طلاب جامعة الإسكندرية في أول ماراثون رياضي صيفي    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    سعر الذهب اليوم الأربعاء 22 مايو 2024 وأخبار السوق العالمي    أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس مياه القناة: استخراج جذور الأشجار من مواسير قرية الأبطال وتطهير الشبكات    عاجل| حماس: إعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين خطوة مهمة    لقاءات على هامش القمة    الصحة العالمية: ثلثا مستشفيات غزة خارج الخدمة بسبب العمليات العسكرية    الشهادة الإعدادية 2024.. فرحة بين الطلاب بختام ماراثون الامتحانات في القاهرة    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حريق داخل وحدة سكنية في بورفؤاد    «نقل النواب» تناقش موازنة سكك حديد مصر.. و«الإقتصادية» تفتح ملف «قناة السويس»    خامنئى يصلى على جثمان الرئيس الإيرانى الراحل والوفد المرافق له    "يريد اقتسامها مع منافسيه".. جوارديولا يحصد جائزة مدرب الموسم في الدوري الإنجليزي    لمواليد 22 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    اتفاق على عقد منتدى السياحة الأفريقية بشرم الشيخ «سنويًا»    دار الإفتاء توضح أفضل دعاء للحر.. اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ    خبيرة تغذية تنصح بعدم شرب الماء بعد الوجبات مباشرة    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر.. ورفع درجة الاستعداد بميناء نويبع البحري لبدء موسم الحج البري    جامعة عين شمس تحصد 3 جوائز لأفضل رسائل ماجستير ودكتوراه    إسبانيا تلحق بالنرويج وأيرلندا وتعترف بالدولة الفلسطينية    فصائل فلسطينية: استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية جنوب شرق مدينة رفح    على البساط الوردى «فرانكلين» و«دوجلاس» فى كان!    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    مواعيد مباريات الأربعاء 22 مايو - نهائي الدوري الأوروبي.. ودورة الترقي    اليوم.. انطلاق الدورة الرباعية المؤهلة إلي الدوري الممتاز    5 أسباب رئيسية للإصابة بالربو ونصائح للوقاية    طلاب الشهادة الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان الهندسة والحاسب الآلي    الطالب الحاصل على جائزة «المبدع الصغير» 2024 في الغناء: أهدي نجاحي لوالدتي    حملة لإزالة مزرعة العاشر للإنتاج الحيوانى والداجنى وتربية الخيول والنعام فى الشرقية    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارعي رمسيس والهرم (فيديو)    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني جميع المحافظات والخطوات كاملة    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    النقض تنظر طعن "سفاح الإسماعيلية" على حكم إعدامه.. اليوم    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    جدول مساحات التكييف بالمتر والحصان.. (مساحة غرفتك هتحتاج تكييف كام حصان؟)    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    مبلغ صادم.. كم بلغ سعر إطلالة ماجي زوجة محمد صلاح؟    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    «نادٍ صعب».. جوميز يكشف ماذا قال له فيريرا بعد توليه تدريب الزمالك    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    67.7 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنان الثائر طه القرني في حوار عن الفن والسياسة:أناشد المشير تصحيح المغالطات التاريخية في بانوراما أگتوبر
لوحاتي مذگرات قانونية في وجه الأنظمة الفاسدة
نشر في الأخبار يوم 23 - 10 - 2011

الحوار مع فنان كبير يحتاج إلي جهد كبير، ولقد تحاورت مع هذا الفنان بثلاث لغات:
لغة الأعماق البعيدة، تلك التي تتجلي من عمق النفس والحس والحدس، حتي ليستحيل أن تحاوره إلا من داخله ومن ذات أعماله الفنية، الجدارية منها وغير الجدارية، التي تستقطب العيون التي في طرفها شوق للثورة علي الجمود وكسر حواجز العزلة مع الحياة، والسباحة ضد ثقافة التخلف، والتغريد خارج السرب بدراما الألوان.
لغة الناس »البسطاء قوي« بمفرداتها الكثيرة والعميقة في آن واحد، وقد أدخلهم الي التعبير الفني ربما للمرة الأولي بكل أنواعهم ونوعياتهم، وأطيافهم وشرائحهم، لتشكل منظومة تشكيلية، بكل تناقضاتها وتقابلاتها، واحتفائها بحشد هائل من »المهمشين« و»المهشمين« من الفقراء وبالذات الذين لايملكون إلا عافيتهم، في المدن والقري،عبر لوحاته الجدارية »المولد« و»السوق« وغيرها.
لغة الفرشاة التي يتخذ منها متحدثا فنيا، واحدا ووحيدا، عن رؤاه وآرائه وأوجاعه العامة والخاصة، الكامنة في الألوان والظلال والمساحات،ورب ضربة فرشاة بألف معني، والمعاني ملقاة علي كل طريق ، لكن الجمال يكمن في الصياغة، فرب صورة بألف كلمة، تنفي عن الفن التشكيلي- بهذا التكوين - أنه لن يعود فن النخبة والصفوة والقصور والصالونات والأبراج العاجية، ومصدر »شركات توظيف اللوحات« أو يفترض ذلك.
في الطريق الي مرسم الفنان التشكيلي »طه القرني« ارتسمت في الخاطر أكثر من علامة استفهام وتعجب وإعجاب، من خلال متابعتي الذاتية والنقدية لأعماله التي احتلت إحداها مانشيت »الأخبار« في سابقة هي الأولي من نوعها تذكرك بقصائد أمير الشعراء أحمد شوقي في الصفحة الأولي: ما هي الرؤية التي يجاهد في تشكيلها، وما هي الرسالة ؟ وما هي الينابيع التي ينهل منها؟ وكيف يتعاطي السياسة بمفهومها البسيط والمعقد والمناور في أسواق الحياة وموالدها واحتفالياتها ومناسباتها؟ وكيف يتسلل الي هذه النفوس المصرية ليستخرج مخبوءها ويستنبط قوانينها؟ وكيف أشعل الثورة في لوحاته توثيقا وتسجيلا، أو كيف احتوت لوحاته روح الثورة فتجاوزت عيون الكاميرا؟.
دخلت المرسم في »أرض الجولف بمصر الجديدة« شاهدت دراما شعبية للمواطن المصري البسيط، بعذوبته وعذاباته، بشجاعته وخوفه، بدهائه وتلقائيته، بثوراته وثرواته، بأشواقه وحنينه، وعبقريته وجنونه، وصوته وسوطه، باستفزازه وابتزازه، بصوفيته وحيرته، بتخطيطه وتخبطه.
لا يتكلم الفنان طه القرني إلا من وراء حجاب اللوحات وهمسا، بل يحرض ألوانه علي البوح بالأسئلة المسكوت عنها، ويعطي الحرية لأبطاله في الحوار، هم في المقدمة، وهو هناك خلف الستار إلا قليلا، ومن ثم تأتي تعليقاته في السياق، ليتراجع الشكل التقليدي للحوار الصحفي معه، فلا سين ولا جيم، وإنما جين الإجابة يكمن في لوحاته التي هي ذات أوجاع سياسية، وأوضاع اجتماعية، شواهد تاريخية، مشاهد جغرافية، ثقافة، تراث، عصرنة، حداثة، فولكلور، تصوف، حواريات، جداريات أنساق بشرية، هياكل إنسانية، تفاصيل لاتكمن فيها شياطين، جدلية من الأخذ والعطاء، زحام بكثافة، حيوات نابضة، فوران يومي، مساومات، مفارقات، مساحات، مفارقات، ثنائيات، تغريب ، تقريب، نظرة كلية ، ألف وجه ووجه، والكل في واحد، في حالة حب وهالة من قلب فنان محب، يرسم بالفرشاة التي تقطر شوقا إلي الحياة بكل ما فيها ومن فيها.
أهي مصر الموازية، أو كأنها هي؟ أرسم سؤالي بالكلمات، بينما هو يلملم رؤيته ويحدق معي في لوحاته كأنه يراها لأول مرة ويقول:
- نعم هي مصر الموازية، مصر المهملة عن عمد مساحة، الفقر غير المنظور بكل أنواعه وتداعياته، وحرق المجتمع لكثير من شرائحه تحت خط الوهم، وما الشعب المصري بفقير، لا ماديا ولا معنويا، ولكن هم الذين أفقروه، بدليل أضخم عملية نهب وسلب لثرواته عبر التاريخ كشفها هذا الشعب بنفسه.
❊ مثلما صور نجيب محفوظ في عالم الرواية شخوص الحارة الشعبية بما لها وما عليها، ومثلما أدخل يوسف إدريس شرائح المهشمين والمهمشين من الفلاحين في عالمه القصصي، طرح الفنان التشكيلي طه القرني هذه الطبقات البائسة واليائسة بالفرشاة فمنحهم الحيوية وثبتهم في العيون ليتشكلوا مع كل نظرة جديدة، يمم وجهته الفنية في تشكيل لوحاته شطر الفئات المسحوقة والجماعات المقهورة، اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا، التي تعيش علي حافة المجتمع، وقد أقصيت عن الحياة، فلجأت إلي الحيلة في المقاومة، فقدم إضاءات باهرة لهذه الكائنات البسيطة علي الأرضية الاجتماعية والاقتصادية والبيولوجية التي تشكل بيئتها وهي تكافح كفاحا عنيدا ومستميتا من أجل البقاء.
- يصغي الفنان طه القرني ويحدق في لوحاته، حتي كأنه يومئ إلي شخصياته فتشاركنا ثقافة الأسئلة: لوحاتي مذكرات قانونية تشكيلية في وجه الأنظمة الفاسدة، ليس فقط في السياسة المباشرة بل في شتي مناحي الحياة، ولذلك فإن لوحاتي عن ثورة 52 يناير، ستظل للتاريخ القادم، ومشاهد مميزة لكل حاكم قادم، وأبطال »سوق الجمعة و»المولد« ذهبوا الي لوحة »الثورة« والأخيرة عبرة للتاريخ، تستقصي الحقيقة لتوصيل المنتج.
لننظر ونناظر عالم لوحة »المولد« يشاطرني الرؤية ويقاسمني الرأي، إذ إن هذه اللوحة تتخلص من التباسات المعني المألوف لتمتد وتخترق »مولد الحياة« وتكاد تري أبطالها يتقافزون الي لوحتي »سوق الجمعة« و»الثورة« لكن ليس علي طريقة »المتقافزين« إياهم في الشارع السياسي.. أليس كذلك؟
- الجانب الأخطر هو حالة المولد، حصار مجتمع موجود، كل الناس التي تعاني من الظلم تلجأ الي الأولياء للوصول الي مدرك آخر، لأن الحاكم الفاعل لم يعطهم حقوق في المواطنة، هي حالة الوجد الجمعي منذ أيام الفاطميين حتي الآن، تفعيل ثقافي للمدرك ما بين الدين والثقافة الفنية والموروث في المعتقد، لدينا حوالي 31 مليون مريد، وأكثر من ثلاثة آلاف شيخ صوفي، كلهم في حالة وجد.
لذة النص
يستقطبني في لوحة »المولد« أشتات من المتصوفة قلوبهم، المتقلبة أبصارهم، المتحركة جوارحهم، المنزوعة قسوتها، والله أعلم، بما في جداريته الفنان طه القرني عن المولد ذات ال 23 مترا مساحة و4.1 متر ارتفاع، مزج فيها ذاته بمشاهداته العينية والفؤادية عبر 27 ساعة تسجيل فيديو لهؤلاء الناس الذين بعضهم علي الأرض وبعضهم في السماء، لذا تكشف شخصيات »المولد« و»سوق الجمعة« أنهم تشكلوا في ذهنية الفنان عبر أكثر من زمان وأكثر من مكان، وأكثر من خيال، وأن الحميمية في تفاصيل ودقائق الوجوه هو حبل سري أوله في ذاتك، وآخره لا يزال ممتلئا بذوات الآخرين.. أليس كذلك؟
- هو يقول دالا ومؤكدا: كان والدي شيخا أزهريا، ومبتهلا بالإذاعة، وكان يصحبني في معظم مقاصده، وكنت أحفظ حوالي نصف سور القرآن الكريم، كانت جلساته مع جيل الرواد من المقرئين والمنشدين مثل المشايخ مصطفي اسماعيل والحصري والطبلاوي وشعيشع والطوخي، ونصر الدين طوبار والكحلاوي وسيد مكاوي وغيرهم، وكنت ظلا لوالدي حتي رحيله، وقد تركت هذه المؤثرات ظلالاها وأصداءها علي رؤيتي الفنية والوجدانية، ولم أحس بها أكثر إلا عندما رحت أجوب علي مدار سبع سنوات الكثير من الموالد في كل جنبات مصر، فشكلت هذ العمل الذي يضم صورا شتي لموالد مختلفة الأداء، وكان التحدي أن أشكلها في لوحة واحدة.
ومابين المشاهدة والملاحظة والحدس والكشف أنهكتك هذه اللوحة، هذا واضح للعيون التي في طرفها نقد فني؟
- لأني أستمتع دائما بلذة النص أو العمل، فقد كنت أتنقل بين لوحة المولد ولوحة سوق الجمعة، حتي التحمت إنسانيا وانحزت اجتماعيا وأبحرت وجدانيا مع أهل مصر الموازية، بثقافتها ونقائها وميراثها المحمول داخل الوجدان، فالموالد دنيا جاذبة، وظاهرة حرة، طليقة المشاعر، عفوية الحركة، محملة بكل النماذج من الأمي والعالم، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والمنتمي واللا منتمي لطريقة بعينها، ومن ثم كان هدفي أن أصل الي هؤلاء الذين لا يعرفون شيئا عن الفن التشكيلي، بعد أن لاحظت أن من استلهموا الموالد من الفنانين عرضوها للخاصة والمهتمين بالفن فقط، لذلك حرصت علي أن يكون هذا العمل من الناس والي الناس، انسجاما مع مقولة راسخة في ذهني للفنان الراحل صلاح جاهين »العمل الذي يبقي هو الذي يخرج من الناس ويعود إليهم« وركزت علي الرموز الثقافية التي تحملها ملابسهم واكسسوارتهم وتشكيلاتهم وملامح وجوههم الدالة علي مكوناتهم، فأردت أيضا أن يروا أنفسهم في المرآة التشكيلية، وأن يشعروا أن هناك من يبحث عنهم بجدية واحترام وإكبار، وبالقدرة علي فض الاشتباك بين الجمهور والفن التشكيلي.
وتحقق حلمك في الوصول إليهم؟
- بجدارياتي هذه التي تحمل عالما لا نهائيا من الشخوص والمظاهر الاحتفالية والحسية التي يعيشها المحتفلون بالموالد الشعبية علي اختلاف طبقاتهم حينما تتساوي الهامات في حلقات الذكر، وتقترب النفوس في نقطة واحدة من الإشراق الروحي، حين تجمعهم الموالد في رحابها لنيل الرضا والقبول دينا ودنيا معا.
003 ألف علبة ألوان
❊ ربما هذه الشفرة هي التي اجتذبت القائمين علي »موسوعة جينيس للأرقام القياسية«؟.
- لم أضع قط في مخيلتي الدخول في سجلات الموسوعة العالمية وأنا أرسم هذه الجدارية، بل لم استطع الفصل طوال رحلتي مع الجدارية لقرابة سبع سنوات كاملة من التتبع والمعايشة الواقعية لموالد مصر، ولك أن نتخيل وجود أكثر من 363 طريقة تحتفل بموالد مشايخها، كان علي أن افهم وأتعمق في الفرق بين كل مولد وآخر، خاصة من الناحية الرمزية للألوان، فكل مولد له رمزية في اللون، مثل الأحمر للدسوقية، والأخضر في الأزرق وشريط اصفر للشاذلية، استخدمت ما يزيد علي 003 ألف علبة ألوان لكي تخرج الجدارية في صورتها النهائية، وأنا لا أنوي بيع الجدارية العملاقة،لكني آمل أن تتبناها وزارة الثقافة كواحدة من الأعمال التي تؤرخ لثقافة وتراث مهم في مصر وان تختار لها المكان اللائق بها.
ندخل »سوق الجمعة« كلوحة غير مسبوقة في الشكل والمحتوي إذ تنتشر شخوصها ومكانها عبر تسعة مقاطع، تمتد علي مساحة 32 متراً وارتفاع 041 سنتيمترا، شاغلته فشغلته ثلاث سنوات، بدون افتراق، وهو ابن البلد، جذوره ممدودة في الوجدان الشعبي الجمعي، وفي المسافة المتحركة بين الصعيد الجواني والقاهرة الحقيقية، استقطر هموم الوجوه والنفوس فاستغرقته السمات والقسمات، وهو بذلك لا يمكن مقارنة لوحاته بلوحات الفنانين المستشرقين الذين »مروا من هنا« مجرد مرور عابر، وسفر مؤقت، لا استبطان فيه ولا روح، ولا حياة ولا حيوية، ومن ثم حق لموسوعة »جينيس« أن تتألق بها دون غيره من المبدعين في العالم.
في وهج لوحات الثورة
في وهج لوحات الثورة والمحاكمة، ذات الأربعين مترا مساحة، والمتر ونصف المتر ارتفاعا، يشتعل الوجدان الشعبي ألقا وقلقا، وبريقا وحريقا، لدي المواطن البطل البسيط مع لصوصه وحكامه، والذين ظلموه، والذين أظلموا حياته، والذين كان يفترض أن ينيروها، والذين ثاروا عليه، والذين ثار هو عليهم، فثأر منهم، فأرقدهم خلف القضبان ليحاكمهم اليوم، ويتحكم في القادمين غدا، إن هم تشابهوا معهم أو تشبهوا بهم، ولقد انفجر هذا الغليان المنبعث من اللوحات الثائرة الي صدر الصفحة الأولي ل »لأخبار« بل اقترن بمانشيت المحاكمة بتجلياتها القاهرة، وتداعياتها الباهرة، ثمة 31 لوحة توثق وترصد وتثبت وتسجل دقائق التحول الكبير، بعواصفه ولطائفه، وأنواره ونيرانه، وبشاراته وإشاراته، منذ الموجة الأولي للمد الثوري يوم 52 يناير بزلزال الشرارة الأولي ل »بداية المظاهرات« ثم »انهيار الأمن المركزي« ثم »موقعة الجمل« و»المطالبة بدم الشهداء« و»تحية الشهداء« و»التحذير من الثورة المضادة« و»جمعية السلفيين« و»ثائرات مصر يطالبن في جمعة انقاذ الثورة« وصولا..إلي »المحاكمة«.
- هي لوحات تتحدث الي المستقبل والأجيال القادمة والمتعاقبة، لأنها أقوي من الكاميرا، لأنها محملة بالإحساس والتاريخ والثقافة والتطلع الي المستقبل، الفرشاة اعادة رؤية ، وانتخاب أبطال، واعادة تصميم العمل اللوحة تقول ما لم تستطع الكاميرا أن تفعله ، الاحساس غير ثابت، وانفعالي في كل لحظة، عمر اللوحة الزمني أطول من خلال الإحساس المتغير، دور الفنان في تصويرالأحداث التاريخية أن يعيد صياغة المستقبل من خلال الحدث الآني.
فرشاتك تقرأ المشهد الراهن؟
- لا أزال متشائما ويبدو أنني سأظل هكذا، وإن كان ثمة بصيص من الأمل بالغ الصعوبة، لكني لست مطمئنا لسرعة ما يحدث في الشارع المصري الآن، من حراك سياسي واجتماعي وظهور تيارات علي كل المستويات
لماذا؟
- أخشي أن يتزايد المد الديني السلبي في أشياء كثيرة بالنسبة لي كفنان، لأن طبيعة الدين، وطبيعة الشكل العسكري عملية معقدة، الأولي: طبيعة »الوالي« والأخري طبيعة »الآمر« والإثنتان قد لا تعطيان الفرصة للحالة الجمعية أن تبدع، فالأمل في شكل مدني للدولة يحترم كل الآراء ويحتملها أيضا، فحالات الإبداع ليس لها سقف، شريطة احترام الدين بالمعني العظيم والمستنير، واحترام الذوق العام، وهي حالات تتطلع إلي اللانهائي.
رسالة الي المشير
في وهج لوحة الثورة والمحاكمة أيضا يبعث الفنان طه القرني برسالة مفتوحة:
- أود من المشير محمد حسين طنطاوي إجراء مراجعة للجانب التاريخي في بانوراما حرب أكتوبر، إذ لابد من تصحيح المغالطات التاريخية في لوحاتها.
لماذا؟
- حتي تتناغم الحقيقة الفنية مع الحقيقة التاريخية بمعني أن لوحة العمليات العسكرية للحدث العظيم »السادس من أكتوبر3791« يتواجد فيها الرئيس أنور السادات وبجواره حسني مبارك وهذه ليست حقيقة تاريخية، الصحيح أن الذي ينبغي أن يكون في المشهد المرسوم هو»الفريق سعد الدين الشاذلي« لأنه كان رئيس الأركان ومسئول العمليات، آنذاك.
من ينهض بهذه المهمة؟
- أنا كفنان تشكيلي أعلن قيامي بهذه المهمة واستثمار جميع امكانياتي الفنية والثقافية، شريطة تشكيل لجنة متخصصة تراجع صور حرب 3791 وهناك أيضا بعض الأخطاء في الكثير من اللوحات مثل لوحة »الملك نارمر« الفرعوني، ولوحة »حرب الهكسوس« حيث رسمت خلفيات تتشكل من آثار وجبال ورموز لا تخدم طبيعة اللوحة، ولا تؤكد تاريخيتها.
علي أني أقول إن الفنان يجب أن يكون أمينا في نقل الواقع وتوثيق الوقائع، لكن الفنانين الكوريين الذي قاموا بمهمة رسم البانوراما واستغرقوا في رسمها ست سنوات ( بدأوها عام 3891 وسلموها عام 9891) كان يفعلون ما يملي عليهم من قبل القيادة السياسية ورجالها الذين أشرفوا علي تزييف التاريخ الحقيقي.
الفن سياسة ورسالة
إذن الفن سياسة في منظورك؟
- لأن الفن الصادق لابد وأن ينشغل بقضايا المجتمع والعالم، وأن الفنان الحقيقي يمتلك مقدرة التعبير عنها، فأعمال اي فنان لابد أن توضح مدي تفاعله وانفعاله مع الاحداث الجارية، الفن التشكيلي في الأصل حالة مجتمعية تتفاعل مع الناس، لكن الفنان إذا عزل نفسه، لم يصبح فنانا جماهيريا، والسبب هو تتبع رؤي الغرب الذي أبعدنا عن المواطنة، وللأسف اغلب فنانينا يعيدون استهلاك الفكر الموجود، وهذا ما لا ينبغي أن يكون أو يسود، الفنان ينتج فكرا، لا أن يكون مجرد مستهلك لثقافة الآخر، فالمفروض أن أبدع فنا من بيئتي، وأعيد صياغته بشكل يتناغم مع مصريتي وعروبتي وقوميتي وشرقيتي.
كيف يمكن التخلص من مرض الانعزالية، هذا المرض المزمن؟.
- عندما يحتك الفنان والفن بالمجتمع يتحول الانعزال إلي اتصال والتحام، فالفن أيضا رسالة، الفن التشكيلي مثله مثل المحاماة والقضاء يتفاعل مع المجتمع لكنه أصبح في مصر جزيرة منعزلة عن المجتمع، نحن نعيد فتح هذا الباب علي اللقاء الجماهيري من خلال تداول هموم الشعب بحالته الجمعية، لوحة سوق الجمعة - مثلا - هي بمثابة حجر ألقيته في البحيرة الآسنة للفن التشكيلي، حيث أسعي في كل أعمالي لأن يظل الفن التشكيلي جزءا اساسيا من المكون الثقافي للمصريين فلا قيمة للعمل الفني دون جمهور، فلا بد من وجود التقاء دائم بين الفنان والناس.
علي من تقع المسئولية الانعزالية، علي المؤسسة الثقافية؟أم علي المبدعين؟ أم علي الجماهير؟
- لا أبرئ الوزير الأسبق فاروق حسني كمسئول مسئولية مؤسسية كاملة عن ركود الحركة التشكيلية وتأخرها، هو بسياسته كان مسئولا عن انعزال الفن التشكيلي عن المجتمع، مسئول عن ثبات الحركة الفنية 32 عاما، مسئول عن عملية التجريف التي حدثت لهذا الفن، فلم يحاول أن يدفعه الي الأمام، مع أنه فنان تشكيلي! هذا الموقف الجامد انعكس علي الفنان التشكيلي، بمعني طغيان نزعة التعالي والعلوائية عن الناس، وفرق كبير أن تكون منتجا للفكرة، ومستهلكا للمذاهب الغربية، الحركة التشكيلية تحتاج دائما الي قائد، إما أن يكون ثوريا، أو سياسيا يأخذك يمينا أوشمالا، لقد خضع الفن التشكيلي الي عملية تسييس واضحة، هل تستقيم حركة تشكيلية عظيمة وميزانية قطاع الفنون المخصصة أقل من أجر ممثل من الدرجة الثانية في مسلسل رمضاني؟ هذا مستحيل!.
ألا تري أن الفن التشكيلي يكاد يختنق من حصار أجواء القاهرة، فلم يغادرها الي الأماكن الأخري الأنقي والأكثر رحابة وطلاقة؟
- اتفق معك في أن معظم مشاهد الفن التشكيلي لا تتخطي مدينة القاهرة، وبالتحديد حدود منطقة الزمالك وجاردن سيتي، لم تتحاور مع الناس في الأقاليم والمحافظات والقري والمناطق النائية، لم يتحرك الفنانون والفن التشكيلي عامة الي عالم الفلاحين والصعيد الجواني، والأحياء الشعبية التي هي السواد الأعظم من المصريين، إن حرمان الإقليمي من الفن التشكيلي خطأ كبير، انها الموطن الأصلي لينابيع المشاعر الحية، وما لم يتحمل الفنانون التشكيليون مسئوليتهم تجاه مدنهم وقراهم والناس هناك، فسينطبق عليهم تعبير»لم يصبهم الدور« في التمتع بلذة التعامل مع هؤلاء الناس، إن عدم الحراك الثقافي في المحافظات يساعد علي تراجع الفاعل مع الفن التشكيلي، لابد من مشروعات ثقافية لدي المحافظين حماية للذوق العام، ودعني أقول لك إن معظم فناني القاهرة يحاكون الغرب، مع أن لدينا في الداخل جذورا ضاربة في عمق الوجدان الجمعي المصري.
التخلي والتحلي والتجلي
أنت واحد ممن أعادوا اكتشاف فن الجداريات عن بينة وعرف ب»التخلي« عن السائد والمألوف، وب »التحلي« جماليا في لوحات المولد وسوق الجمعة،و ب »التجلي« في اختيار موسوعة جينيس للوحتك سوق الجمعة، وأيضا في إكبار الموسوعة العربية لك كواحد من أهم ثلاثة فنانين تشكيليين أعادوا فن الجداريات مرة اخري؟.
- الجداريات فن مصري أصيل، يرجع إلي عصور الفراعنة، وهي تمثل حالات ملحمية في كل شئ، في العلم في الطب في الفن في الفلك في الشعبيات في الرياضة في الحروب، الفن الفرعوني محمل بالمذاهب الفنية، وهو قادر علي إعادة انتاجه بشكل فني معاصر، وسر استبقائه أنه يحمل قيمة، والقيمة داخل الإنسان المصري موجودة في أعمال تحتمل الزمن ويحتملها، التواصل مع الأجداد ضرورة فنية وحياتية، كلنا امتداد لهم، قد ننظر - ولابد أن ننظر - الي الوراء أحيانا لننطلق الي الأمام أكثر، أنا أعيد صياغة الشكل الملحمي، أستمدها من جوهر شخصية الشعب المصري بتاريخه وجغرافيته، وبحاضره وحضارته، فكان طبيعيا أن أنتصر للناس، وأعيد صياغة المشهد التشكيلي المنعزل الي الشارع، بتحركي وتعمقي وسط الناس للتفاعل معهم، كقاعدة جماهيرية عريضة.
شركات توظيف اللوحات
أتوافقني الرأي - في سياق لعبة الفن الحديث - علي أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه »شركات توظيف اللوحات«؟.
- نعم.. هناك مافيا خفية لاحتكار تجارة اللوحات تدار من حي الزمالك، وجاردن سيتي، ووسط البلد، نظرا لوجود أجانب كثيرين في مثل هذه الأحياء، الفساد طال الفن التشكيلي أيضا، وطال الفنانين بالطبع، وهي تجارة دولية، محبطة للفن التشكيلي، هناك احتكار للجداريات من قبل بعض الأسماء، هذا الاحتكار يؤدي إلي إزهاق الروح الابداعية لدي الشباب وفناني الصف الثاني علي وجه العموم، لدينا تجريف كامل للهوية تحت مصطلحات المدارس الغربية والمذاهب الأجنبية، ولعبة الفن الحديث، لو ركزنا علي رموز البيئة المصرية، لو حافظنا علي أصولنا وامتدادنا التاريخي لتغيرت خريطة الفن التشكيلي.
يزعجني ازدياد عزلة الفنان عن هموم مجتمعه، حتي أصبح الفنانون مشغولين ببيع اللوحات، والجمهور يمتنع، ثمة حصار من قاعات العرض للمشهد، تداول اللوحات مقصورا علي أصحاب رؤوس الأموال، وهذا كله جاء علي حساب شباب المبدعين، وكبارهم أيضا.
ما معني شراء لوحة بمائة مليون دولار في الغرب؟ هل هو اقتناء لمدرسة فنية بعينها؟ أهو استثمار و تجارة؟
- أعظم استثمار للفن التشكيلي أن يوضع في قالب يحكمه الفكر الجاد، والشكل النقدي يعطي اللوحة استحقاقاتها الفنية، علي أننا ينبغي أن نعترف بأن السوق المصري تحكمه شريحة محددة يتحكم فيه بعض الأسماء وبشكل شخصي.
و... أغادر بوتقة الإبداع التشكيلي، وأتباعد رويدا، وأصداء لوحات الفنان طه القرني، التي تشكل مشروعه الثقافي السياسي بظلالها وألوانها، ودراما قضاياها، وإشكالياتها وتشكيلاتها، تحرضني علي تكرار الزيارة، لأنها إبداعات فنان لا يريد أن يهدأ، ولن، فهو فنان يتميز بدرجة حادة من الذكاء، تتحول به إلي إحساس عميق، يخلق في ذاته توترا ، فإذا أقر فر منه الوهج، وهو المتوهج دائما وأبدا، وهل يعرف الفنان الحقيقي إلا.. التوهج؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.