في كثير من افلام الكاوبوي الامريكية شاهدنا كيف تدفق آلاف الامريكيين علي القري النائية في الولاياتالمتحدة في القرن الثامن عشر بحثاً عن الذهب أو النفط أو لمد سكك حديد وصولاً الي الثراء السريع. وهي في الواقع أفلام مشوقة لمع في بطولاتها نجوم من أمثال كلارك جيبل وجون واين وكاري كوبر وأودي مورفي ومثلت فيها نجمات شهيرات مثل جين راسل ومارلين مونرو. وهذا المقال ليس فنياً ولكنه اقتصادي وسياسي. يقول بوست هلترمان نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير حكومية معنية بتسوية الصراعات، ان مدينة إربيل في شمالي العراق تبدو هذه الأيام كواحدة من مدن الغرب الأمريكي القديمة أيام البحث المحموم عن الذهب، إذ يتوافد المستثمرون من كل المشارب علي المدينة الكردية العراقية لإنفاق دولاراتهم مدفوعين بإغراءات الأرقام المرتفعة، والمبالغ فيها إلي حد كبير لما قد يكون احتياطات النفط والغاز، ووعود بعائدات تضاهي تلك الأرقام. ولا يحتاج بعض هؤلاء المستثمرين الي الكثير من التشجيع، لكن مع كل عقد يبرم، ومع ارتفاع معدلات الصادرات، تقوم حتي الشركات المحافظة نسبياً بتجريب حظها خشية أن تضيع من يديها الفرصة إذا تبين أن المنطقة هي حقاً منجم الذهب الذي يصوره قادتها. وكانت "إكسون موبِل" آخر وأكبر تلك الشركات الامريكية التي قررت خوض المغامرة. وفي استراتيجية حكومة أربيل الفيدرالية اجتذاب شركات النفط الدولية بدءاً بشركات صغيرة مثل شركة "دي. أن. أو" النرويجية ومروراً بشركات أكبر مثل "ماراثون أويل" وانتهاء بالشركات العملاقة مثل "إكسون موبل". وبذلت أربيل كل جهد ممكن لتنويع بلدان المنشأ، حيث وقعت عقوداً مع شركات من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وبلدان أخري بهدف الحصول علي الاعتراف والشرعية الدوليين لنفسها كدولة داخل الدولة العراقية في الوقت الراهن. وربما أيضاً لضمان حماية المنطقة الكردية اذا دق ناقوس الخطر التركي أو الايراني أو حتي العراقي، أو للحصول علي الدعم في حال قررت أن تصبح دولة مستقلة منفصلة عن العراق رسمياً. وما يكمن وراء هذه الإستراتيجية هو مسعي القادة الأكراد الي توسيع المنطقة التي يسيطرون عليها إلي الحد الأقصي وتوسيع الصلاحيات التي يمارسونها داخل هذه الأراضي إلي أقصي حد ممكن. الأمر الذي يفسر تأويلهم الفضفاض للدستور العراقي الذي لعبوا دوراً حاسماً في صوغه تحت مظلة الاحتلال الامريكي، وصراعهم المستمر لضم ما يصفونه بالمناطق المتنازع عليها التي يزعمون أنها كانت جزءاً من كردستان التاريخية. إلا أن هناك عدداً من العوامل التي قد تقيّد محاولات القيادة الكردية في الانفصال، منها ان القادة الأكراد عندما يصرحون بأن لديهم احتياطات نفطية تقدر ب 450 بليون برميل من النفط وألوف البلايين من الاقدام المكعبة من الغاز، فإنهم يتجاهلون حقيقة أن معظم هذه الاحتياطات توجد خارج إقليمهم في مناطق لم يتم تحديد وضعها بعد وهي تابعة الي محافظات عربية مثل نينوي وصلاح الدين وديالي والتي قد تتحول ثرواتها إلي فتيل يطلق شرارة النزاع في بغداد وإربيل علي حدٍ سواء. وعندما دخلت شركة "إكسون موبل" غمار مشكلة الأراضي التي يصفها الاكراد بالمتنازع عليها، في أكتوبر الماضي بتوقيعها علي عقود استكشاف عبر الخط الأخضر الذي يمثل الحد الدستوري للإقليم، فإنها بذلك زرعت الغاماً قابلة للانفجار في أي وقت. كذلك فان عدم وجود منفذ للاقليم علي البحر، يعني ان عليه الاعتماد علي الجيران للوصول إلي الأسواق العالمية. وتركيا هي المرشح الأوفر حظاً للاضطلاع بذلك الدور. وعلي رغم رغبة تركيا الشديدة في أن تكون هي القناة الرئيسية لتصدير النفط والغاز من الإقليم، فانها قامت بالإشارة إلي أن علي الحكومة الكردية أن تنسق مبيعاتها من خلال مجلس التسويق التابع للدولة العراقية.. الأمر الذي أعاد الأكراد إلي بغداد. المسألة ليست بالسهولة التي يصورها الاكراد، ولا بالصعوبة التي تصورها الحكومة العراقية. ففي دولة مثل العراق تحتل رأس هرم الفساد في العالم، يبحث الجميع عن الذهب علي طريقة شارلي شابلن حتي لو فشل في العثور علي الكنز وأهلكه الجوع فاضطر الي التهام حذائه.