[email protected] صورتان مختلفتان اشد الاختلاف اسفرت عنهما الانتخابات البرلمانية الأخيرة، صورة تقدمها وسائل الاعلام القومية التي تنقل اراء الحزب الوطني الديمقراطي وقياداته ومرشحيه الناجحين التي تؤكد ان الانتخابات تمت في حيدة ونزاهة باستثناء بعض المخالفات التي من الطبيعي ان تحدث في كل انتخابات، وأحكام القضاء الاداري التي تؤكد مواجهة هذه المخالفات وإلغاء الانتخابات في 62 دائرة بست محافظات ونظر عدة طعون امام القضاء. والصورة الأخري تقدمها وسائل الاعلام الخاصة والحزبية عن مساحة الدم من بلطجية المرشحين من كل الاتجاهات واعمال التزوير والصورة الأخري التي شابت العملية الانتخابية وتسببت في صدور احكام قضائية بإلغاء الانتخابات في عدة دوائر ووقف اعلان النتائج بها. لكن أهم واخطر مااسفرت عنه هو انسحاب الوفد اكبر قوة معارضة حزبية وكذلك انسحاب جماعة الاخوان »المحظورة« وبوادر انشقاقية لحزب التجمع بسبب عدم رضا امانات المحافظات من قرار اللجنة المركزية للحزب بالاستمرار في انتخابات الاعادة اليوم وعدم الانسحاب. جاءت هذه الاحداث بعد ان حملت النتيجة مفاجأة سقوط عدد من اعمدة المعارضة وعدم نجاح الاخوان في البرلمان في مقدمتهم مصطفي بكري وسعد عبود وعلاء عبدالمنعم ود. جمال زهران وحمدي حسن وصبحي صالح وانسحاب حمدين صباحي وسقوط مرشحين لهم مكانة تاريخية في دوائرهم ايا كانت اسباب هذه المكانة، سواء كان بسبب مكانة عائلية او خدمات قدموها لدوائرهم وتواجدهم في دوائرهم طوال العام. لم يقترب نواب الاخوان في الدورة البرلمانية الماضية من قضايا مهمة ولم يقدموا افكارا للقضاء علي البطالة ولم يتبنوا رأيا في قضية الخصخصة او الاسعار، لان هذا كان بعيدا عن نواب الاخوان الذين يغطون غيابهم عن الحياة بشعار فضفاض، واذا وضعنا الشعار الي جوار القضايا التي ناقشوها فربما يكون الحل الذي يقصدونه هو في القضاء علي حرية الفكر وحرية الابداع وهذا الحل هو بالضبط مايخالف مانادي به الاسلام الذي امرنا بالسعي في الارض والتفكير في خلق السموات والارض، وقد سمح الله لنبيه ابراهيم بأن يناقشه جل وعلا في قضية قدرته عز وجل علي الخلق بينما يطارد النائب الاخواني جملة في كتاب يطبع منه الف نسخة ويقرأه عدد قليل من المثقفين! في الجهة الاخري من الصورة نجاح كل الوزراء من الجولة الاولي وهو مااعتبره الحزب الوطني دليلا عن انجازات الحكومة، وسواء كان هذا صحيحا او كان نجاح الوزراء بسبب قدرتهم علي تقديم الخدمات لدوائرهم فإن ماوصفه الحزب الوطني بالاكتساح والفوز الساحق قد اثار كل مااسفرت عنه الانتخابات من اعتراضات علي النتائج والانسحابات التي ستؤثر بلا شك علي نصاعة وصفاء الصورة. وبعيدا عن الصورة التي يقدمها الحزب الوطني والصورة المختلفة تماما التي تقدمها المعارضة والتي اسست عليها انسحابها من المنافسة فإن ركنا هاما من اركان العملية الديمقراطية وعدم اكتمالها هو السبب في كل هذا اللغط وهو المشاركة الجماهيرية التي لم تزل اقل من المطلوب بكثير فحسب مااعلنته اللجنة العليا للانتخابات فإن نسبة المشاركة لم تتعد 03٪ وهي ليست بالنسبة التي يمكن ان تتحقق في بلد عرف البرلمان منذ مايقرب من 051 عاما، هذا الغياب لأصحاب المصلحة الحقيقيين في برلمان نزيه هو الذي يتسبب في التجاوزات دائما لأن العملية الانتخابية يديرها بشر لديهم تحيزاتهم ومصالحهم مع هذا المرشح او ذاك فلديهم احتياجاتهم التي قد تجعل للرشوة الانتخابية لنفر منهم قاعدة في العملية الانتخابية مثلما هي موجودة في بعض المصالح الحكومية علي مدار العام وهذا أمر نقره جميعا، ولذلك فإن غياب الناخبين يجعل التزوير يتم علي مستويات دنيا في لجان مختلفة بعيدا عن رغبة قيادات الحزب، ومن هنا يمكن ان ينشأ اختلاف في تقييم الانتخابات بين قيادات لم تطلب التزوير ولاترغب فيه وبين معارضة فوجئت بأنها بالكامل خارج البرلمان. وأيضا كانت هناك بعض التفاصيل التي القت بظلالها علي العملية الانتخابية مثل عدم اعلان ارقام الاصوات التي حصل عليها كل مرشح وهذا جعل الارقام تتضارب وبعضها بلغ تقديرات عالية جدا تثير الشك لان المرشح الناجح لم يكن وحده في الملعب لكي يحقق هذا الفوز الساحق. ولكن كان في مواجهته مرشحون بعضهم خاض الانتخابات لمرات متعددة ويعرف بالتقريب حجم شعبيته التي فوجيء بتبددها بالكامل في هذه الانتخابات. علي كل حال يظل لغط المرحلة الاولي من الانتخابات خبرة سيئة كنا نتمني الا تحدث ونتمني لجولة اليوم في دوائر الاعادة ان تكون اكثر هدوءا واكثر تعبيرا عن طموحنا السياسي في برلمان يضم اصواتا ورؤي اخري فالتجربة الديمقراطية الحقيقية تحتاج الي التنوع وشراكة المعارضة، ويكفي اي حزب ان يحصل علي اغلبية، عادية لكي تكون حكومته مستقرة وتتصرف بثبات ولايحتاج الي الفوز الساحق والمائة في المائة التي تلغي التعددية التي تعد من صميم تجربتنا الديقراطية والتي يجب ان تتكاتف كل الاطراف لانجاحها، الحكومة من خلال التزام الحياد، والمعارضة من خلال الالتزام بالمواجهة وتحقيق ماتستطيعه والاستفادة بالحد الأدني من تدريب كوادرها في الانتخابات، وثالثا والاهم هو المشاركة الشعبية التي مازالت دون المستوي المطلوب خصوصا في القاهرة ذات الكثافة العالية التي تستأثر بربع اعداد المواطنين من ابناء مصر. إلي صاحب الأمر اقسي مايمكن ان يصيب الانسان هو المرض واقسي من ذلك ان تقف عاجزا عن فعل اي شيء، والاشد قسوة ان يكون المصاب هي رفيقة العمر التي تحملت عني ومعي كل صعاب وقسوة الحياة والمهنة الشاقة... ادعوا معي لها بالشفاء.