اختلفت تحليلات السياسيين بشأن مستقبل العراق بعد انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي. فكثير منهم يتبني نظرية ان البلد مقبل علي مصير مجهول، وهي نظرية تدعمها دلائل واقعية كثيرة أهمها ان الحكومة الحالية حكومة طائفية مسنودة من إيران وتنتهج تمييزاً طائفياً واضحاً في التعامل مع شرائح المجتمع العراقي. وقد استبقت هذه الحكومة انسحاب آخر جندي أمريكي فشنت حملة اعتقالات واسعة لكبار الضباط السابقين والسياسيين العراقيين المعارضين تحت ذريعة الاعداد لانقلاب عسكري مزعوم. وواصلت هذه السياسة بفرض شبه إقامة جبرية علي نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك ووزير المالية رافع العيساوي ومحاصرة دورهم بالدبابات وإصدار أمر قضائي باعتقال الهاشمي! لكن هناك نظرية أخري تظن ان العملية السياسية الفاشلة الراهنة ستضطر الي خلع جلدها الحالي وتمارس نوعاً من التغيير "الديمقراطي" لتحقيق قدر من التوازن الطائفي بناء علي تعليمات من واشنطن اتخذت صفة تمنيات أوضحها الرئيس الامريكي أوباما بنفسه للمالكي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في الاسبوع الماضي. وبين هذه النظرية والنظرية الأخري يقف الاكراد أمام إشارة المرور الحمراء في انتظار الضوء الاخضر لاعلان المفاجأة المنتظرة. وتناقلت مواقع الانترنت العراقية قبل أيام بعض التفاصيل المثيرة عن اجتماع حضره مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان وهوشيار زيباري وزير خارجية العراق وشخصيات كردية أخري، ونقله الي الاعلام أحد الاكراد المقربين من مركز القرار الكردي. قال مسعود البرزاني لهوشيار زيباري انه بصدد الاعلان عن خطوة جريئة في عيد نوروز القادم في مارس عام 2012 وقد تكون خطوة متقدمة نحو اعلان »دولة كردستان« وهو يريد الاستماع من وزير الخارجية بشأن المواقف الدولية والعربية إزاء مثل هذه الخطوة وماهي استعدادات وزارة الخارجية العراقية لذلك. وذكر البرزاني ان دول الاتحاد الأوروبي بالكامل تؤيد مثل هذه الخطوة، وأكثر المتحمسين هم البريطانيون والفرنسيون. أما بالنسبة لحلفائه في الولاياتالمتحدة فان البيت الابيض مع إقامة »الدولة الكردية« علي حد تعبيره، وهناك معارضة من وزارة الخارجية الامريكية، و»تردد« من المخابرات المركزية الامريكية التي تعتبر ان الوقت غير مناسب لاعلان الدولة الجديدة. وقال البرزاني لوزير خارجية العراق: انا أريدك ان تضمن لنا المواقف داخل الأممالمتحدة ومجلس الامن. فأجابه هوشيار انه يضمن العديد من المواقف داخل الأممالمتحدة، وهو بصدد تغيير ممثل العراق في الاممالمتحدة حامد البياتي، وان الصين وروسيا ستتحفظان علي أية خطوة إنفصالية باتجاه اعلان دولة كردية. وأضاف زيباري ان الدول العربية منقسمة بالنسبة لهذه المسألة، فدول الخليج كلها تؤيد انفصال كردستان عن العراق لان في ذلك إضعافا للشيعة.. علي حد قول زيباري. أما بقية الدول العربية فهي ليست في وضع يسمح لها الآن بابداء الرأي أو المعارضة وخاصة سوريا. ولذا يقول زيباري انا اؤيد بأن الوقت مناسب لمثل هذه الخطوة. أما بالنسبة لتركيا فهناك مرونة من قبلها خاصة ان التجارة الكردية معها وصلت في العام الحالي الي عشرة مليارات دولار. والمشكلة الأساسية هي في إيران كما يقول زيباري، حيث انها ستواجه مشاكل داخلية في العام القادم وخاصة في الشمال الغربي الكردي. ويكمل الحديث البرزاني عن مواقف الاحزاب والكتل العراقية فيقول ان أهم الأطراف المتشددة ضد الاكراد هم الصدريون وحزب الفضيلة ومجموعة في دولة القانون، وكلهم مدعومون ومدفوعون من ايران، لكن هناك مجموعة قوية متمثلة بعادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية الشيعي السابق مؤيدة لإعلان دولة كردستان ليس حباً بالاكراد ولكن كرها بالمالكي. واتفق البرزاني وزيباري علي ان الغرب اقترح حلاً لمشكلة النزاع حول كركوك مدينة النفط العراقية الكبري، بمنح الاكراد بديلاً عنها يتمثل في استثمار الغاز في بعض المناطق العراقية الأخري ومن بينها محافظة الموصل في أقصي شمالي البلاد. وأكد هوشيار ان اغلب السفارات المهمة فيها سفراء اكراد وقد تم شراء بنايات فيها، وبالتالي عندما تُعلن »الدولة الكردية« ستكون لديهم مجموعة من مكاتب السفارات ودور السكن. واختتم البرزاني الاجتماع مع زيباري بأنه بحث كل هذه الامور مع رئيس الجمهورية جلال الطالباني ووافق علي جميع الخطوات. وأخيراً.. هل نقول للعراقيين العرب تهانينا علي ما فعلتم بالعراق.. أو نقولها للقادة الاكراد الحاليين فقط؟ .. إذا قلنا ذلك فسنكرر التهاني في دول عربية أخري.. ولا عزاء للجامعة العربية والربيع العربي.