كل ألعاب الكمبيوتر تعتمد على أبدية الأشرار والأبطال الذين يقفون لهم بالمرصاد. مصرع المسخ الشرير أو مقتل المحارب الطيب هما نهاية مؤقتة يعقبها بعثهما من جديد بنقرة من فأرة الجهاز على مربع بداخله كلمة نعم تختارها كإجابة لسؤال خالد: هل تريد مواصلة اللعب؟ فكرة الصراع فى كل ألعاب الفيديو لا تتغير رغم اختلاف حلبة القتال والتفاصيل المحيطة بها. لا فرق بين مصارعة تستخدم فيها فنون القتال الجسدية أو أخرى تستخدم فيها أدوات الحرب على اختلافها. فى الحالتين باختيارك لنموذج البطل الذى تريد أن تكونه، وكذلك لسلاحه الذى ستستخدمه فى الصراع تكون على أهبة الاستعداد لدخول التجربة التى لا نهاية لها مهما طالت سوى بموتك أو بمصرع الشرير، التى هى فى حقيقة الأمر بداية لدورة جديدة من الصراع. تبدأ اللعبة بأن توجه طلقات سلاحك إلى المسخ الذى يطاردك ويرغب فى قتلك. تطول المراوغة وتوشك طلقاتك على النفاد. ربما ترسل لك العناية الفيديوجيمية خزينة طلقات ملقاة على الأرض فى ساحة القتال، أو ربما يستلزم الأمر منك البحث فى معسكر مهجور للجيش عن خزينة طلقات تختفى فى أحد الأدراج أو ترقد على رف من الرفوف لكى تحشو بها سلاحك. ساعتها يكون عليك اتخاذ أقصى درجات الحذر لكى تتقى طلقات القناصة الذين يساعدون الشرير فلربما يصطادك أحدهم خلال بحثك عن الذخيرة ويرديك بطلقة غادرة لا تتوقعها. فى ألعاب الفيديو الطفولية الأقل شرا وإثارة، يعتمد فوز البطل على حصد البللورات اللامعة التى تطفو وتدور فى الهواء. التى يمكنك التهامها إن تمكنت من القفز والمرور عليها بسرعة على وقع أنغام إلكترونية تشبه صوت انفجار فقاعات مائية موسيقية، وبالتهامها تتمكن من إعادة شحن طاقتك من جديد. فى تلك الألعاب البدائية يمكن للشرير هو الآخر أن يبتلع صفوف النقود الذهبية المعلقة فى الهواء وهو ينافسك على جمع أكبر كمية منها، وبازدياد مؤشر قوته ووصوله إلى أقصى إشارة حمراء يتعين عليك الهرب من أمامه مؤقتا، والبحث عن مصدر للبللورات والعملات الذهبية السابحة فى الهواء لكى تتمكن بدورك من إعادة رفع مؤشر قوتك ليصل إلى علامة خضراء مناسبة تتيح لك فرصة مواصلة الصراع. فى الألعاب الأكثر عنفا وتعقيدا، التى تختار فيها هيئتك وسلاحك، يكون تقمصك شخصية البطل الشجاع ناتجا عن اقتناعك بعدالة قضيته فى البحث عن الأميرة الجميلة السجينة أو عن ضرورة تحريرك لأصدقائه المعتقلين الأبرياء من الأسر، وربما يحفزك ذلك الاختيار إلى أهمية الاستمرار فى القتال والحرص على حياتك/ حياته من الطلقات الغادرة التى يوجهها إليكما شرير اللعبة ورفاقه. عادة كلما ازدادت مهارة الشرير فى اللعبة ازدادت فرحتك بالانتصار عليه، وفى المرات التى تفقد فيها حياتك بعد اقترابك من تحقيق ذلك الانتصار بشق الأنفس تكون فجيعتك أعمق وأقسى. الفرق الوحيد يا صديقى أن اللعبة تدور فى حياة افتراضية تتيح للمرء دائما فرصة جديدة وبعثا جديدا، بينما اختيارك للصراع مع الأشرار فى الحياة الواقعية لا يحكمه سوى قانون يقول إنك تمتلك حياة حقيقية واحدة قد تنتهى بانتصارك أو بوقوعك ضحية لمنافسك ورفاقه من السفاحين. لا عجب إذن فى أن الثورة ضد الطغاة صنعها الشباب الذين طالما ثاروا ضد الأشرار فى الواقع الافتراضى. أبناؤنا الذين اعتادوا على أن يفرحوا بهدايانا التى نقدمها لهم من ألعاب الفيديو التى دائما ما يفشل أمثالنا من الكبار فى التعامل معها ولا يتقن مهاراتها ومغامراتها سوى الشباب والأطفال. فى الحياة الواقعية يستشهد الثوار والأبطال فلا يتوقف اللعب لأن الشعوب تدفع دائما بالمزيد منهم إلى الصفوف الأمامية التى يحتدم فيها الصراع. كذلك قد لا يؤدى مصرع الطغاة إلى انتهاء تلك اللعبة الواقعية التى يمكن إعادتها على الدوام بأشرار جدد. كل الطغاة تزوغ أعينهم عندما يلقى الثوار القبض عليهم أو يلعبون فى أنوفهم حائرين خلال وقائع جلسات محاكماتهم، وهم فى حقيقة الأمر يبحثون عن مربع ينقرون عليه لإعادة اللعبة، غير مدركين أن دورهم انتهى بوقوعهم فى قبضة الأخيار، وأنهم حتى وإن تمكنوا من إعادة الدور فسيستمر الصراع باستخدام أشرار جدد غيرهم. ربما تكون لعبة أبدية لخصها أمير الشعراء الثائرين ومتنبى العصر الحديث صديقى الراحل أمل دنقل بأبياته التى تقول: «لا تحلموا بعالم سعيد.. فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد.. وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوى، ودمعة سدى». ولكن عذرا أمل فأنا أرى أن أبدية اللعبة لا يجب أن تمنحنا مبررا للاستسلام. ربما يتمخض موت الثوار عن أحزان لها جدوى. فمهما تغير الطغاة سننقر نعم لإعادة اللعبة، لأن الانسحاب من مواصلة اللعب ترف لا نملكه أو قل إنه انسحاب من مواصلة الحياة ذاتها. أقول هذا رغم أننى أعلم أنها لعبة شرسة، وقودها أنبل الشباب وأفضل المجاهدين. لكن اختيارك لكلمة «لا» قد ينهى اللعبة بانتصار الطغاة ويغلق احتمالات الحياة الحرة الكريمة فى وجهك. دعنا نقول نعم لمواصلة الصراع الذى لم ينته بانتصارنا أو بهزيمتنا بعد. طبيعة اللعبة لا تمنح الطغاة أو الأبطال انتصارا أبديا فلا أقل من أن نطمع فى الفوز بجولة نستحقها نحصل فيها على جميع حقوقنا فى واقع غير افتراضى نملك مفاتيحه التى تتيح لنا أن نختار من يدير شؤون بلادنا لفترة محددة يمكن لنا بعدها أن نزيحه من الصورة باستخدام الأسلحة المشروعة التى تضمنها قواعد اللعبة الخالدة فى دولة تحكمها الحرية والعدالة والمساواة.