محمد هزاع وحسن إمام وعبدالحسيب الخناني إذا كنا نحن البشر نختلف في كل شيء فإن هذا الاختلاف يدعونا الي التقارب والتآلف من أجل استمرار الحياة علي كوكبنا.. وهنا نسأل: كيف ندير حواراتنا المتباينة ونقرب وجهات نظرنا.. ويحترم كل منا رأي الآخر هذا ما يطرحه العلماء والمفكرون من خلال آخر حلقات فقه الاختلاف التي طرحتها دنيا الثقافة خلال الشهر الكريم.يستهل الناقد الدكتور حلمي القاعود الاستاذ بجامعة طنطا هذا الطرح قائلا: إن مرحلة ما بعد يناير1102 تحتاج منا أن نستدعي آداب الاختلاف في الإسلام, بحكم تباين الرؤي والأفكار والتصورات حول المستقبل الذي نتمناه لمصر والعرب والمسلمين والإنسانية جمعاء, وقد أقر ديننا الحنيف الاختلاف المفيد الذي ييسر علي الناس طرق معاشهم وحياتهم وعباداتهم, وهو ما فهمه المسلمون علي امتداد تاريخهم, وهو ما يعني أن الاختلاف مقبول مادامت هناك حجة منطقية تفسر ما تراه, ولا ينقضها نص صريح أو قاعدة مجمع عليها. ويقول: إنه مع تقادم الزمن واتساع الوجود الإسلامي في أرجاء الأرض اتسع نطاق الأختلاف في الآراء والأحكام بين المسلمين, وظهرت المذاهب الفقهية, وتعددت الآراء داخل هذه المذاهب نفسها, ولم يكن ذلك باعثا علي الفرقة أو الشقاق, بل كان وسيلة للتيسير علي الناس في عباداتهم ومعاملاتهم وفق ظروفهم الزمانية والمكانية, وكان هناك ما يعرف بالرأي والرأي الآخر, وكانت الاختلافات الفقهية والشرعية تقابل بكثير من الأحترام والتقدير, وكان الأمر يأخذ بعدا إنسانيا غير مسبوق في التاريخ حين تري بعض الخلفاء أو الفقهاء يجمع حوله أصحاب الآراء المتباينة ليتناظروا ويدلي كل منهم برأيه وحجته, بل إن الخليفة المأمون كان يشهد في مجلسه أصحاب عقائد مختلفة يدلون بآرائهم دون غضاضة أو مصادرة لرأي أحد, وكان يشهد مجلسه الفقيه والمعتزلي والنصراني واليهودي والمجوسي والزنديق والملحد, وكان كل واحد منهم يدلي بدلوه ودليله دون سدود أو قيود, وفي إطار من الأحترام المتبادل الذي لا يطغي فيه أحد علي وجود الآخر إلا بالحجة والبرهان حتي الخلافات السياسية بين الصحابة رضي الله عنهم كانت تتسم بالاقرار بالحق والألتزام بالصدق, وهناك رواية مشهورة عن موقف معاوية بن أبي سفيان من الإمام علي كرم الله وجهه حين طلب من ضرار بن ضمرة الكناني أن يصف عليا, ولما وصفه لم يملك معاوية إلا أن يبكي حتي ابتلت لحيته بدموعه وجعل ينشفها بكمه, ويؤكد أن اختلاف الرأي في التاريخ الإسلامي أنتج ثراء عظيما في تراثنا الحضاري بصفة عامة وأعطي دلالة واضحة علي سماحة الحضارة الإسلامية وقدرتها علي توظيف الاختلاف والتنوع لخدمة الوحدة والجماعة الإنسانية بصفة خاصة. ويري الدكتور مصطفي رجب استاذ التربية الإسلامية بجامعة سوهاج في مسألة آداب الاختلاف أنه ليس للمفتي أو المجتهد أن يلزم غيره باجتهاده وفتواه لأن الفتوي تصدر عن صاحبها مؤسسة علي غلبة الظن وليس هناك ما يمنع أن تكون محل اجتهاد ونظر عند غيره, ويقول: إنه اذا كان الاختلاف قد وقع بين الصحابة رضي الله عنهم في الفروع وهم الائمة الذين ثبت بالنصوص أنهم لا يجتمعون علي باطل, ودل الكتاب والسنة علي وجوب متابعتهم, فكيف يطمع بعض الناس في أن يمحو الخلاف في الفقه بين غيرهم؟ غير أن اختلاف السلف ومن تبعهم بإحسان كان رائده الإخلاص ولهذا لم يكن بينهم تنازع في الفقه ولا تعصب, بل طلب للحقيقة وبحث عن الصواب ثم إن الاختلاف في الفروع طبيعة بشرية قد أقرته الشرائع السماوية الأخري, وانظر كيف اختلف بنيان كريمان مثل داود وابنه سليمان في حكومة واحدة فخص الله أحدهما بفهمها عندما قال ففهمناها سليمان مع ثنائه علي كل منهما بأن آتاه حكما وعلما. ويورد الدكتور مصطفي أقوال صفوة العلماء في انكار المسائل الخلافية في الفروع كالإمام أحمد بن حنبل الذي قال لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس علي مذهب ولا أن يشدد عليهم, والإمام أبي حامد الغزالي الذي قال في كتابه إحياء علوم الدين عن شروط منع المنكر, أن يكون المنكر معلوما بغير اجتهاد, وان كل ما هو في محل اجتهاد لا حسبة فيه. ويؤكد أن ما يتعلق بالاجتهاد ليس للعوام دخل فيه لأن ذلك من اختصاص العلماء الذين لا ينكرون إلا ما أجمع عليه الائمة, وأما المختلف فيه فلا إنكار فيه لأن علي أحد المذهبين: كل مجتهد مصيب, وهذا هو المختار عند كثير من المحققين وعلي المذهب الآخر: المصيب واحد, والمخطيء غير متعين لنا والاثم مرفوع عنه ويختتم حديثه بذكر تفسير كل فريق من الصحابة لقول النبي صلي الله عليه وسلم لا يصلين أحد كم العصر إلا في بني قريظة فأدركهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتي نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك, ولما ذكر ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم لم يعنف أحدا منهم, وفي هذا اجتهاد في فهم النص الذي له أكثر من دلالة, واقرار بتصويب الدلالات كلها التي يحتملها النص لاختلاف العقول والأفهام, وأن الأمر الواحد يجوز فيه أكثر من حكم, وأن الله تعالي أراد التوسعة علي الناس في تعدد الآراء والأفهام من جهة, وإفساح المجال أمام العقول لتستنبط من كلام الله ورسوله من جهة أخري. وتلك ظاهرة صحية تدل علي نضج التفكير واعمال العقول. أما الناقد الأدبي الدكتور حسام عقل الاستاذ بجامعة عين شمس فيؤكد أن الحضارة العربية الحديثة بحاجة ماسة الي تكريس ثقافة الاختلاف الصحي بين الأطياف والتيارات سواء كانت ليبرالية أو ماركسية أو إسلامية حتي تصل الأمة الي قواسم مشتركة مقبولة تصلح أن تكون منطلقا للنهوض والبعث الحضاري, ويقول: إن هذا يقودنا الي مفهوم الحوار الحضاري/ السياسي وآلياته وطبيعة الشروط الفكرية التي يمكن أن تنتجه, فقبول الاختلاف من شأنه أن يخلق جوا صحيا نظيفا يوضح القضايا والمفاهيم ويصنع المستقبل السياسي للبلاد علي بصيرة وفهم. ويورد عدة أمثلة رائعة ضربتها الثقافة المصرية الحديثة في مجال فكر الاختلاف المتسامح المرن وخصوصا في ثلاثينيات القرن الماضي, أبرزها ما كتبه إسماعيل أحمد أدهم بمجلة الإمام لماذا أنا ملحد؟ حيث ناقش نظرية الاحتمالات وساق الحيثيات التي أفضت به الي الإلحاد, ومبادرة العلامة محمد فريد وجدي بالرد عليه وأحمد زكي أبو شادي بالرد عليه تحت عنوان لماذا أنا مؤمن؟ حيث ناقشا أفكار أدهم بالتقصي الشامل والتتبع الدقيق, وكانت هذه المساجلات درسا حقيقيا في ثقافة الاختلاف من ناحية وثقافة( المنهج الموضوعي) من ناحية أخري ويحدونا جميعا أمل عريض في أن تتسع رئة الحوار في بلادنا خصوصا بعد ثورة52 يناير لتنتج واقعا سياسيا صحيحا مفعما بالوهج والخصب. ويشير الدكتور حسام إلي عدة دروس يتعين أن تكرسها النخبة المثقفة, بدءا من أسلوب المتحاور وخطابه فضلا عن حسن اختيار المشكلة الجادة, موضع الحوار, والامكانات المشتركة لتنفيذها واذا كان اختلاف المتحاورين من كل الرؤي والأطياف يظهر وجوها عديدة للحقيقة في اطار فكرة اختلاف التنوع لا التضاد فإن هناك جيوبا اصلاحية داخل التيار الواحد تنتج بدورها حوارات هادفة مزعية هادفة مثمرة تصلح هذه التيارات من داخلها, لاشك أن ققافة لاختلاف من شأنها أن تنتج في خاتمة الأمر نوعا من الائتلاف والتوافق الحضاري الوطني المؤسس علي الإقناع والفهم والأدلة والبراهين والتي تعزز بدورها مجتمعا متعافيا سليما علي طريق النهضة علي سبيل المثال, ومن هنا جاءت حكمة الأختيار بين الأحكام والتوافق أو الاختلاف بينها ويشير د.بهاء حسب الله بآداب حلوان الي أن فقه الاختلاف أو اختلاف الفقهاء قد جاء متواترا تحكمه في كثير من الأحيان الظروف المستحدثة للعصر, والقضايا المستحدثة التي تفرزها المعايش, فعلي سبيل المثال نري كيف خدم الفقه المعاصر قضايا في غاية الأهمية مثل القضايا الطبية.. كقضية نقل الأعضاء أو التبرع بها أو نقل القرنية أو الأستفادة من أعضاء الميت.. الخ. ويضيف د.أشرف نجا: اتسمت مجموعة من المباديء في الإسلام بالمرونة الشديدة مثل: إن الضرورات تبيح المحظورات والشرع يجب أن يخدم المصلحة العامة وأن يضع الواقع دائما موضوعا أعتبار. وأضاف د.أشرف قائلا ولعل المتأمل مثلا في مذهب الأمام أبي حنيفة النعمان( ت941 ه) يجد أنه مذهب فلسفي حر يستخرج الأحكام اعتمادا علي القرآن عن طريق الأستنتاج العقلي القائم علي المنطق أو القياس واذا أدي الأخذ بالقياس الي حرج ومشقة ونتائج لا تتفق مع أعراف بلد من البلاد كان فقهاء الحنيفة يتركون القياس ويلجأون الي دليل آخر أولي منه لرفع المشقة من خلال آلية الاستحسان التي تعد أصلا من أصول الدين قال الله تعالي وما جعل عليكم في الدين من حرج سورة الحج بعض الآية87 وبذلك وجدنا المذاهب الفقهية تمتزج بقضايا الناس وتسع مشكلاتها بتنوع آراء الفقهاء علي نحو يشهد بنضج الفقه الإسلامي وتطوره وتلاقحه بخصوصية المجتمع ومسايرته لمستجداته ولم يكن الاختلاف بيننا سببا للخلاف أو الاقصاء أو الافتراق بين المسلمين.