ذهبت لزيارة قريب لي يعالج بأحد المستشفيات الخاصة من فئة الخمس نجوم. كان الرجل في حالة من الضعف والألم واظنه في هذه الظروف لا يحتاج إلا للانشغال بالدعاء وبمن يذكره بحسن الظن بالله فينتفع بعفوه ورحمته وكرمه. أثناء الزيارة دخل عدد من العاملين بالمستشفي لتغيير التليفزيون الموجود بالغرفة واستبدلوه بشاشة كبيرة LCD وتركوا الشاشة مفتوحة علي مسلسل شهير يعاد بثه وبالطبع انشغل أكثر الناس بالعرض وفرحوا بالشاشة الجديدة. وانتهت زيارتي وغادرت ولمحت في الغرف المفتوحة حجم اهتمام المرضي وزوارهم بالتغيير. حيث استغرق البعض بمتابعة مباراة في كرة القدم أو فيلم أجنبي أو مسلسل أو فيلم عربي! وبصراحة دهشت لان الانسان الذي يبتلي بمرض ويخضع للعلاج يصبح في معية الله.. وبدلا من شغله بهذا اللهو، أجد أن من الواجب توجيهه لخالقه. يدعوه ويطلب منه ويستغفره.. وحتي بالنسبة لنا اذا ذهبنا لزيارته وهذا أمر واجب ندرك ونحن في حضرة المريض اننا في حضرة الله تعالي.. فندعو له باخلاص ان يرفع الله عنه ويؤجره علي صبره بل ونطلب منه الدعاء لنا لان دعاءه مستجاب بإذن الله.. ورغم ان المستشفيات تعتقد ان من واجبها التسرية عن المريض وترفيهه يسليه وينسيه إلا أن هذا »فقه فاسد« وليسامحونني علي ذلك فهم يضرون المريض ولا ينفعونه!! وفي الحديث القدسي الشريف يخاطبنا الله تعالي بقوله: »عبدي.. مرضت ولم تعدني«.. فيقول العبد: كيف أعودك يا رب وانت رب العالمين؟.. فيرد الله تعالي: »مرض عبدي فلان.. لو زرته لوجدتني عنده«.. وفي رواية »لو زرته لوجدت ذلك عندي«.. وأمام هذا الاغراء الهائل بأن نزور المريض لانه في معية الله فنجلس إليه.. ونذكره برحمة الله وبفضل الذكر والالتزام بالاستغفار.. إذا بنا نشغله بالمسليات ونثير اهتمامه بالافلام والمسلسلات!! والعجيب انك لا تجد في أي مستشفي أي اهتمام بالجوانب الروحية للمرضي رغم اهميتها القصوي في بعث اعتمادهم علي الله وادراك أن الطبيب والدواء ليسا سوي أسباب تفعل أو لا تفعل.. ولكن الشافي الحقيقي والوحيد هو الله.. »وإذا مرضت.. فهو يشفين«.. فأفضل ما يفعله المريض في هذه الظروف هو أن يحسن التوجه إلي الله والتودد إليه والطلب منه والدعاء له.. واتصور أن هذا الجانب الروحي المسكوت عنه لا يقل أهمية عن شغل الطبيب والدواء بل انه يفوقهما أهمية.. ومع ذلك فالمستشفيات لا تشغل نفسها به.. ولا تهتم برفع الحالة المعنوية والنفسية والروحية للمريض كأحد بواعث الشفاء.. وإنما تراهم منشغلين بتغيير التليفزيونات والشاشات لتحقيق مزيد من الرفاهية للمريض فيدخل للمستشفي ويخرج دون ان تزداد علاقته بالله شيئا! وقد افزعني مثلا ان أغلب مرضي المستشفيات يعتقدون ان الصلاة قد سقطت عنهم بسبب مرضهم أو لانهم غير قادرين علي الوضوء أو بسبب سلس البول أو البراز نسأل الله لنا جميعا العافية.. والحقيقة ان الصلاة لا تسقط إلا علي من فقد عقله فقط.. وهي فرض علي المريض والسليم سواء بسواء ولكن لكل منهما ظروفه.. فيمكن للمريض ان يتيمم أو أن يصلي في أي اتجاه ويمكن له ان يصلي قائما أو قاعدا أو نائما.. فطالما انه في وعيه لا تسقط عنه الصلاة ولو صلي بعينيه أو يجري أحوال الصلاة علي قلبه.. فهل في المستشفيات من ينبه مرضاه علي واجباتهم ويأخذ بأيديهم إلي أهم باب من أبواب الشفاء قبل الدواء والطبيب وهو اللجوء إلي الله تعالي؟