفتاء على الدستور الجديد رثما يتم إعداده وذلك كله وفق نص المادة 189 مكرراً المشار إليها. وهنا سؤال يفرض نفسه إذا كانت هذه هى الإرادة الحقيقية للشعب الذى صوت بنعم فى الاستفتاء وكان هذا هو مقتضى ومؤدى التعديلات الدستورية التي أقرها الشعب؟ فلماذاتم الالتفات على نصوص المواد التي وافق عليها الشعب فى الاستفتاء والاتجاه بالمخالفة لهذه النصوص صوب ترحيل انتخابات الرئاسة مع سبق الإصرار والترصد على خلاف مراد الشعب وعلي خلاف إرادته لتكون لاحقة علي وضع الدستور الجديد الذى لم تحدد له التعديلات الدستورية سقفاً زمنياً معيناً ومن ثم يمكن أن يستغرق إعداده وإصداره سنوات وسنوات.. ولماذا تم قلب الحقائق فزين للشعب خلافا للحققة أن مؤدى التعديلات الدستورية أن يكون الرئيس فى المحطة الأخيرة دون إتمام إعداد وصياغة وإصدار الدستور؟ ولماذا جرت صياغة المادة 60 من الرعلان الدستور على خلاف نص المادة 189 مكرراً بحذف عبارة «رئيس الجمهورية» لتحل محلها عبارة «المجلس الأعلي لقوات المسلحة» وذلك بغرض إضفاء مشروعية زائفة علي فكرة الرؤس أخيراً خلافاً لصريح نصوص جميع التعديلات الدستورية التى وافق عليها الشعب فى الاستفتاء؟ ومن ذا الذى يحاول تأخير وتأجيل وترحيل انتخاب رئيس مصر خلافا لإرادة الشعب المصرى المعلنة فى نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية؟ وما هو الهدف من هذا التأجيل والتعطيل؟ وهل للجهات الخارجية التي سبق أن سماها الدكتور مصطفى الفقى فى م قولته الشهرية «إن الرئيس المصرى صناعة أمريكية» هل هذه الجهات لا ترغب فى انتخاب الرئيس فى الظرف الراهن وقبل تبرير الثورة حتي لا يأتي رئيس من رحم هذه الثورة يبدد أحلاهم ويفسد مؤامراتهم ومخططاتهم للمنطقة؟ وهل الهدف من هذا التأيجل والتعطيل هو إفساح المجال وإتاحة الوقت الكافى أمام فلول النظام السابق ومريدهم لإعادة تنظيم صوفوفهم وترتيب أوراقهم وتمهيد الزرض تحت أقدامهم حتى يتسني انتخاب رئيس لمصر من خارج الحالة الدستورية الراهنة يكون على مقاس إسرائيل والسعودية وأمريكا وإذا لم يكن صحيحا فما هو التاريخ المعين لانتخاب الرئيس وهل الخوف من الرئيس القادم هو السبب المباشر فى اللدفع فى اتجاه جعل الدستور صنيعة البرلمان لضمان إنتاج جمهورية برلمانية تتحكم فيها أغلبية يجري التفاهم معها مسبقا ويكون الرئيس فى هذه الجمهورية مجرد مسخ وضيف شرف فى المشهد السياسى الثورى. كل هذه الأسئلة المطروحة وغيرها من التحليلات المنطقية تظل مشروعة ومباحة فى ظل المشهد السياسى الملتبس الذى تعيشه مصر حاليا ويختلط فيه الحق بالباطل والصدق بالكذب، والدين بالسياسة، وذلك حتى يجيب أولى الأمر على هذه الاسئلة بما يزيل الإلتباس الحاصل ويبدد الشكوك فى القصد والنوايا، واتحدى أن يخرج علينا أحد المسئولين فى مصر معلنا عن تاريخ محدد لانتخابات الرئاسة. والحق أقول لشباب الثورة الذى يحترق بلهيب شمس يوليو الحارقة فى ميدان التحرير وإلى كل القوى الوطنية الشريفة فى مصر «إنه لا سبيل إلى إنقاذ ثورتكم الغظيمة المباركة سوى بالتمسك بأن يكون إنتخابات رئيس الجمهورية أولا قبل الدستور بل وقبل البرلمان». وعلى كل من يحب مصر وينشد لها السلامة والمجد، أن يرفع هذا الشعار المستند إلى الشرعية المستمدة من إرادة الشعب المعلنة فى نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ولن يجدد القضاء المصرى بدا من إنصافكم إذا لجأتم إليه طالبين تنفيذ التعديلات الدستورية التى وافق الشعب عليها فى صيغتها الصحيحة، والتى تقرر أن الرئيس أولا وليس الدستور أو البرلمان. والحق أقول أيضا، أن مصر قد نهبت، ودمرت، وصارت خرابة كبيرة، وأن شعبها قد ذاق لباس الخوف والجوع والمرض، على مدى ثلاثين عاما فى ظل دستور وفى رحاب برلمان، فلا الدستور يحروفه المرصوصة حبرا على ورق، ولا البرلمان بلسطاته الضعيفة -مقارنة بسلطات الرئيس- يقدران على إنقاذ مصر وإنقاذ ثورة شعب مصر مما يحاك ضدهما من مؤمرات خارجية وداخلية. بل إن انتخابات رئيس الجمهورية يجمع شتات الأمة ويوحد صفوفها ويعلى إرادتها هو الملاذ الآمن والحل المأمون فى الظرف الدقيق التى تمر به مصرنا الحبيبة، وهو يحرص أعداء الثورة على تأخيره. وليس لأى مصرى عاقل أن يشك أبدا فى أن انتخابات الرئاسة إذا ما جرت «أولا» فسيأتى الشعب المصرى الحر من خلالها بأعظم رئيس وأفضل رئيس، وهذا هو ما تخشاه القوى المتربصة بمصر، وبثورة شباب مصر. وهذا تحديداً هو ما يدعونا إلى التمسك بشعار «الرئيس أولا» والعلم على الدفع فى هذا الاتجاه بكل ما أوتينا من قوة وعزم وتصميم حتى يتحقق لنا ذلك، وبذلك يمكن توجيه أكبر صفعة لكل متآمر على مصر، وعلى شعبها العظيم، وثورتها المجيدة. ما أشبه مصر اليوم بسفينة فى عرض المحيط تتقاذفها الأمواج المتلاطمة، والريح العاتية، فلا أمل لركابها فى النجاة إلا فى ربان قدير يقود السفينة بمهارة إلى شاطئ الأمان. فليكن شعارنا جميعا من الآن فصاعدا «الرئيس أولا» وليكن معلوما أن هذا الشعار الآن وحده القادر على توحيد الصف الذى أريد له أن يتفرق، وجمع الشمل الذى أريد له أن يتمرق، وهذا الشعار وحده القادر على تجميع سائر القوى الوطنية من أقصى اليمين إلى إقصى اليسار تحت راية واحدة، فضلا عن كونه أقصر طريق لنقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة، قادرة على تحقيق أهداف الثورة.