من أبرز الشخصيات التي ظلت عالقة في ذهني منذ قرأت رواية تشارلز ديكنز »قصة مدينتين« شخصية السيدة الفرنسية »مدام ديڤارج« التي ظلت تظهر في مشاهد الرواية وهي منهمكة في نسج خيوط التريكو، وكأنها تصنع بيدها رداءا لها او لأحد أفراد أسرتها. عندما تصاعدت أحداث الرواية ظهرت حقيقة النسيج الذي كانت تنسجه »مدام ديڤارج«، فالسيدة الفرنسية كانت تسجل خلال نسج الخيوط قائمة بأسماء أعداء الثورة، حتي إذا دقت ساعة الحساب، قدمت »مدام ديڤارج« للثورة قائمة الطغاة المطلوب إعدامهم. تذكرت »مدام ديڤارج« أكثر من مرة خلال الشهور الماضية، وأنا اتابع تطور أحداث الثورة المصرية، ومطالبة أصحاب الثورة بمحاكمة ناجزة لكبار قيادات الدولة والحزب الوطني، وعلي رأسهم المخلوع حسني مبارك الذين أهانوا مصر وحولوها من دولة قائدة وفاعلة بالمنطقة إلي دولة أقرب إلي »المسخ« لاحول لها ولا قوة، بل إنهم كانوا يتخذون القرارات في الاتجاه المعاكس لمصالح المصريين، وبما يخدم مصالح العدو!. قد تكون الثورة الفرنسية احتاجت لنموذج »مدام ديڤارج« لحصر أسماء الطغاة الذين قهروا الشعب الفرنسي تمهيدا لإعدامهم علي مقصلة الثورة، أما الظلمة والقتلة الذين قامت الثورة المصرية لتزيحهم، فهم واضحون وضوح الشمس، وأغلبهم موجود بين أيدينا ومحبوس خلف الأسوار، ولكن ثوار 25 يناير لم ينصبوا المشانق منذ البداية كما فعلت الثورة الفرنسية، وهذا هو السر في أن ما تحقق مازال لا يلبي طموحات الثوار حتي الآن!.