هذه الحياة.. لو خلت من الأحباب لأصبحت غير جديرة بالعيش فيها!! الحمدلله.. كلما بحثت في ذاكرتي عن شيء أجده محفوظاً بل محفوراً في الذاكرة.. هذه الذاكرة تسعفني كلما أردت ذلك ومن فضل الله أن ذاكرتي لم يصبها ذلك العبث المخرب لها، مثل ذلك العبث الذي يصيب »الكمبيوتر« ويطلقون عليه اسم »الفيروس« والذي من شأنه أن يدمر ذاكرة »الحاسوب« الشهير بالكمبيوتر.. لذلك أجد نفسي سعيدا.. مادامت ذاكراتي لم يعبث بها أحد! كنت أريد أن أتذكر يوم 71 يوليو عام 3791.. فوجدته في الذاكرة حاضرا وأرجو أن يكون مسجلا في قسم الاستماع السياسي بأخبار اليوم، ولم يفعلوا به مثلما تفعل الإذاعة بتسجيل الشخصيات التاريخية.. نبحث عنها.. ولا نجدها!! وما أريد أن أقوله ذكره المرحوم موسي صبري في كتابه »05 عاما في قطار الصحافة« ولكن بلا تفاصيل.. والموضوع هو تلك المواجهة بيني وبين العقيد القذافي عندما زارنا في أخبار اليوم في 71 يوليو عام 3791 قبيل حرب أكتوبر، ودعا موسي صبري عددا من الكتاب لمحاورة القذافي وكنت واحدا من المتحدثين بعد عبدالرحمن الشرقاوي وأمينة السعيد وإحسان عبدالقدوس ورشدي صالح وموسي صبري، وأذكر أنني قلت بعدما استمعنا إلي حديث القذافي أن القذافي يتحدث بموسوعية تنقصها الموضوعية لأن القذافي يصدر عن هواجس سياسية لا عن معرفة سياسية، ومن هواجس العقيد حديثه عن عبدالناصر الذي أراه عكس ما يقول الأخ العقيد.. فهذا العصر هو عصر الهزائم لنا في مصر.. الأمر الذي يجعلنا مقهورين بسبب أخطاء القيادة السياسية ولعل أقربها هزيمة يونيو عام 7691.. وتحدثت طويلا عن فترة حكم عبدالناصر ورصدت الأحداث التي حدثت في عهده والتي جعلت مصر العظيمة »معيرة« عند كل حقير في بلاد العرب! فقال لي العقيد: إسرائيل لم تقل هذا الكلام عن عبدالناصر. فقلت: إسرائيل لن تهاجم عبدالناصر حياً أو ميتاً لأن اسرائيل احتلت مصر في عهد عبدالناصر!! وهاج موسي صبري ووجدت من يسوقني من الحراس إلي غرفة إحسان عبدالقدوس ويغلقون الباب وبرر موسي صبري ذلك بأنه كان يخاف علي حياتي خصوصا وأن القذافي لديه طبنجة وبجواره الرجل الثاني في ليبيا والذي كان يتحرش بي وهو يحمل مسدسا.. هذا فضلا عن حرس القذافي الخاص. حكايتي مع القذافي الأحد: أنا أعرف القذافي معرفة حقيقية ولي عليه ملاحظات ولي معه مشاغبات، ولكنني توقفت بعد أن حذرني زعيم مغربي من عمل قد يقوم به القذافي أو أعوانه ضدي.. وأذكر أنني كنت في الجزائر 8 يونيو عام 8891 لحضور مؤتمر القمة العربي والذي كان اسمه »قمة الانتفاضة« وهي الانتفاضة الفلسطينية الباسلة التي بدأت في ديسمبر عام 7891 وليس عام 6891 كما يختلط علي البعض، وتسلمت وأنا في القاهرة مشروع البيان الختامي من أحد الأصدقاء في الجامعة العربية، وتركته في أخبار اليوم، وأثناء وجودنا نحن الصحفيين في فندق الأوراس بالعاصمة الجزائر وإذا بالقذافي يأتي فجأة ويجلس بيننا في بساطة شديدة أغرتني بالمشاغبة معه خاصة وأنه بدأ الكلام معي.. فسألته: كم من الوقت يستغرق ذلك الزي الليبي المكون من أشياء كثيرة مثل الجلباب والسروال والصديري والعباءة وأشياء أخري مثل »الشال« وخلافه فلم يجب علي سؤالي ورأيتني أسأل سؤالاً آخر: الأخ العقيد.. لماذا هذا الاسم الطويل لليبيا فنري ان اسمها: الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الديمقراطية العظمي وقلت له ان كلمة »العظمي« تثير السخرية خاصة وان ليبيا بلد صغير، كما ان بريطانيا العظمي لم تعد نفسها العظمي وهي الأمبراطورية التي كانت لا تغرب عنها الشمس؟ فقال القذافي: ليبيا العظمي هي التي هزمت أمريكا عندما اعتدت علينا في عام 6891، ومن هنا استحقت ليبيا لقب ليبيا العظمي.. فقلت: ليبيا هزمت أمريكا؟ العيب كل العيب علي المؤرخين لأنهم صمتوا عن هذا النصر العظيم علي أمريكا وأصبحتم دولة عظمي دون أن أعلم بذلك، وفجأة شعرت بالخوف لأن القذافي وراءه أكثر من فتاة مدججة بالسلاح وأنا مدجج باللسان.. فأستأذنت منه لمدة قصيرة.. أذهب فيها إلي دورة المياه علي أن أعود مسرعا ولكنني ذهبت إلي حيث يقيم صديقي »أحمد خليفة السويدي« المستشار الخاص للشيخ زايد وممثله الشخصي ووزير خارجية الإمارات السابق وبقيت عنده حتي الصباح ولم أعد إلي القذافي مرة أخري!! ما هو الفرق بيني وبين إسحق نيوتن!! الخميس: طبعا المسألة لا تحتاج إلي كثير من الذكاء.. أو إلي ذكاء من أصله حتي تعرف الفرق بين حضرتي وبين العالم الفذ الخواجا »اسحق نيوتن« مكتشف الجاذبية الأرضية أقول مكتشف ولا أقول مخترع لأن قانون الجاذبية موجود من يوم أن خلق الله الأرض.. ولكن لم يكتشفه أحد إلا صاحبنا اسحق نيوتن.. إذن هو لم يخترع ولكنه اكتشف!! وهذه ليست محاولة للتقليل من مكانة العالم الأشهر.. ولكن من أجل التدقيق في الكلام حتي يكون الكلام في مكانه الصحيح! طبعا واحد جاهل زي حالاتي عمال »يتفذلك« للايحاء بأنه عالم جليل.. وهو في الحقيقة جاهل جليل.. لأن للجهل جماله الخاص وحسنه الخاص عند الجهلاء!!
ونعود إلي أصل الموضوع وهو عن الفرق بيني وبين العالم اسحق نيوتن. هذا الفرق أودعه الله لدي اسحق نيوتن من أجل عمارة الأرض والتسبيح بحمد الله العظيم!!.. لأن لو أن اسحق نيوتن كانت له خصائص طبيعية مثل الخصائص التي يتمتع بها حضرتي.. كانت الدنيا قد خلت تماما من المكتشفين.. والمخترعين. والعلماء والباحثين والشعراء والمفكرين.. والأدباء والمبدعين. إنما لله الحمد من قبل ومن بعد! له الحمد أن وهبنا كل هؤلاء المشار إليهم.. الذين تعيش البشرية عالة عليهم! فمثلا.. واحد زي حالاتي.. لو جلس تحت شجرة التفاح التي جلس تحتها اسحق نيوتن.. وسقطت تلك التفاحة الشهيرة التي التقطها العالم الفذ.. ورقص طربا.. وصاح قائلا: وجدتها.. وجدتها.. وجدتها! طبعا واحد زي حالاتي لو رأي هذه التفاحة وهي تسقط.. لالتقطها.. وأكلها.. وخلاص!!.. لأنني راجل »بطني«.. وهمي علي بطني.. ومن أولئك الذين يعيشون ليأكلوا.. لا من أولئك الذين يأكلون ليعيشوا! وهؤلاء هم العلماء.. نفعنا الله بعلمهم آمين! ولذلك نري فضل الله العظيم في خلق هذه القلة النادرة من عباده لتقود الدنيا.. وهؤلاء هم أصحاب الاسهام الحضاري للإنسان.. ولذلك نري أيضا أن العلم »ديكتاتور« والثقافة ديمقراطية.. لأن الثقافة تقبل بالاجتهاد.. ووجهات النظر.. والحوار.. والجدل.. وجان بول سارتر فيلسوف فرنسا الوجودي له كلام في ذلك.. عندما نشر في مجلته »الأزمنة الحديثة« عن فقد العقل الديالكتيكي أي الجدلي!.. أما أن العلم »ديكتاتور« فهذا صحيح.. لأننا لو تأملنا دنيانا.. ومن حولنا.. وما نقرأه.. لوجدنا ان العالم بكسر اللام فرد.. وهو الصحيح.. والبقية هي الخطأ!.. لأن هذا العالم فرد اخترع.. أو اكتشف.. والبقية تعيش علي اكتشافه أو اختراعه.. نجد العالمْ بكسر اللام هو وحده الذي قال الصواب.. وجميع من في الأرض رأوا الخطأ ولم يتبينوا غيره!.. فمثلا اسحق نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية هو وحده المكتشف. وكذلك البرت اينشتين مكتشف قانون النسبية.. كل منهما فكر.. وتدبر.. وقرأ.. وتأمل.. وراقب.. وكتب.. وقضي عمره في مجاله الحيوي يمضي.. ويسير فردا.. ولا أحد سواه قال بغير ذلك.. ولم يأت بعده من قال عكس ما قال! .. كل ما قيل أن أحد الذين اعتزلوا الدنيا في المغارات والكهوف عابدين قال: الحمد لله الذي خلق لنا الفرنجة.. هم يتعلمون العلم.. ونحن نتفرغ للعبادة!!
ومن هنا يتضح الفرق بين من صاح قائلا: وجدتها وبين من انخرس.. وصمت لانه »زوران« وأشار موضحا: أكلتها! اللحمة أم الدنيا! الاثنين: وأنا عندما أحكي بهذا القول لست نادما لانني »بطني«.. وهمِّي علي بطني.. ونادم أيضا لأنني لم أكن مثل اسحق نيوتن!.. بل الأكاده انني عاجبني حالي.. وسعيد وفرحان بأنني جاهل!!.. وأكثر من ذلك ان هؤلاء العلماء صعبانين عليّ شخصيا.. لانهم عكفوا علي العلم..ولم يسهروا مثلنا الليل الجميل بالحب.. ولم يكونوا »صعاليك« مثلنا.. يجلسون علي أرصفة الليل بالسهر.. والكلام.. والطعام.. والحديث بالغرام عن متعة الطعام خاصة »اللحمة«.. التي هي أم الدنيا وأبوها الغول!.. ناهيك عن صحبة الصحاب والأحباب ومتعة الصحبة وأنا معهم.. وأري ان هذه هي الحياة.. ولو خلت الدنيا من الأحباب.. وصحبة الصحاب وأكل الكباب.. تصبح الدنيا غير جديرة بأن نعيش فيها.. وتصبح الحياة غير لائقة للحياة!.. وصعبان عليّ هؤلاء العلماءالذين اعتزلوا الإنسانية.. وعاشوا بالوحدة غرباء عن الإنسان من أجل الإنسان!.. الله يعطيهم العافية!!