كان عددهم يقارب مجموع أصابع اليدين، وربما يقلون أو يزيدون عن ذلك ، بفردين أو ثلاثة أفراد، كلما انصرف أحدهم لشأن من الشئون، أو زاد أحد آخر،..، جمعتهم الصداقة، والود ، ومكان النشأة الأولي، وإن اختلفت المشارب والتوجهات، وصروف الحياة، وأفاعيل القدر، وتفرق السبل، ومشوار الحياة، فمنهم الطبيب، والمهندس، والكاتب، والعامل، والتاجر، والفلاح، والمدرس، والمحامي،..، وغيرهم. وكان اللقاء دون موعد مسبق، أو ترتيب معد سلفاً ، في إحدي المناسبات الاجتماعية، واجبة الأداء والحضور، طبقا لما تعارف عليه البشر عموماً، والمصريين علي وجه الخصوص، وفقا للتقاليد المرعية، والأصول المتبعة، بين الأقارب، والمعارف، والأصدقاء. وكعادة الجميع هذه الأيام، ومنذ الخامس والعشرين من يناير ، كان الشأن العام، هو محط الحديث، ومحور المناقشات، في كل مناسبة، وكل لقاء يجتمع فيه الناس، علي اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتنوع ثقافاتهم ، وتعدد توجهاتهم الفكرية العقائدية. وبعد مقدمات ليست بالطويلة ، بدأت بالاطمئنان علي الأحوال، والصحة ، والعائلة،..، تطرق الحديث الي حالة البلاد، وأحوال العباد، بصفة عامة ، ثم حط الرحال أخيراً علي مربط الفرس، وموضع اهتمام الناس، في بر مصر هذه الأيام، وهي الانتخابات البرلمانية، وما ظهر منها من نتائج، وما أعطته من دلالات واضحة، ومؤكدة علي أرض الواقع المعلن، عن فوز محقق للأحزاب ذات المرجعية الدينية، يتيح لها أغلبية مريحة ، ووجوداً ملموساً ومؤثراً في مجلس الشعب القادم. ورغم تعدد الآراء، واختلاف وجهات النظر ، وتدرجها ما بين مرحب بالنتائج ، وغير مرحب بها ، في إطار التنوع الطبيعي بين البشر ،..، ولكل أسبابه، ودوافعه، التي يستند إليها، ويدافع عنها، إلا أنهم جميعاً توافقوا ، أو لم يختلفوا ، في قليل أو كثير ، حول عدة أمور أساسية ، في المسألة الانتخابية ، وما يتصل بها ، وما جري خلالها، وما أسفرت عنه، وما هو مأمول منها . ويأتي في مقدمة هذه الأمور، أن هذه الانتخابات في مجملها ، هي الأولي علي الإطلاق خلال عشرات السنين التي تجري في شفافية تامة، ودون إملاء، أو تدخل من أحد، وأنها خلت، أو تكاد من مظاهر العنف، أو المخالفات الفجة التي كانت سمة لاصقة بكل انتخابات سابقة. والأمر الثاني، أن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات، جاءت تعبيراً عن إرادة الجماهير، من واقع الأصوات في الصناديق، ودون تزييف أو تغيير، بفعل فاعل، كما كان يحدث من قبل، في كل السوابق الانتخابية، بطول وعرض السنوات الماضية. والأمر الثالث، هو أن هذه النتائج لم تكن مفاجأة لأحد من المجتمعين أو لغالبيتهم علي الأقل، حيث إنها جاءت معبرة عن رأي الشارع في الأحياء، والمدن، والقري، الذي أعطي صوته لمن يحس بوجوده، ويتعامل معه ، ويقف بجانبه، في المسرات، والملمات، ويستطيع أن يتواصل معه باستمرار ، وباللغة التي يعرفها . أما آخر ما توافقت عليه آراء الجميع، دون استثناء، وحظي بإجماعهم علي الإطلاق ، فكان تأكيدهم أن البرلمان القادم سيكون فرصة ذهبية أمام جماعة " الإخوان المسلمين، وذراعها السياسية حزب " الحرية والعدالة " الذي نال أغلبية المقاعد، كي يثبتوا للجماهير أنهم علي قدر الثقة التي نالوها ، وأنهم قادرون علي الأداء الديمقراطي السليم، وتحمل المسئولية الوطنية الملقاة علي عاتقهم في البرلمان الجديد،..، كما أن الفرصة متاحة أيضا أمام جماعة السلفيين وحزبهم " النور " ، كي يصححوا مفاهيم كثيرة شاعت وانتشرت عنهم، ومنهم خلال الأيام القليلة الماضية،..، وإلا ، فإن التاريخ والشعب ، لن يغفر لهم ، إهدار ثقته بهم .