أياً ما كانت الصورة التي سيتم بها الاحتفال بالعيد الأول لثورة 52 يناير: مظاهرات أو احتفاليات أو أي أسلوب آخر.. فكل ذلك لن يعدو أن يكون »شكل« الاحتفال بالثورة وليس جوهره. إن جوهر الاحتفال بالعيد »الأول«.. وأشدد علي »الأول« للتذكير بأننا لا نزال في بداية العملية الثورية، التي ستستغرق زمنا، وليس سنة واحدة. إن استكمال الثورة حتي تنجز كل أهدافها هو الهدف الذي يجب ألا يغيب عن الطلائع الشابة التي فجرتها وقادتها بجدارة مخضبة بدماء الشهداء، وآلام آلاف المصابين. لكن توهم استكمال ثورة بهذا، في وطن بحجم مصر، وفي سنة أو سنتين، هو خطأ جسيم في حق الثورة والثوار معا. والفترة الانتقالية التي تنتهي بتسليم المجلس الاعلي للقوات المسلحة السلطة لسلطة مدنية، من برلمان ورئيس منتخبين، لن تكون الفترة الانتقالية الوحيدة، وانما ستتلوها فترة انتقالية أخري أو أكثر، حتي يتأكد الشباب -ونتأكد معهم- بأن أهداف الثورة في سبيلها للتحقق أم لا. ولذلك، وحتي يستطيع شباب الثورة أن يواصل دوره الريادي في العملية الثورية للتغيير الجذري الشامل »لدولة العواجيز«، حسب وصف شاعرنا العظيم عبدالرحمن الابنودي، والعواجيز هنا ليسوا كبار السن، فالأبنودي وأنا من كبار السن، لكن العواجيز هم من لا يفضلون، بحكم تجاربهم وطبيعة المحافظة، و»اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش«.. حتي تستطيعوا يا شبابنا أن تواصلوا قيادة الثورة، لابد ان تستكملوا ما نقصكم في فترة الثورة، وهو ما لا مكم عليه كل المحللين: انه لم تكن للثورة قيادة موحدة بل عشرات التجمعات والائتلافات.. وكل له رأي مفرق في الآخر -هذا النقص كان له أثر سلبي واضح، تمثل اكثر ما تمثل فيما تسمونه الآن اختطاف الثورة أو سرقتها، النقص الثاني الذي اكمل الدور السلبي للنقص الأول، وهو عدم وجود برنامج واضح لديكم للثورة، ولذلك ظلت تتصاعد أهدافكم كرد فعل لحركة الاحداث وتجاوب الجماهير حتي إذا ما جاء 11 فبراير بتنحي مبارك اعتبرتم أنكم حققتم الهدف، ثم عندما أدركتم أن إسقاط رأس النظام لا يعني إسقاط النظام.. وهكذا بدأتم كل جمعة تضعون هدفا. لكن ذلك لم يكن برنامجا واضحا لمهام ثورة يجب أن تهدم أسس النظام القديم، وأخري لبناء نظام جديد. وهكذا يا شبابنا العظيم عليكم أولا أن تشكلوا قيادة موحدة لشباب ثورة 52 يناير. واذا كان لي أن أشور عليكم، فإنني اقترح أن تجتمع المكاتب التنفيذية بكل التشكيلات الشبابية في هيئة جمعية عمومية، تختار ديمقراطيا مجلسا وطنيا لشباب الثورة، ينتخب بدوره مكتبا تنفيذيا، يتولي المهام التي يتطلبها العمل. ليس ضروريا الاتفاق الايديولوجي، فليحتفظ كل بما يعتقد، فقط اتفقوا علي برنامج موحد، وبرنامج عمل للتنفيذ. لكن، سيكون عليكم أن تدركوا أن البلاد دخلت فعلا في مرحلة جديدة، فقد تمت انتخابات المجلس التشريعي الرئيسي وخلال شهور قليلة سيكون لمصر دستور جديد، ورئيس منتخب. هذا يعني أن دولة جديدة تتشكل، وسيكون عليكم أن تساهموا بأكبر قدر من المساهمة في عمل هذه الدولة، لكي تتحقق أهداف الثورة. وهذا يتطلب منكم ألا تبددوا طاقتكم في معارك لا ضرورة لها، بل قد يكون لها أضرار أنتم ونحن في منأي عنها كما أرجوكم ألا تنعزلوا بحماس الشباب وتبني المواقف المتطرفة عن جموع شعبكم، وقاوموا بوعي، اتجاهات وقوي تسعي لعزلكم ومحاصرتكم لتبدوا أقلية، والغالبية ليست معكم. عليكم أن تدركوا أنكم حققتم الكثير ليس فقط في بنية الدولة، وانما وهو الأهم في وجدان الشعب. وايضا تحقق، ولوجزئيا، بعض ما ناديتم به. والشعب كله، بل أجزاء لا يستهان بها من جهاز الدولة القديمة وموظفيها العموميين، يعترف بفضل الثورة.. فضلكم. أرجوكم لا تردوا كثيرا، وعلي الاطلاق، أن لا شيء مما قامت من أجل الثورة تحقق. طبعا هناك عقبات ومعوقات، بل آلام.. وهذه من طبائع فترات الانتقال التي تتسم بالاختلاط والتداخل والتصارع بين القديم والجديد. كونوا حكومة ظل، واستعينوا بالخبراء الذين ينتمون لروح الثورة. واعدوا برامجكم لتطوير الوطن وتحسين مستوي حياة الشعب. فمصر تنتظر منكم أن تجددوا شبابها، بفكركم النفاذ وحماسكم المتقد.. فأنتم أملها.. ودولتها المستقبلية.. فلتجعلوا هذا المستقبل.. قريبا.