حلّقت بنا الطائرة المصرية في فضاء العروبة وسماواتها الملبدة بالثورة والغيوم، وبمهارة هبط بنا الكابتن جمال إمام بسلام في مطار دبي قبل موعده المحدد، لنخف مسرعين إلي مدينة المهرجانات التي لا تبعد عن المطار سوي عشر دقائق بالسيارة. نضع الحقائب، ونعانق الأصدقاء القادمين من مشارق الأرض ومغاربها لأجل عيون الشعر: الروائي واسيني الأعرج، الجزائري المقيم في باريس، والناقد سعيد يقطين، المغربي الذي تبوأ مؤخراً رئاسة اتحاد كتاب الإنترنت العرب، ومواطنيه: عبد الواحد أكمير، مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، والشاعر محمد بشكار، والمنصف المزغني، مدير بيت الشعر في تونس، ومواطنيه؛ العالم الدكتور كمال عمران، وهاجر بوغانمي، أول صحفية تونسية تعمل في مسقط، والكاتب صالح غريب، رئيس القسم الثقافي بجريدة "الشرق" القطرية، وناقدنا المصري الدكتور أحمد درويش الذي انضم إلي أساتذة جامعة قطر مع هذا الفصل الدراسي، والكاتب المسرحي السوري علي عقلة عرسان، والناقد العراقي نجم عبدالله كاظم. وبعد أن نستريح قليلاًً، حتي نتوجه لنشهد حفل تدشين ملتقي "الشعر من أجل التعايش السلمي"، الذي افتتحه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس الوزراء، حاكم دبي، والشاعر عبد العزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة الجائزة التي تعتني بفن العربية الأول، وذلك في حضور عدد من الساسة في مقدمتهم: حارث سيلاجيتش، رئيس البوسنة والهرسك السابق، والمشير عبدالرحمن سوارالذهب، رئيس جمهورية السودان الأسبق، وفؤاد السنيورة، رئيس وزراء لبنان الأسبق، ومايكل فرندو، رئيس برلمان مالطا، وحامد برهان، رئيس برلمان جمهورية القمر المتحدة، وسفين الكلاچ، وزير خارجية البوسنة والهرسك، وجيوفاني بيتيلا، النائب الأول لرئيس البرلمان الأوروبي، وعمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلي الإسلامي العراقي. وفي كلمته ذكر البابطين أن مؤسسته الخيرية قصدت أن تجمع في هذا الملتقي بين الشعر والحوار لتكوّن من هذين الجذرين شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وقصدت أن يرقي الحوار بالشعر إلي ملامسة الهم الإنساني العام، وأن يسند الشعرُ الحوارَ ليصبح ثقافةً يتبناها الجميع. ولأن صداقة قديمة تربطني بالكاتب المسرحي عبد العزيز السريع، الأمين العام لهذه المؤسسة، فقد اطلعني، ونحن نتأهب لمغادرة دبي، علي النية في عقد الدورة الرابعة عشرة في النصف الثاني من عام 2013 في كوبنهاجن تحت عنوان "أن نَعرِف وأن نُعرَف"، في إشارة غير خافية إلي مد جسور الحوار العقلاني مع الآخر في الدنمارك التي شهدت واقعة نشر رسوم مسيئة إلي رسول الإسلام، وستدور جلسات هذه الدورة وأوراقها البحثية حول هذه الأفكار: دور إسكندنافية في ثقافة السلام، ودور الإعلام في تأجيج الصراع، وإشاعة ثقافة التسامح، والتواصل الثقافي بين العرب والعالم.. ابن فضلان ونيبور أنموذجاً، والهجرة والترجمة وجسور التواصل الحضاري والثقافي. ولأن الترجمة، من العربية وإليها، تلعب دوراً خطيراً في انجاح هذا الملتقي، الذي يضم عدداً كبيراً من المبدعين والمفكرين الأجانب، فقد لفتني هذا المستوي الرفيع الذي جاءت عليه الترجمة العربية للقصائد المكتوبة بالإنجليزية، فقد نجح الشاعر السكندري عبد المنعم سالم في نفي مقولة أن الترجمة خيانة للنص الأصلي، عندما أخضع موهبته الشعرية، وعشقه للإنجليزية لإنتاج ترجمات عربية تحمل روح الشعر في لغته الأصلية. ومما لفتني أيضاً قيام شاعرنا رفعت سلام، الذي أمتعني بترجمته وتقديمه للأعمال الكاملة ل"بودلير"، بإعداد سفر بعنوان "أنا ذ الآخر"، ضم مختارات مترجمة إلي العربية من قصائد: ريتسوس، بوشكين، طاغور، لوركا، رامبو، كفافيس، ليرمونتوف، وغيرهم من شعراء العالم الذين ينشدون حرية الأوطان والكف عن الغي، والظلم، وقهر البشر، إيماناً منهم بقدرة الشعر علي نشر ثقافة التعايش الجميل بين البشر. بقي أن أقول إن الصديق عبد الكريم البابطين كاد يطير من شدة الفرح بميلاد شاعرة شابة جديدة بهرت الحضور بمجرد أن قرأت أولي قصائدها.. وهي دلال البارود، وقد طلبت منه أن تتعهدها مؤسسة البابطين حتي يعرفها عشاق الشعر في كل مكان.