وضع الدالاي لاما برنامجاً من أربع نقاط لتحقيق سلام البشرية رغم اختلافات دياناتها وتعاليمها، وإن أجمعت في الوقت نفسه علي توفير السلام والاستقرار والرخاء للمؤمنين بها: ديانة بعد أخري. البند الأول في برنامج الدالاي لاما يدعو إلي حوار بين أساتذة وعلماء الأديان علي المستوي الأكاديمي، يركزون فيه علي أساسيات كل دين للتعرف عليها وليس لنقدها عند مقارنتها بغيرها. أن تتعرف علي الآخر أفضل كثيراً من الحكم عليه غيابياً وجهلاً مسبقاً بما يقوله أو يفعله. الحوار المطلوب بين علماء الأديان الأكاديميين لن يتجاهل الاختلافات العديدة في أساسيات الديانات والمعتقدات، وإنما سيتوقفون أمامها وتفسيرها داخل إطار روحاني فلسفي وإنساني. هناك الأديان السماوية التي تؤمن بالله، وهناك غيرها لا يؤمن بوجوده. وهذا اختلاف بين يستحيل إنكاره. كذلك لا يمكن تجاهل اختلاف الأديان السماوية حول حقائق يتمسك بها دين ولا يعترف بها دين آخر. فمثلاً.. لا يري اليهود في سيدنا عيسي المسيح المنتظر كما بشرهم كتابهم المقدس. والمسيحيون يرون في سيدنا عيسي ليس فقط المسيح المنتظر وإنما أيضاً ابن الرب . والمسلمون يؤمنون بعيسي كأحد الأنبياء مثل سيدنا موسي الذي سبقه في هداية الخلق، ثم سيدنا محمد الذي هو خاتم الأنبياء، وأن القرآن الكريم هو الرسالة الإلهية السامية التي نقلها سيدنا محمد إلي البشرية. ويعلق الدالاي لاما علي هذه الاختلافات دون المساس بها، منتظراً من الحوار بين علماء الأديان الأكاديميين التوصل إلي توافق يتقبله المؤمنون بهذه الديانات السماوية الثلاث، مع احتفاظ وتمسك أنصار كل دين بما جاء في الكتب المقدسة. ويعترف الدالاي لاما بصعوبة ما يتوقعه لكنه يثق في صلاحية الحوارات التي طالب بها علماء وأساتذة الأديان الأكاديميون من أجل سلام البشرية. ونجاح حوار علماء وأساتذة الأديان في هذا التحدي الكبير لن يتوقف عند هذا الحد. وإنما ينقلنا طبقاً لبرنامج الدالاي لاما إلي البند الثاني الذي يطالب بحوارات أخري تدور بين معتنقي الأديان من جهة، وبين الدعاة والرهبان والحاخامات علي ضوء ما توصلت اليه الحوارات الأولي بين علماء وأساتذة الأديان لشرحها وتفسيرها وإقناع أكبر عدد ممكن من المتدينين بالتمسك بمعتقداتهم واحترام معتقدات الآخرين في الوقت نفسه. أما البند الثالث في برنامج الدالاي لاما فيدعو إلي لقاءات بين كبار علماء وممثلي الأديان علي مستوي العالم لدعم التسامح وقبول الآخر من أجل سلام البشرية. فلا يجهل أحد شعبية ونفوذ رموز الأديان مثل: بابا الفاتيكان، وشيخ الأزهر، وكبير الحاخامات، وقادة الأديان الأخري لدي آلاف الملايين من المؤمنين الملتزمين في قارات الدنيا الخمس. البند الرابع والأخير هو احترام الأماكن المقدسة لكل الأديان، والتردد عليها، والحج إليها في المناسبات الدينية ليس فقط من معتنقيها وإنما أيضاً من معتنقي الديانات الأخري. فما أجمل أن يذهب المسلم إلي الكنيسة لتهنئة المسيحي في احتفالات عيد ميلاد المسيح، وأن يذهب المسيحي إلي المسجد ليهنيء المسلم بمولد النبي والسنة الهجرية الجديدة، ويذهب اليهودي إلي هذا وذاك لتهنئتهما في أعيادهما رداً علي تهنئتهما له في عيده. وما يقال بالنسبة للديانات السماوية يقال نفسه عن الديانات الأخري بحيث تتحقق أحلام الدالاي لاما في عالم متدين، متسامح، ومسالم. أتمني علي المستوي الشخصي أن نتحمس جميعاً لدعوة الدالاي لاما، وإن كنت في الوقت نفسه أشك في تحقيقها اليوم، أو غداً.. مع تصاعد التعصب، وانتشار الجهل، والتربص بالآخر بدون مبرر ولا سبب غير الكراهية!